سوريا المحترقة تفتح باباً
للنزوح السادس للفلسطينيين
الثلاثاء، 05 شباط،
2013
لا يتوقف التأثير الكارثي
لما يجري في سوريا عند السوريين فقط، إنما يمتد الأمر ليطال كل من يعيش في هذا البلد
الذي دخل في مرحلة شديدة الخطورة من الاحتراب الداخلي بين نظام فقد البوصلة وبات يمارس
عمليات انتقامية ضد من يصفهم بالمخربين ومجموعات مسلحة تنتمي الى قوى المعارضة التي
تتنوع انتماءاتها لتبدو الصورة النهائية لسوريا كحريق مشتعل يأبى أن يستجيب لأي محاولة
للإطفاء.
وعلى الرغم من انخفاض سقف
التوقعات بدخول المخيمات الفلسطينية في سوريا في أتون الأحداث الدامية هناك عند بداية
الأزمة، لأن الفلسطينيين من البداية أعلنوا النأي بأنفسهم عن الأحداث، إلا أن المحظور
حصل حقيقة ودخلت تلك المخيمات بطريقة أو بأخرى في أتون هذه الأحداث لتفتح محرقة سوريا
الباب واسعاً لموجة نزوح شديد المرارة هي السادسة التي يفرضها التاريخ والجغرافيا على
الفلسطينيين الذين يبدو أن النزوح بات قدرهم.
وفيما أسهمت المجازر التي
يتعرض لها السوريون والتي أدت إلى موجات لجوء إلى دول الجوار في إبعاد الشأن الفلسطيني
عن المشهد الدموي إعلامياً، بات من العسير رسم صورة تقريبية واضحة لحقيقة ما يجري للفلسطينيين
المقيمين في سوريا، إضافة الى وجود حالة من الضبابية تغلف تلك القضية بسبب تضخيم أو
تقزيم ما يجري.
ومع اهتمام كافة وسائل
الإعلام العربية والدولية بأخبار الدم والنار السورية، كل بحسب أجندته السياسية، بقي
الإعلام بما فيه الإعلام الفلسطيني عاجزاً عن زيادة درجة التعاطف الإنساني مع قضية
الفلسطينيين في سوريا الذين وقعوا بين مطرقة البقاء في مخيمات باتت ساحة حرب وسندان
نزوح شبه جماعي.
وتشير تقارير منظمة غوث
وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" والمؤسسة العامة للاجئين الفلسطينيين
العرب إلى أن الموجة الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين وصلت إلى سوريا العام 1948 آتية
بصورة أساسية من مدن وقرى الجليل والجليل الأعلى "صفد وحيفا وطبرية وأقضيتها".
وكان الاستقرار السياسي
والأمني الذي عرفته سوريا قد جعل منها محطة لجوء مفضلة للفلسطينين وبخاصة بعد انتهاء
موجة النزوح الأولى التي دشنتها نكبة 1948 فانتقلت إلى سوريا موجة ثانية من اللاجئين
بعد أحداث "أيلول الأسود" العام 1970 في الأردن مكونة من بضعة آلاف من عناصر
المقاومة مع عائلاتهم.
فيما كان الاجتياح الإسرائيلي
للبنان العام 1982 سبباً في موجة نزوح ثالثة، لا سيما بعد انسحاب المقاومة الفلسطينية
من بيروت ومجزرة صبرا وشاتيلا، كما تسببت حرب الخليج الثانية العام 1991 بموجة نزوح
رابعة بعد إعلان الزعيم الراحل ياسر عرفات الوقوف في صف النظام العراقي عندما غزا الكويت،
بينما أدى الاحتلال الأميركي للعراق العام 2003 وعملية التطهير العرقي التي واجهها
الفلسطينيون هناك على أيدي الميليشيات والمجموعات المسلحة إلى موجة النزوح الخامس في
الاتجاه ذاته.
وعلى الرغم من تناقض وتضارب
الأرقام حول تعداد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بسبب موجات النزوح العديدة منذ نكبة
1948 والرحيل عنها في أحيان قليلة أخرى، إلا أن التقارير المحايدة للمنظمات الفلسطينية
والدولية توضح أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا كان ضئيلاً إبان نكبتهم، فمن أصل
726 ألف لاجئ فلسطيني في ما عرف بدول "الطوق العربي" قدرتهم بعثة المسح الاقتصادي
للشرق الأوسط التابعة للأمم المتحدة في كانون الأول العام 1949 حط الرحال في سوريا
80 ألف لاجئ فلسطيني لم يقم في المخيمات سوى نحو 53 ألفاً منهم.
ويقيم اللاجئون الفلسطينيون
الذين بلغ عددهم قبل الأزمة الأخيرة أكثر من نصف مليون لاجئ في مخيمات عدة أنشأتها
الحكومية السورية مع بدء موجات النزوح بدأت بستة مخيمات هي خان الشيخ قرب مدينة دمشق
والنيرب قرب مدينة حلب والعائدين قرب مدينة حمص ومخيم العائدين قرب مدينة حماة ومخيم
درعا في مدينة درعا ومخيم خان دنون قرب مدينة دمشق.
وضمن محاولة توطين اللاجئين
الفلسطينيين في سوريا، أنشئ مخيم آخر هو مخيم الرمدان ونتيجة لنكسة حزيران العام
1967، أنشأت منظمة الأونروا أربعة مخيمات جديدة أطلقت عليها مخيمات الطوارئ وهي مخيم
السيدة زينب ومخيم جرمانا في دمشق ومخيم درعا الطوارئ في مدينة درعا ومخيم السبينة.
ويضاف إلى هذه المخيمات
مخيمات أخرى أنشأتها الحكومة السورية ممثلة بالهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب
ولم تعترف بها وكالة الأونروا مثل مخيم اليرموك وهو أكبر المخيمات الفلسطينية في الداخل
والخارج ومخيم عين التل ـ حندرات قرب حلب ومخيم الرمل في اللاذقية وأخيراً مخيم تجمع
الحسينية.
وتنوعت درجات الفلسطينيين
المقيمين في سوريا وفقاً لظروفهم وولاءاتهم حيث حمل اللاجئون نتيجة حرب العام 1948
"تذكرة إقامة مؤقتة للفلسطينيين" غير محددة المدة ووثيقة سفر خاصة ويخضع
الفلسطينيون في الحصول على هذه الوثائق إلى الشروط نفسها التي يخضع لها السوريون.
أما الحائزون وثائق سفر
أردنية أو مصرية أو لبنانية فتنطبق عليهم القوانين المرعية تجاه المواطنين حيث كان
يتوجب تجديد إقامتهم سنوياً بعد مراجعة مكاتب الأمن من دون أن يستفيدوا من سماح السلطات
السورية للرعايا العرب بدخول أراضيها من دون تأشيرة وبالحصول على وثائق إقامة ورخص
عمل فيسمح لهم بدخول سوريا بواسطة تأشيرة ترانزيت لمدة 3 أيام، بينما حصل النازحون
نتيجة للحرب الأهلية في لبنان على وثائق مماثلة لوثائق الفئة الأولى "نزوح
1948" لكنهم لا يؤدون الخدمة العسكرية التي يؤديها المنضوون تحت الفئة الأولى
في صفوف جيش التحرير الفلسطيني ولا يدخلون الوظائف الحكومية.
وبقي الفلسطينيون المنضوون
في صفوف المقاومة وعائلاتهم الذين حصلوا على إقامة، الأمر الواقع ـ رهينة لطبيعة العلاقة
بين النظام السوري ومنظمة التحرير الفلسطينية بعد أن تدهورت العلاقات بينهما العام
1983.
ومع تدهور الأوضاع الأمنية
والعسكرية في سوريا منتصف آذار 2011، تطورت الأمور وكان لها انعكاس مباشر على الوجود
الفلسطيني وبخاصة في منطقة ريف دمشق التي تضم نحو عشرة أماكن ما بين مخيمات وتجمعات
وخصوصاً بعد أن سارعت الحكومة السورية وعلى لسان مستشارة رئيس الجمهورية بثينة شعبان
الى اتهام عناصر خارجية بالوقوف وراء الفتنة ووجهت أصابع الاتهام الى الفلسطينيين بالتورط
في أحداث وقعت في اللاذقية.
وقالت في تصريحات للصحافيين
بتاريخ 29 آذار أي بعد عشرة أيام فقط على بدء الأزمة "أتى أشخاص البارحة من مخيم
الرملة، تقصد مخيم الرمل للاجئين الفلسطينيين، إلى قلب اللاذقية وكسروا المحال التجارية
وبدأوا بمشروع الفتنة".
وفي المقابل، أعلنت حركة
المقاومة الإسلامية "حماس" موقفها الدقيق من الأزمة السورية، مؤكدة سياسة
الحركة في عدم التدخل في شؤون الدول العربية وتطلعات الشعوب للحرية. وتطور موقف الحركة
ليعلن مسؤول مكتبها السياسي خالد مشعل في مؤتمر حزب الحرية والعدالة في تركيا ترحيب
"حماس" بثورة الشعب السوري ضد النظام"، الأمر الذي أدى إلى إغلاق كافة
مكاتب الحركة واستهداف كوادرها التنظيميين.
واستفاق اللاجئون الفلسطينيون
في سوريا بعد ذلك على نبأ العثور على 89 جثة ملقاة في إحدى قرى إدلب لمجندين من جيش
التحرير الفلسطيني كانوا اختطفوا على طريق حلب ـ حماة الدولية أثناء عودتهم الى منازلهم
من مركز تدريبهم الذي يؤدون فيه الخدمة الإلزامية بعد اختفاء استمر أسبوعين.
وبرز الفصل الأسوأ في تأثير
الأزمة السورية على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين خلال زيادة حدة المعارك بين الجيش النظامي
والجيش الحر في العاصمة دمشق واقتراب هذه المعارك من مخيم اليرموك ووقوف "الجبهة
الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة" مع الجيش النظامي لمقاتلة الجيش الحر
فما كان من الأخير إلا أن حول بندقيته إلى داخل أزقة المخيم والاشتباك مع القيادة العامة
والمحصلة عشرات القتلى من اللاجئين، فيما قصفت الطائرات السورية المخيم بحجة وجود مجموعات
مسلحة تقاتل مع المعارضة ضد النظام.
وبعد أن شهد مخيم اليرموك
تلك المعارك الضارية وجد اللاجئون الفلسطينيون أنفسهم مرغمين على مغادرة مخيمات اللجوء
هرباً نحو مناطق أكثر أمناً ليعيشوا رحلة عذاب جديدة في ظروف معيشية وقانونية واجتماعية
واقتصادية بالغة الصعوبة.
ففي لبنان، يمنع اللاجئ
الفلسطيني المقيم من العمل بأكثر من 11 مهنة ويمنع أيضاً من التملك والتوريث بعكس ما
كان يُعامل اللاجئ الفلسطيني في سوريا، ناهيك عن اللاجئ النازح الذي تخشى السلطات اللبنانية
أن يستطيب العيش ويستوطن لبنان مرة أخرى ليجد لبنان الغارق في مشكلاته أمام واقع جديد
ومستوطنين جدد وعبء جديد يعيد الى الذاكرة الكابوس الفلسطيني في لبنان في سبعينات القرن
المنصرم.
ويقول اسماعيل رضوان وزير
الأوقاف في الحكومة الفلسطينية المقالة لوكالة أنباء الشرق الأوسط إن "الكارثة
حلت مرة أخرى بشعبنا الفلسطيني، أوضاع النازحين من سوريا إلى لبنان "كارثية"
لا تصفها العبارة بعد أن نزح أكثر من 20 ألف فلسطيني إلى داخل المخيمات في لبنان التي
تعاني أصلاً وضعاً صعباً".
وإذا كان المشهد يستعصي
على الوصف وفقاً لما أكده رضوان، فإن ما يجري للنازحين الهاربين من الجحيم السوري تقشعر
لها الأبدان ويستصرخ الضمير متسائلاً "أين أموال المسلمين" حيث لا توجد مراكز
إيواء فيما تقاعست منظمة شؤون اللاجئين المعروفة باسم "الأونروا" عن القيام
بواجبها إذ تكتفي بتقديم 40 دولاراً للنازح "لمرة واحدة" وتتركه نهباً للظروف
القاسية".
المصدر: المستقبل، (أ ش
أ)