دمار غزة يعيد لذاكرة الشاعرة رحاب مجزرة
شاتيلا
السبت، 25 تموز،
2015
بمجرد أن نظرت الشاعرة الفلسطينية رحاب كنعان إلى
الركام والدمار الذي يدور حولها في قطاع غزة حتى أعادت لها الأذهان مجزرة فقدت من خلالها
"53" فرداً من عائلتها.
ورغم الفاصل الزمني الذي تجاوز 33 عاماً، إلا أن
الأحداث متشابهة ما بين القتل والتدمير والأشلاء المتناثرة على أزقة وشوارع غزة، وما
بين مجزرة فقدت فيها عائلتها بلبنان... مما جعلها تردد بصوت مذهول في الوهلة الأولى
التي رأت بها دمار غزة بعد حرب (2014) "أنا لست بغزة، أنا في شاتيلا.. هذه هي
نفس البناية التي هدمت على عائلتي.. هذا الدمار ذاته.. هذه الدماء والأشلاء ذاتها".
غزة وشاتيلا
وقالت رحاب من صفحات ذكرياتها التي جمعت مجزرتي غزة
وشاتيلا، لمراسلة "المركز الفلسطيني للإعلام": "كانت الأشلاء على الأرض
والدماء مثل النهر، والأصعب من ذلك حينما كانت تمزق بطون الحوامل بدون أي رحمة، حيث
كانت تحفر مقابر جماعية، والجثامين في كل مكان في مخيم صبرا وشاتيلا، وكان عدد الشهداء
5000 شهيد و7000 مفقود".
وبينت أن "الناس خرجت لتحتمي بالمستشفيات ظناً
منهم أنها مكان لا يقترب منه إلا أنه تم قتل الأطباء واغتصاب النساء. لقد كانت مشاهد
يصعب وصفها".
وذكرت أنها كانت تشعر أنها ممكن أن تفقد أحد أفراد
عائلتها، "لكن الفاجعة حينما فقدت كل أفراد عائلتي؛ حيث هدم الاحتلال الإسرائيلي
الملجأ الذي كان فيها أفراد عائلتي".
وأضافت: "لقد كان الموقف صعبا خاصة أنني كنت
أعلم بأن أهلي في ملجأ آخر، وبعد الهدم أخبرتني امرأة أن كل أفراد عائلتي قد ماتوا
بعد أن هدم الملجأ عليهم، فأخذت أصرخ وأخبرها بأنهم ليس في الملجأ الذي هدم فأخبرتني
بأنهم جاءوا لهذا الملجأ قبل أن يدمر على من فيه قبل يومين من القصف".
واستكملت حديثها بمشاعر الألم: "كانت صدمة كبيرة
بأن أفقد كل أفراد عائلتي، أبي.. أمي.. أخواتي.. إخواني.. ابني.. أعمامي.. الجميع...
كنت أبكي بحرقة، وأقول: لماذا رحلتم عني جميعاً وتركتموني وحدي.. لماذا رحلتم؟!!!".
هذا المشهد نبع بكلمات قصائدها وهي ترثيهم قائلة:
"ضاع وجه أبي.. وتاهت صرخة أمي.. وتناثرت ضفائر أختي وبقايا أنامل أخوتي.. أمي
يتوهج في الأعماق حنينًا لبقايا أغصان العصافير.. ذابت مع صرخاتنا الأخيرة لقبلة أبي
بين الحلم والصحو المترنح للجلوس وإخوتي على مائدة الكتب.. لقهوة أختي على عتبة نامت
الابتسامة وناحت عليها اليمامة.. أثقلت السطور والأقلام وبقيت وحدي.. صرخت بقلبي الكسير
"يارب أعطِ الصبر لعبدك الفقير".
الصورة تنطق
وكلما نظرت رحاب إلى صورةٍ تحمل في إطارها أفراد
عائلتها كانت تتحدث معهم وتخاطبهم، وكثيرًا من الوقت تشاورهم في ما تحتار في اختياره،
حيث قالت بنبرات جمعت ابتسامة تحمل الألم: "كثيرًا من الوقت أتحدث مع أمي وأبي
وأخواتي وإخوتي.. أنظر إليهم بالصورة وأخبرهم ما يجول في قلبي فأشعر أنهم يبادلونني
الحديث، فالصورة بالنسبة لي أكبر من مجرد صورة داخل إطار".
وما أن تقع عينها على صورة نجلها ماهر الذي رحل مع
أفراد عائلتها في المجزرة حتى تحتضنها وتقبلها، وتأخذ كلمات تلقيها على مسامع الصورة
قائلة: "بمَ أرثيك يا ولدي بعدما اغتالوا الكلام وحطموا الأقلام، وكيف أرثيك يا
ولدي وأنت لم تزل على صدري وبين خفقات قلبي تنام، أناديك يا ولدي والحزن يصهل في عروقي
يغتال فرحي، فأينك من بين البشر لتضمد جراحي، لتمسح عن جفني العبر، سأنتظرك يا ولدي
عند زيتونة باركها الله تفيء بظلها الرسل لننتظر بزوغ الفجر، وستبقى يا شهد روحي أغنية
للفجر تعيش بين الضلوع حتى فناء العمر".
وأوضحت أنه "مهما مرت السنوات فمن الصعب نسيان
هذه المذبحة فلا يزال لها أثر كبير في عقلها وفكرها وحياتها خاصة أنها فقدت
"53" من أفراد عائلتها... وها هي اليوم تتكرر رؤيتها لمشاهد الوجع في حرب
غزة (2014)".
شاتيلا وغزة
وكانت كلما تنقلت رحاب في شوارع غزة تردد من هول
الدمار الذي أحدثته حرب غزة: "أنا لست في غزة.. هذه صبرا وشاتيلا، هذه العمارة
المدمرة هي ذاتها التي دمرت على أفراد عائلتي وقتلتهم جميعاً...".
وأضاف: "ففي صبرا وشاتيلا كانت الجثث والأشلاء
والهدم والدماء والدمار والحال ذاته يتكرر في مجزرة غزة بنفس التفاصيل بالمحاصرة والقتل
والتشريد والذبح وهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها".
وفي كلمات ترجلت كفارس في نصر غزة التي جمعت مشاهدة
مجزرة صبرا وشاتيلا قالت في قصيدتها: "وترحل العيون من رفح وبيت حانون إلى صور
ومرج عيون وعلى الجبين آيات فجر...هنيئاً لك ولنا يا غزة لاغتسالك من دنس الغزاة بردائك
المطهر... بعزة يعتلي قوس القمر... نعم سيدة العشاق والشهادة.. من رماد الجرح.. من
دخان القهر، من دمع الطهر، غزة لنا راية النصر.. سطر يا تاريخ عن المارد الفلسطيني،
عن زغاريد الثكالى.. نزعوا ثوب الحزن بثوب النصر ورؤية التحرير".
المصدر: المركز
الفلسطيني للإعلام