القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

رايحين على فلسطين بكرا، ح نسافر ع بلدنا!

"رايحين على فلسطين بكرا، ح نسافر ع بلدنا!"
في البرج وشاتيلا: في الوجوه شوقٌ للقاء الأرض.. أرضهم
 
 
السبت، 14 أيار، 2011
زينة برجاوي - السفير

"الشعب يريد العودة الى فلسطين"، عبارةٌ تزّين جدران مخيم برج البراجنة، وتعلو فوق الكمّ الهائل من الشعارات والصور التي تسكن تلك الجدران منذ بدء قصة اللجوء. وغداً، في الذكرى الثالثة والستين لتهجير أهل الأرض المحتلة من بيوتهم، يخرج اللاجئون من ظلم المخيمات، ليطلّوا على فلسطين، عبر الحدود اللبنانية، فيعاهدوها بالإصرار على العودة، مهما صعبت إليها السبيل. وفي حال اعتبرت الأرقام خير دليل على حجم التحدّي في مواجهة اليأس المزمن، فقد اضطر منظمو "مسيرة العودة" الى رفع عدد الحافلات التي من المقرر أن تنطلق غدا من المخيمات من ثلاثمئة حافلة الى خمسمئة. إيجابية مستجدة في داخل إحدى قاعات مخيم البرج، يجتمع ممثلون عن المؤسسات الأهلية والقوى الفلسطينية المشاركة في تنظيم المسيرة. تبدو الأجواء بين الحاضرين أكثر إيجابية مما تشهده في العادة، ربما بفعل المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" بعد انقسام صداميّ ودام دام أربع سنوات، وربما بسبب الثورات العربية التي صنعت حراكاً في حياة العرب الراكدة. ينصت المجتمعون جيداً للإرشادات التي يناقشون آلية اعتمادها، فمسؤولية كل من الحاضرين تملي تعميمها لاحقاً على أبناء المخيّم المشاركين في مسيرة العودة، التي تنطلق غداً، باتجاه مارون الراس. أما أبرز الإرشادات المتفق عليها فهي: التأكيد على سلمية المسيرة، وعدم ارتداء أي شيء يدلّ على اسم تنظيم سياسي معيّن، وإبراز الكوفية والعلم الفلسطيني. ويشدد أعضاء اللجنة التحضيرية، في تحديدهم للإرشادات، على تحذير المشاركين من "الوقوع في فخ إعلامي ربما يسعى إلى تشويه صورة المسيرة ومشاركة اللاجئين فيها". فيلفت مصدر من اللجنة التحضيرية الى أن "الوسائل الإعلامية التي تناصر القضية الفلسطينية في لبنان قليلة، ونحن لا نريد أن نقدم مادةً للإعلام السلبي كي يستغل المسيرة من أجل الإساءة للقضية". سأرى العدو يتنزه في أرضي لا تنحصر أجواء التحضير لإحياء ذكرى النكبة باجتماع ممثلي الفصائل والجمعيات في تلك القاعة، إذ اتفق أصحاب المحالات على أن يكون يوم الأحد أشبه بيوم عطلة رسمية، يقفلون خلاله محلاتهم بهدف لقاء أرضهم. وتشير سيدة أربعينية مقيمة في البرج، إلى أنها ستأخذ معها إلى الحدود منظاراً مقرّباً لترصد بواسطته أكبر عدد من المشاهد المطلة على فلسطين المحتلة. وتؤكد بفخر على مشاركة عدد كبير من أهالي المخيمات في المسيرة، وبثقة أصحاب الأرض تقول: "سنقف هناك لنقول للأمم المتحدة وإسرائيل أننا نريد العودة الى أرضنا". أما الأشد حماسةً بين الراحلين باتجاه فلسطين فهم، طبعاً، الأطفال. بعضهم مقتنع بأنهم سيعودون الى أرضهم المحتلة، غداً. وحين يُسألون عن مشاركتهم في المسيرة، يأتي الجواب على الشكل التالي: "رايحين على فلسطين بكرا، ح نسافر ع بلدنا!". تشرح والدة أحد الأطفال "صعوبة أن يفهم الأطفال أنهم سينظرون الى فلسطين عن بعد، ولن يدخلونها.. هم لا يميّزون الفارق بين النظر واللمس، يعتقدون أن أقدامهم ستطأ أرضها غداً". ويشارك في المسيرة طبعا أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة. وتملأ الحماسة محمد الذي يعاني من صعوبة في النطق، وهو يطلب من والدته أن تؤمن له علماً فلسطينياً كبيراً، لكي يرفعه أمام أرض فلسطين. محمد لم يرَ فلسطين بعد.. أما الرجل الثمانيني الذي يحمل الإسم نفسه، محمد، فقد عرفها، وعاشها، وحمل ذكرياتها في صدره، وحفظها في أرض اللجوء ورواها، وها هو يتجهّز ليستعيد ولو لحظات معها، يخبرها عن حاله، منذ تركها، "في مثل هذا اليوم". يقول العمّ محمد: "سأصل ليل السبت بصباح الأحد لأشارك في المسيرة".. سيرى بلدته سعسع، يقول أنها تظهر للعين عبر الحدود من نقطة مارون الرأس. إلا أنه يتوقع أن يُستفز.. "كيف أرى اسرائيلياً يتنزه في أحد بساتين سعسع المحتلة، بينما أنا مسجون داخل المخيم، تصعب علي رؤية نور الشمس؟". "جوز كلام للاسرائيلي" كما أتى اللاجئون من أرض واحدة تحمل اسماً واحداً هو فلسطين، ها هي مخيمات اللجوء تتخذ لنفسها صورة واحدة، في ذكرى النكبة، لينسحب التلهّف للمشاركة من البرج إلى شاتيلا: الشعارات ذاتها على جدران المخيمين، الحماسة ذاتها في كلام المشاركين في المسيرة، الاستعدادات ذاتها تجري على قدم وساق، وقد عممت اللجنة التحضيرية في شاتيلا التوجيهات ذاتها على اللاجئين. "هيدي نكبتنا، والمسيرة بتخصّنا"، تقول هويدا. تعاني هويدا من داء في المعدة، لكنها ستشارك في المسيرة، "ويا ريت أموت هنيك". تقولها، وتمضي. يرتفع صوتٌ مرحٌ من ناحية في شاتيلا. إنها مجموعة من الشباب، التقوا حول إحدى طاولات مقهى متواضع متواجد داخل المخيم. يقول أحدهم ممازحاً: "طالعين بيكنيك ع مارون الراس"، ويعود بسرعة عن ممازحته ليجزم بأنه و"كل الشباب" سيشاركون في المسيرة لأن "في جوز كلام مجهّزينه للإسرائيلي بالعبري والعربي!". في شاتيلا، يبدو وكأن الناس يخشون أن يستنتج من كلامهم ما ينفي مشاركتهم في المسيرة، فترى النكتة تُلحق دائماً وسريعاً بما يؤكد المسير إلى فلسطين.. وفي شاتيلا، كما في البرج، قرر عدد كبير من المرضى المشاركة في المسيرة، وستأخذ اللجنة التحضيرية أوضاعهم بعين الاعتبار، حيث سيتم نقلهم في حافلة واحدة، يرافقهم فيها فريق طبي. الناس اشتاقوا إلى أرضهم. الروح المعنوية مرتفعة. وغداً، يُتاح اللقاء، ولو عن بعد. إلى فلسطين العربية، إذاً..