سلاح المخيّمات: تنظيمه صعب ونزعه مستحيل
الجمعة، 28 تشرين الأول، 2011
لا تزال قضية تنظيم السلاح الفلسطيني، داخل المخيمات ونزعه خارجها، عالقة بين إلحاح أطراف لبنانية والتزام فلسطيني كلامي وأرض قلقة على أمنها حاضراً ومستقبلاً، في ظل هواجس من تجارب مخيفة، آخرها اقتلاع مخيم نهر البارد..
في كل مرة تطرح فيها الحكومة اللبنانية موضوع السلاح داخل المخيمات أمام المسؤولين الفلسطينيين، يأتي الجواب المعتاد: «الفلسطينيون تحت القانون ومع سيادة الدولة اللبنانية». وفي زيارته الأخيرة للبنان، أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه إذا قررت الدولة سحب سلاح المخيمات، فإن حركة فتح وكل الفصائل الفلسطينية ستلتزم.
لكن عباس الذي أكد أنه يتحدث «باسم جميع الفلسطينيين»، لا يلزم كل فصائل تحالف القوى الفلسطينية التي لا تلتزم بقرارات منظمة التحرير. هذه الإشكالية تطرح أسئلة عدة: كيف يمكن تنظيم السلاح الموجود لدى الفصائل الفلسطينية الإسلامية؟ وكيف سيلزم إعادة تنظيم سلاح الفصائل التابعة لتحالف القوى الخارجة بدورها عن سيطرة المنظمة؟
أسئلة كثيرة. ومناسبة طرحها هي حمل جزء من حركة فتح لواء «تنظيم السلاح داخل المخيمات». وقد بدأ الحديث عن هذا الموضوع مع زيارة مدير الاستخبارات العامة الفلسطينية في الضفة الغربية، اللواء مجد فرج، قبل نحو ثلاثة أسابيع. رسمياً، الوفد أتى للمشاركة في مراقبة انتخابات «فتح»، إلا أن مسؤولين في الحركة يؤكدون أن الهدف الرئيسي من الزيارة هو العمل على «تنظيم السلاح داخل المخيمات التزاماً بما اتفق عليه عباس مع المسؤولين اللبنانيين». كما يجري الحديث حول دمج جميع الأذرع العسكرية لحركة فتح ومنظمة التحرير ضمن تشكيلة عسكرية واحدة تكون مهمتها حفظ أمن المخيمات.
فتح لن تكون الوحيدة ضمن هذه الهيئة. بل ستشارك فصائل منظمة التحرير فيها أيضاً. لكن المشكلة، بحسب المسؤول نفسه، تكمن في «تحفظ القيادة العامة وفتح الانتفاضة. والإخوة اللبنانيون وعدونا بالعمل على حلحلة هذا الموضوع». ويلفت إلى أن «فتح» تواصلت مع القوى الإسلامية التي لم تبد أي اعتراض على هذه التشكيلة لأنهم «يشاركون معنا في اللجان الأمنية ولجنة المتابعة، كما أننا في صدد إجراء بعض الترتيبات لحل مشاكلهم مع الدولة اللبنانية». أما التشكيلات التي يفترض أن تضمّها التشكيلة العسكرية فهي «شرطة سير، هيئة مكافحة المخدرات، قوات خاصة لمكافحة الإرهاب».
لكن كلام المسؤول العسكري الفتحاوي لا يبدو مستنداً إلى أساس متين داخل حركته. فأمين سر الحركة في لبنان، فتحي أبو العردات، يقول إن «الهدف من هذه الخطوة هو فرز العناصر الذين تجب إحالتهم على التقاعد، وضم أفراد جدد لضخ دم جديد في الكفاح المسلح». هذه الخطوة بالطبع لن تلقى تجاوب جميع الفتحاويين، وخصوصاً قائد المقر العام للحركة منير المقدح، الذي تقول أوساطه إن الرجل «غير معني بالموضوع. وهو في صدد عقد مؤتمر صحافي لتخريج أعداد ضخمة من الجيش الشعبي التابع له في الأسابيع المقبلة». «التمرد» الذي قد يقوم به المقدح الذي نُحّي عن قيادة الكفاح المسلح يواجهه فتور من قبل أبو العردات، الذي قال: «سيتم إلغاء كل هذه التسميات، مثل قائد المقر العام وغيره، وسيتم تحويل المقدح ابن فتح الى التنظيم». هكذا، يمكن القول إن فتح التي تحاول جاهدة منذ سنوات تنظيم أمورها الداخلية، لا تزال أمامها عراقيل عدة. وما يبشر به أحد أبرز المسؤولين العسكريين في فتح لا يزال موضع خلاف، حتى داخل فتح.
ماذا تقول عاصمة الشتات؟
أكثر مخيم معني بقضية السلاح المنتشر بين أبنائه هو مخيم عين الحلوة، وأهله هم الأكثر معاناة من تبعات هذا السلاح.
في زقاق طويل على يمين الشارع الرئيسي للمخيم، يظهر السلاح بكثافة. إنه حي الطوارئ حيث نفوذ الإسلاميين، ولا سيما تنظيم جند الشام المنحل. وهنا ليس مستغرباً أن تجد شخصاً واضعاً رشاشه في حضنه وهو يجلس على باب محلّه، أو أن تجد من يشتري خضروات وهو يضع على خصره مسدسين وبعض المخازن. هذه المظاهر بالنسبة إلى أبناء عين الحلوة «طبيعية ومعتادة». تسأل أحد هؤلاء عن رأيه بتسليم السلاح الى الدولة اللبنانية، أو وضعه في إطار تنظيم فلسطيني موحد. يجيب الشاب الملتحي ذو الشعر الطويل، ساخراً: «هادا المسدس جزء من جسمي، بقدرش اتركه». وسبب عدم تسليمه سلاحه لأحد عائد إلى غياب «من يضمن سلامتي الشخصية، ولا تعرف من أين تأتيك الرصاصة».
فتح: لا ننسى المجازر
في الشارع التحتاني من المخيم. حاجز عسكري لحركة «فتح». مسلحو الحركة ينتشرون بأعداد كبيرة، فالمنطقة نقطة حساسة وهنا تجري أغلب الاشتباكات بين الحركة وجند الشام. بالقرب من الحاجز يجلس عناصر مجموعة مسلحة. تجدهم أقرب إلى «زملائهم» جند الشام منهم إلى أبو مازن. يقول أحدهم: «ليس بإمكان أحد أن ينزع السلاح. حتى أبو مازن نفسه». يصمت الشاب قليلاً قبل أن يضيف: «السلاح في المخيمات هو للدفاع عن المخيم وأبنائه. إذ لا يمكننا أن ننسى المجازر التي ارتكبت بحقنا. يمكن الحديث عن إعادة تنظيم السلاح، أما نزعه فهذا مستحيل». سريعاً ينقلك الشاب إلى تجربة نهر البارد: لن نسمح بتكرارها، ولن نسمح بتدمير المخيم».
هكذا، ينتقل دور السلاح من الحماية الشخصية الى حماية المخيم من الخارج.
وغير بعيد عما يُقال في شوارع المخيم، تبدو فكرة فتح مرفوضة من معظم المنظمات. المسؤول العسكري لـ«أنصار الله»، ماهر عويّد، يؤكد أن حركته «تؤيد تنظيم السلاح. ونحن منذ 1990، نظمنا سلاحنا داخل المخيم، وليس لدينا سلاح ظاهر. كذلك لا خلافات بيننا وبين أحد لنستعمل السلاح ضده». من جهته، يقول القيادي في الجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة، حمزة البشتاوي إن «موضوع تنظيم السلاح يجب أن يخضع لحوار لبناني ـــــ فلسطيني».
أما عن التشكيلة العسكرية التي تتحدث منظمة التحرير و«فتح» عن التحضير لها، فيعلّق البشتاوي قائلاً: «لا علاقة لنا بما تعانيه فتح من مشاكل داخلية. وما هو مطروح ومدار بحث بيننا وبين فصائل منظمة التحرير هو الاتفاق على تشكيل مرجعية سياسية موحدة، وليس أمنية، ومن خلالها يمكن الاتفاق على بعض المسائل كاللجان الشعبية والأمنية».
القوة الأمنية المشتركة
رغم التأكيدات الفتحاوية بأن المخيمات مقبلة على تنظيم السلاح فيها، بما يضمن إمساك حركة فتح بأمن المخيمات تحت مسميات مختلفة، تؤكد الجهات اللبنانية الرسمية المعنية بملف المخيمات ان كل الصيغ المطروحة «لا معنى لها»، باستثناء الفكرة المتداولة منذ أكثر من عام، والمتعلقة بإنشاء «قوة امنية مشتركة». وهذه القوة ستضم فصائل منظمة التحرير وفصائل التحالف والقوى الإسلامية، وتكون مهمتها حفظ امن المخيمات بالتنسيق مع الدولة اللبنانية. وبحسب المصادر اللبنانية، فإن هذا الطرح وصل إلى مرحلة متقدمة. اما ما يقوله الفتحاويون، فترده المصادر اللبنانية إلى الخلافات الفتحاوية الداخلية. يضيف المسؤولون اللبنانيون أن بعض الأعمال الأمنية التي وقعت داخل المخيمات أخيراً مرتبطة بتقدم الحوار بشأن القوة الأمنية المشتركة، و«سعي المتضررين إلى التأثير سلباً» عليها.
المصدر: قاسم س. قاسم - الأخبار