دراسة لـ«الأونروا»: ثلث اللاجئين الفلسطينيين فقراء
الإثنين، 29 آب، 2011
معروف للجميع أن اللاجئين الفلسطينيين فقراء، لكن ما لم يكن معروفاً هو نسبة هذا الفقر وتأثيره في حياتهم، إلا عندما أعلنت «الأونروا» ذلك من خلال دراسة أعدّتها بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي..
قاسم س. قاسم
في مخيم شاتيلا، وفي أحد الأزّقة الداخلية التي لا تدخلها أشعة الشمس تسكن عائلة مؤلفة من زوجين وثلاثة أبناء. سكان المخيم يعرفون تلك العائلة جيداً، فهم من أصحاب حالة «الفقر المدقع»، كما تصفهم «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)»، أي إنهم من الذين لا تزال الوكالة تقدم إليهم الإعانة على الرغم من أزمتها المالية.
عائلة محمود طه تسكن في منزل، عبارة عن غرفة ومطبخ وحمام. تدخل إلى الغرفة ـــــ المنزل، فتشعر بكثافة الرطوبة بمجرد استنشاقك الهواء. «الجدران بتنشّ علينا، وأشعة الشمس لا تصل الينا، لذلك الرطوبة عالية»، يقول طه. الواقع الذي يعيشه الرجل في منزله انعكس على صحة العائلة، فالأولاد «يعانون حساسية في الجلد، إضافةً إلى أن الصغير يصاب بنوبات سعال قوية» يقول. هو يعاني إعاقة في يده اليمنى «بشتغل يوم وعشرة لأ»، يقول. هذا الواقع ينعكس على تأمين وضع العائلة، حيث يساعدنا «الجيران بإرسال بعض الألبسة والطعام إلينا».
طه يمثّل عيّنة من الحالات التي تضمّنتها دراسة «الأونروا» للواقعين الاقتصادي والاجتماعي للاجئين الفلسطينيين. الدراسة التي أطلقتها الوكالة بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، أصبحت مرجعاً معتمداً بالنسبة إلى الجمعيات والهيئات المدنية الفلسطينية. فللمرة الأولى يصبح هناك أرقام وإحصائيات دقيقة وواقعية تعكس الواقع السيّئ الذي يعيشه الفلسطينيون، ومنهم طه. الدراسة أسهمت في تصحيح العديد من الأخطاء الشائعة التي كان يتداولها المعنيون بالملف الفلسطيني، وفي الإضاءة على جوانب لم تكن معروفة بدقة. أحد تلك الأخطاء هو العدد الذي لطالما ردّده معظم مسؤولي الجمعيات والفصائل الفلسطينية، إضافة إلى السياسيين اللبنانيين في أحاديثهم عن وجود 500 ألف فلسطيني في لبنان. هؤلاء كانوا يعتمدون على سجلات «الأونروا»، التي أحصت حين تأسيسها في عام 1949 الذين لجأوا إلى لبنان، لكن، مع مرور السنين، قام الفلسطينيون بالهجرة المعاكسة من لبنان بسبب الأوضاع المعيشية السيئة التي عاشوها، فتقلص عدد اللاجئين ليصل إلى 260 ألف فلسطيني موجودين على الأراضي اللبنانية. الدراسة وضعت لتكون خارطة طريق تسير عليها الوكالة من أجل تحسين سياستها تجاه هؤلاء، ولتعرف ما يحتاج إليه المجتمع الفلسطيني من خدمات. هكذا، شملت الدراسة 2600 عينة في 32 مخيماً وتجمعاً، فتبين أن 56% من اللاجئين عاطلون من العمل، وأن عديد اليد العاملة الفلسطينية هو 120 ألفاً، إلا أن سوق العمل اللبناني لا يضمّ من هؤلاء سوى 53 ألفاً فقط. أما عن نسبة الفقر، فجرى تحديد خط الفقر بأنه من ينفق 6$ يومياً على تأمين المأكل وأشياء أخرى، مثل التنقّل، والإيجارات. فتبين أن ثلثي اللاجئين هم فقراء، ما يعادل 160 ألفاً من أصل 250 ألفاً يقطنون في لبنان. أما الذين يعيشون في حالة «فقر مدقع»، فهم الذين يصرفون 2$ يومياً فقط على أساسيات الحياة، أي الطعام. وهؤلاء يمثّلون 6.6% من المجتمع الفلسطيني، أي ما يعادل 16 ألف نسمة، لتخلص الدراسة إلى أن نسبة الفقر في المجتمع الفلسطيني بلغت أربعة أضعاف ما هو موجود في المجتمع اللبناني.
الواقع الاقتصادي السيّئ بالنسبة إلى الفلسطينيين انعكس أيضاً على وضعهم الصحي، إذ أظهرت الدراسة أن 95% من هؤلاء لا يملكون أي تأمين صحي، وأن المصدر الأساسي لطبابتهم هو عيادات الأونروا، إضافةً إلى أن ثلث اللاجئين يعانون أمراضاً مزمنة. أما بالنسبة إلى الصحة النفسية، فقد أجاب21% من الذين جرت مقابلتهم بأنهم مروا بحالات من الإحباط والقلق. الفقر الذي يعيش في ظلّه الفلسطينيون انعكس على أحوال منازلهم، إذ تبيّن أن 40% من تلك المنازل تعاني تسرّباً للمياه عبر الأسقف أو الجدران، إضافةً إلى أن 8% من منازل اللاجئين لا تزال أسقفها مؤقتة، أي أسقف زينكو، إترنيت أو ألواح خشبية. وفي شاتيلا أيضاً تسكن ليلى في منزل سقفه من الزينكو. تقول السيدة الأربعينية إنه خلال فصل «الصيف يكون المنزل فرناً، أما في الشتاء، فيكفيك صوت الأمطار المنهمرة على السقف كي لا تنام الليل». تأخذك السيدة إلى خارج منزلها وتشير بيدها إلى أحد خزّانات المياه الموضوعة في الخارج. «تبرّع أحدهم بخزان المياه هذا لكي أستخدمه، كنت في السابق آتي بالماء في الغالونات البلاستيكية لأستخدمها في المنزل».
--------------------------------------------------------
الأونروا تبحث عن تمويل
بدأت «الأونروا» بتحسين ما أظهرته الدراسة على أنه بحاجة إلى اهتمامها، وخصوصاً في ما يتعلق بالصحة، البنى التحتية، التعليم، العمل، ويقول سلفاتوري لومباردو المدير العام للوكالة «تمكّنا من تأمين تمويل في المجال الصحي، وتمكنّا من رفع تغطية الحالات المستعصية إلى حد 40% من الكلفة». أما في ما يتعلق بالبنى التحتية، فيقول «نتوقّع دعماً في الأشهر المقبلة». ويرى لومباردو أن حرمان الفلسطيني «من العمل هو من أكبر المشاكل، لذلك ستُفتتَح مراكز التوظيف في ثلاث مناطق أساسية في الشمال، صيدا وصور».
المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية