دور الإعلام الفلسطيني في تبني قضايا اللاجئين الفلسطينيين
ورقة عمل إعداد: الإعلامي الأستاذ هيثم محمد أبو الغزلان
مقدمة:
تكمُن أهمية الإعلام بوسائله المختلفة (المسموعة والمقروءة والمرئية..)، كونه أحد أهم الوسائل الحديثة في مخاطبة المجتمعات الإنسانية والتأثير على سلوكياتها الثقافية والسياسية والاجتماعية... وبالتالي يُؤثر على نتاجها الفكري والإبداعي بما يتميز به من قدرة فائقة في التأثير من خلال مخاطبة الحدث وتحليل مجريات الأحداث.
وأصبح الإعلام أحد المكونات الأساسية المُتحكِّمة في حركة الإنسان، خصوصاً بعد تسارع حركة الانفجار المعرفي في كافة الأبعاد الإيديولوجية والتقنية، ما يطرح الأسئلة حول ضرورة الخروج من حالة الاستلاب؛ سواء كان الاستلاب للمنظومة الغربية، أو لجهة انتهاك الذات لذاتها وأسرها في قوالب استبدادية جامدة.
وبناء عليه فإن الإعلام اليوم لم يعد مجرد ناقل لخبر، بل تعدّاه إلى نقل المعلومات السياسية والثقافية والقيام بدور التعليم والتوعية والتوجيه والإرشاد في كافة مناحي الحياة، مما يعطيه المزيد من الأهمية والخطورة في آن معًا..
وهذا يقودنا إلى ضرورة التنبُّه من المخاطر التي تُحدق بقضايانا ومنها على سبيل المثال لا الحصر (قضية اللاجئين الفلسطينيين)، وخطورة الهجومات الإعلامية الساعية لتكريس منطق الكيان الإسرائيلي في فرض منطقِه وآرائه الرافضة لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم ووطنهم، بل ومحاولة الحصول على تعويضات لما يسميهم "لاجئين يهودا" في الدول العربية؟!
وفي ضوء الحالة التي عاشها الفلسطينيون في المراحل المختلفة تحدّد مفهوم الإعلام الفلسطيني بأنه: "استثمار كافة وسائل الإعلام والاتصال، تجاه خدمة القضية الفلسطينية ودعمها على المستويات الفلسطينية والعربية والدولية، بما يحقق توظيف الرأي العام نحو الضغط المتواصل والمنظم على القيادات الفاعلة وصناع القرار في مختلف أرجاء المعمورة لاتخاذ المواقف والقرارات التي من شأنها أن تجعل من القضية الفلسطينية محوراً دائماً لاهتمام المجتمع الدولي، وتوفير الدعم للشعب الفلسطيني، لتحقيق أهدافه الوطنية"... (1)
دور الإعلام ماضياً وحاضراً في إبراز قضية اللاجئين
لا شك أن لقضية اللاجئين الفلسطينيين أهمية بالغة كونها تحتل موقعاً مركزياً مهماً في القضية الفلسطينية، ولكون النسبة العظمى من الشعب الفلسطيني تعيش بفعل وجود الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين، تعيش قسراً خارج أرضها ووطنها في ظروف وبيئات مختلفة ومتباينة.
ورغم طول مدة اللجوء والعيش في أماكن مختلفة، إلا أن اللاجئين ظلّوا متمسّكين بحقهم في العودة إلى أرضهم وديارهم التي أُخرجوا منها بغير حق. وعلى الرغم من قساوة الظروف إلا أن صمود اللاجئين مكّنهم من تطوير مجتمعاتهم وتنميتها. وساهمت في ذلك وكالة (الأونروا) المنظمة الدولية المفوضة خصيصاً برعاية وتقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين والتي لم تتوقف المحاولات لإنهاء دورها، وكذلك قامت بدور مهم منظمة التحرير الفلسطينية تجاه تلبية احتياجات اللاجئين وأوضاعهم الحياتية والحقوقية من أجل التمسك بالحقوق والثوابت.
وأنشأت المنظمة هياكل مدنية للاجئين، ووزارة شؤون اللاجئين، ومجلسًا أعلى لشؤون اللاجئين، وهيئة عليا لشؤون اللاجئين (شؤون المخيمات)، يضاف إلى ذلك منظمات مجتمع مدني ومراكز للدفاع عن حق العودة طارحة مشاريع وبرامج وأبحاثاً تتناول قضية اللاجئين ماضياً وحاضراً.
كما أنشأت حركة حماس دائرة شؤون اللاجئين، والعديد من الهيئات والمنظمات التي تُعنى بهذه القضية وأولتها اهتماماً، خاصة لجهة عقد مؤتمرات وإصدار مجلات ونشرات وتناولها في وسائل إعلامها المختلفة.
وهذا يقودنا إلى التساؤل عن دور الإعلام في خدمة قضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان؟
وللإجابة عن ذلك، يمكننا تقسيم ذلك إلى:
1 - الإعلام المُتعاطي مع قضية اللاجئين وفق النظرة النمطية أو المُنمّطة عن الفلسطيني المسكين، أو عبر تحميله المسؤولية عن كل مشاكل الكون.
2 - الإعلام الفلسطيني: مجلات ونشرات، ومواقع الانترنت...
- في الأولى: نجد أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هم الأكثر معاناة، بخلاف اللاجئين الموجودين في دول عربية أخرى. فاللاجئون الفلسطينيون في لبنان يعانون ويلاقون صنوف التقييد وعدم الحرية، والتمييز الواضح بحكم القانون وبحسب الأمر الواقع بالمقارنة مع الأشخاص الآخرين من غير المواطنين فيما يتعلق بحقوق تملّك العقار ووراثة الممتلكات العقارية والقيود الشديدة التي تفرضها الحكومة اللبنانية على إعادة البناء وتطوير الأبنية في المخيمات حيث يُمنع التوسُّع الأفقي والعامودي، رغم حالة التراكم الديمغرافي للفلسطينيين عبر سنوات وجودهم في لبنان، وتمييز بحكم القانون وبحسب الأمر الواقع أيضاً فيما يتعلق بالعمل. وهذا التمييز يخلق بالعلاقة مع حقوق الملكية والإرث، والحق في العمل، أوضاعاً لا يستطيع اللاجئون الفلسطينيون من خلالها التمتّع بمستوى معيشة مناسب، بحسب مذكرةٍ لمنظمة العفو الدولية..
ويعلل المسؤولون اللبنانيون هذه الإجراءات برفض اللبنانيين للتوطين على اعتبار أنه يخل بالتوازن الطائفي، وهذا انعكس تقييداً على الفلسطيني الذي يرفض وبشكل قاطع مبدأ التوطين، الذي لم يصبح رفضه ـ أي التوطين ـ، قضية مشتركة لبنانياً وفلسطينياً، بحيث تتكاتف الجهود المشتركة لمنع حدوثه، والعمل على تعزيز الرفض اللبناني والفلسطيني له.
وبحسب خلاصة تقرير استند إلى مناقشات فريق عمل اختصاصي تحت إشراف مركز الدراسات اللبنانية في أوكسفورد، فإن سماح لبنان للاجئين الفلسطينيين بالإعمار وتحسين البنى التحتية ليس انعكاساً لمشروع توطين بقدر ما هو مساهمة فعلية في تنقية البيئة والمجاري المائية والتربة اللبنانية، فالمخيمات ليست مناطق معزولة بل هي متداخلة إعمارياً وبيئياً في الحياة اللبنانية، والأضرار البيئية والصحية المترتبة على أي تلوث في أي مخيم لها مردود وأضرار عامة ليست محصورة ضمن جدران المخيمات. وتحسين ظروف العيش التربوية والصحية بالسماح بالإعمار والحد من الاكتظاظ السكاني داخل المنزل الواحد إنما يجعل من الطبيعي تغيير نمط العيش في المخيمات...
وهنا لا بد من الإشارة إلى ازدياد حالات الفقر والبطالة مما زاد من معدلات الطلاق وعمالة الأطفال وارتفاع نسبة العنوسة بين الفتيات بسبب ارتفاع سن الزواج لدى الشبان أيضاً. وأمام هذا الواقع يجد الفلسطيني نفسه أمام خيارين: إما البقاء في ظل أوضاع اقتصادية سيئة وظروف صعبة، وإما الهجرة.
- أما في الثانية: الإعلام الفلسطيني: مجلات ونشرات، ومواقع الانترنت...
ومن المعروف أن الإعلام بشكل عام له أغراض وأهداف ورسالة هدفها التأثير على العقول والعواطف، ولكن الإعلام الذي له قضية وطنية يجب أن يكون مدافعاً عن القضية، وأن يمنع وسائل إعلام العدو من اختراق الثقافة الوطنية للتأثير على الشعب وتغيير رؤيته للواقع.
وتعتبر قضية اللاجئين وحق العـودة، محورية في الخطاب الإعلامي الفلسطيني، ولكن حتى اللحظة لم يستطع الإعلام الفلسطيني أن يتناول قضايا اللاجئين وفق أجندة وطنية شاملة، ولم يستطع أن يكون السبّاق في تناول الشأن الفلسطيني، أو أن يكون مصدراً لوسائل الإعلام الأخرى، عدا عن تناوله لحق العودة بشكل موسمي وبعيداً عن التحليل والعمـق في المعالجة في كثير من الأحيان.
ويمكن الاستدلال على ما تم ذكره من خلال بروز الجهل بقضية اللاجئين الفلسطينيين بين الجمهور البريطاني؛ فعلى سبيل المثال، كشفت دراسة مسحية أجريت قبل سنوات قليلة من قبل البروفيسور "غريغ فيلو" من مجموعة إعلام جامعة "غلاسكو" أن (8 %) فقط من الناس عرفوا أنه تم تهجير لاجئين من بيوتهم وأراضيهم حينما تم تأسيس "دولة إسرائيل" عام 1948. كما أن عدداً قليلاً عرفوا أن التوسع الجغرافي الإسرائيلي عام 1967 قد تسبب في تهجير موجة أخرى من اللاجئين الفلسطينيين، وحتى هناك بعض من يعتقد أنهم جاءوا من أفغانستان!
ووفقا للبروفسور "فيلو"، فإن نقص الفهم هذا يعود إلى التغطية الإعلامية التي "تحرز مستوىً عاليًا من النقاط في تغطية صور القتال والعنف ومسرح الأحداث؛ لكنها تحرز نقاطاً ضعيفة في تفسير ما يجري". ولا بد من أخذ رأي "فيلو" بجدية، فقد ركز في كتابه الرائد "أخبار سيئة من إسرائيل" على التغطية المتلفزة للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني؛ حيث تبين أن التغطية المتلفزة هي المصدر الرئيس للأخبار عن القضية بالنسبة لـ (82%) من الذين مُسحت آراؤهم.(2)
وأمام ما تقدّم يمكن تسجيل الملاحظات الآتية على الأداء الإعلامي:
- رغم قِدم معاناة اللاجئين الفلسطينيين؛ إلا أنه لم يتم إعطاؤها الاهتمام المطلوب، كقضية سياسية وإنسانية عادلة.
- عدم وجود خطة إستراتيجية واضحة ومحددة، واقتصار التعامل مع قضية اللاجئين على المناسبات الموسمية (النكبة..).
- القيام في كثير من الأحيان بالتغطية الإعلامية المجردة، وعدم إدخال البعد الإنساني لمعاناة اللاجئ الذي اضطر لمغادرة مكان سكنه أكثر من مرة حتى في أماكن اللجوء ضمن القصة الخبرية.
- ازدواجية الخطاب الإعلامي تجاه قضية اللاجئين؛ فالبعض من المسؤولين يستخدم لغة مرنة جداً ومتساهلة مع الوفود الأجنبية وفي المؤتمرات الخارجية، ويستخدم لغة متشددة تجاه الجمهور الفلسطيني فيما يتعلق بالحقوق الوطنية والثوابت.
- عدم تغطية فعاليات ونشاطات اللاجئين في بعض وسائل الإعلام الفلسطينية التي تركز على الأمور الشكلية بعيداً عن الأمور الجوهرية.
- لم يقم الإعلام الفلسطيني بدورٍ كافٍ في عملية تثقيف وتوعية اللاجئ الفلسطيني بحقوقه وطرق المطالبة باستعادة الممتلكات، بل راح بعض الإعلاميين بالترويج لأفكار لا تخدم حق العودة بل تؤثر سلبا عليه مثل: مبادرة جنيف وطابا ووثيقة نسيبة ايالون وغيرها.
مجلة البراق نموذجاً
وحتى نبتعد عن لغة التعميم فإن هناك بعض النجاحات الفردية لدى بعض المؤسسات الإعلامية، ولكنها تبقى بعيدة عن أي خطة إستراتيجية وطنية فلسطينية للتعاطي مع قضية اللاجئين الفلسطينيين.
وهنا لا بد لنا من المرور على شهرية "البراق" كنموذج للإعلام المُتعاطي مع قضية اللاجئين في لبنان، وأقسامها: البراق السياسي، فعاليات، البراق الاجتماعي، على طريق العودة، صرخة، البراق الإسلامي، البراق الثقافي، تقارير، الصفحة الأخيرة..
ومن الملاحظ أن شهرية البراق تتناول قضايا اللاجئين بموضوعية بعيداً عن الإثارة التي تعتمدها بعض الصحف الصفراء. كما يُلاحظ مدى التطور في الشكل والجوهر بين العدد صفر والعدد مئة.
كما يُلاحظ تناولها للمواضيع المتنوعة من كافة المخيمات الفلسطينية: عين الحلوة، الرشيدية، شاتيلا، برج البراجنة، مخيم الجليل، نهر البارد والبداوي... والتي تميزت بتحقيقات وتقارير تهُم اللاجئ وتُلقي الضوء على معاناته، وتُعطي صورة إيجابية عن المخيمات كما في تناولها العلاقات اللبنانية الفلسطينية من خلال تحقيقات عن الأسواق والتداخل اللبناني الفلسطيني فيها، ودخول اللبنانيين إلى أسواق المخيمات كما في عين الحلوة.
كما أبرزت (البراق) معاناة اللاجئين الفلسطينيين، وقامت بتحقيقات مع كبار السن وسكان المخيمات لمعرفة آرائهم والمعاناة التي يعيشونها.
مواقع الإنترنت الفلسطينية في لبنان
وفيما يتعلق بمواقع الإنترنت الفلسطينية في لبنان فإنها تُمثّل إحدى الركائز الأساسية "للإعلام الفلسطيني"، وأصبحت الصوت المتعدد لكافة مكونات المجتمع، وما يميزها هو تبني معظمها لخطاب يركز على حق العودة ورفض التهجير أو التوطين. ورغم تعدد المواقع المُعبّرة عن وجود مواقع تابعة لفصائل فلسطينية وجمعيات أهلية، إلا أن الخطاب الإعلامي فيها لم يرتق إلى مستوى مواجهة التحديات لأسباب عديدة ومتنوعة.
ومن الضروري القيام بخطوات عديدة من أجل النجاح والتقدم بخطى واثقة نحو تكريس صحافة إلكترونية للاجئين الفلسطينيين، وخصوصاً في لبنان، وذلك من خلال:
1. التزام معايير المهنية قولاً وفعلاً وتحديث المواقع بنحو دائم.
2. العمل على جعل المواقع الفلسطينية مصدراً مهماً للصحف ووسائل الإعلام المختلفة، وخصوصاً ما يتعلق منها بأخبار المخيمات.
3. الاهتمام أكثر باللغة العربية وبصياغة الأخبار.
4. الاهتمام بالمنتديات.
5. العمل على إنشاء رابطة للمواقع الفلسطينية في لبنان، تهدف إلى تنسيق المواقف والارتقاء بمستوى الأداء وتقديم الأفضل.(3)
مقترحات
- وضع إستراتيجية إعلامية واضحة تتمثل في خطة وطنية جامعة ومشتركة تهدف إلى تحمُّل الإعلام الفلسطيني مسؤولياته الوطنية والدفـاع عن قضية اللاجئين كأهم ثابت من الثوابت، والدفاع عن القضية الفلسطينية بوجه المؤامرات ومحاولات تشويهها وتصفيتها.
- الالتزام بمعايير الإعلام المهنية الحاملة للرسالة الوطنية، وهذا لا يمنع التجدد والحيوية، والتحرر غير المرهون للرؤية الضيقة وغير المنضبطة.
- العمل على إنشاء صحيفة فلسطينية يومية مختصة بشؤون اللاجئين الفلسطينيين.
- العمل على إنشاء فضائية فلسطينية تختص بشؤون اللاجئين الفلسطينيين.
- تنفيذ المقترحات التي ذكرناها آنفاً والخاصة بمواقع الإنترنت..
الخاتمة
إن التعاطي الإعلامي بمتطلبات المهنية والموضوعية الصحفية والإعلامية، والقيام بتنحية الاعتبارات الحزبية والمصلحية الضيقة، سيساهم في الحفاظ على الثوابت والدفاع عنها وفي مقدمها قضية اللاجئين. كما أن صناعة الخبر والاعتماد على الصحفي الفلسطيني كمصدر، سيجعل القضية تكسب المزيد من الأنصار والمؤيدين.
هوامش:
(1): حسين أبو شنب، الإعلام الفلسطيني تجاربه وتحدياته، (مكتبة القادسية – خانيونس – فلسطين – 2001).
(2): جريدة حق العودة، اللاجئون الفلسطينيون ووسائل الإعلام، شريف النشاشيبي، العدد 23).
(3): (مجلة العودة، مواقع الإنترنت الفلسطينية في لبنان للارتقاء بمستوى الأداء والتزام معايير المهنية، هيثم أبو الغزلان، شباط 2012).
المصدر: ملتقى "الإعلام في خدمة قضايا اللاجئين الفلسطينيين" الأول لمؤسسة البراق