طلب عضوية فلسطين: ما أكبر الفكرة... ما أصغر الدولة!
السبت، 24 أيلول، 2011
برغم الطابع «التاريخي» الذي حمله المشهد في نيويورك امس، بإعلان طلب «الدولة الفلسطينية»، وبرغم الاقتباس من محمود درويش «دائمون هنا، خالدون هنا، ولنا هدف واحد.. واحد.. واحد.. أن نكون.. وسنكون»، الا الاقتباس الذي ربما كان اكثر دقة للمشهد العام لمحمود عباس على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة، للشاعر الفلسطيني الكبير نفسه وهو يقول «ما أوسع الثورة، ما أضيق الرحلة، ما أكبر الفكرة، ما أصغر الدولة»!
وبرغم «قدسية» فكرة الدولة التي يفترض انها تتويج لنضال فلسطيني طويل، الا ان شيئا من «الإفلاس» كان حاضرا في الفكرة وفي الأداء، بعدما ظلت سيرة «مسيرة التفاوض السلمية» والرهان الفاشل عليها، طوال أكثر من عقدين من الزمن، الشغل الشاغل، لاهل السلطة ذاتها، التي قررت الآن، ولأسبابها الداخلية البائسة، والخارجية والاقليمية المعقدة، اللجوء الى الامم المتحدة لنيل «الشرعية»، لإحراج الراعي الاميركي الاكبر لعملية السلام، والعدو المتمثل بالاحتلال الاسرائيلي، الذي لم تتعامل معه كعدو التهم 80 في المئة من فلسطين التاريخية.
وهكذا كان.. فقد وضع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أمس، القضية الفلسطينية في أيدي الأمم المتحدة، وذلك في خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة، تضمن طلباً بقبول «عضوية كاملة» لفلسطين، والتشديد على أن تكون «القدس الشريف»، لا «القدس الشرقية»، عاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة، والإصرار على «حل عادل ومتفق عليه» لقضية اللاجئين، وإن كان قد ربط قيام هذه الدولة بالمفاوضات مع إسرائيل، التي كرر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو مطالبه المعروفة من الفلسطينيين، وذلك في خطاب متعجرف، وصف فيه الجمعية العامة بـ«الغرفة المظلمة»، معتبراً أن من يرأس مجلس الأمن اليوم هو «منظمة إرهابية»، في إشارة إلى «حزب الله» والوفد اللبناني في نيويورك.
وفي كلمة ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال عباس إن كل الجهود التي بذلت لاستئناف مفاوضات التسوية «كانت تتحطم دائماً على صخرة مواقف الحكومة الإسرائيلية،
التي سرعان ما بددت الآمال التي بعثها انطلاق المفاوضات في أيلول الماضي»، مشيراً إلى أن «جوهر المسألة هنا أن الحكومة الإسرائيلية ترفض اعتماد مرجعية للمفاوضات تستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وهي تواصل وتصعّد بشكل محموم عملية بناء المستوطنات فوق أراضي دولة فلسطين المستقبلية».
وحذر عباس من أن «الاحتلال يسابق الزمن لرسم الحدود في أرضنا وفق ما يريد، ولفرض أمر واقع على الأرض يُغيرُ حقائقها وشواهدها ويقوض الإمكانية الواقعية لقيام دولة فلسطين»، محذراً من أن السياسات الإسرائيلية تقوض «فرص تحقيق حل الدولتين الذي تبلور إجماع دولي حوله»، وأن «السياسة الاستيطانية تهدد أيضاً بتقويض وضرب بنيان السلطة الوطنية الفلسطينية، بل وإنهاء وجودها».
وأضاف «بتنا نواجَه بشروط جديدة لم يسبق أن طرحت علينا سابقاً، وهي شروط كفيلة بتحويل الصراع المحتدم في منطقتنا الملتهبة إلى صراع ديني وإلى تهديد مستقبل مليون ونصف مليون فلسطيني من مواطني إسرائيل، وهو أمر نرفضه بالقطع ويستحيل أن نقبل الانسياق إليه».
وأضاف «لأننا نؤمن بالسلام، ولأننا نحرص على التواؤم مع الشرعية الدولية، ولأننا امتلكنا الشجاعة لاتخاذ القرار الصعب من أجل شعبنا، وفي ظل غياب العدل المطلق فقد اعتمدنا طريق العدل النسبي، العدل الممكن والقادر على تصحيح جانب من الظلم التاريخي الفادح الذي ارتكب بحق شعبنا، فصادقنا على إقامة دولة فلسطين فوق 22 في المئة فقط من أراضي فلسطين التاريخية، أي فوق كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، وقد كنا بتلك الخطوة التاريخية التي لقيت تقدير دول العالم، نقدم تنازلاً هائلا من أجل تحقيق التسوية التاريخية التي تسمح بصنع السلام في أرض السلام».
واعتبر عباس أنه آن «الأوان لكي ينال الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله، حان الوقت أن تنتهي معاناة ومحنة ملايين اللاجئين الفلسطينيين في الوطن والشتات، وأن ينتهي تشريدهم وأن ينالوا حقوقهم، ومنهم من أجبر على اللجوء أكثر من مرة في أماكن مختلفة من العالم»، مشيراً إلى أنه «في وقت تؤكد الشعوب العربية سعيها للديموقراطية فيما عرف بالربيع العربي، فقد دقت أيضا ساعة الربيع الفلسطيني، ساعة الاستقلال».
وختم «أود إبلاغكم أنني وقبل إلقاء هذه الكلمة تقدمت بصفتي رئيساً لدولة فلسطين ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى سعادة السيد بان كي مون الأمين العام للأم المتحدة بطلب انضمام فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشريف، دولة كاملة العضوية إلى هيئة الأمم المتحدة. وهذه نسخة من الطلب... جئتكم اليوم أحمل رسالة شعب شجاع فخور.... فلسطين تبعث من جديد. هذه رسالتي.. فلتكن جميع شعوب العالم مع الشعب الفلسطيني وهو يمضي بثبات نحو موعده التاريخي مع الحرية والاستقلال... الآن. وأرجو ألا ننتظر طويلاً». (نص الخطاب ص 14).
وإثر خطاب عباس، الذي قوبل بتصفيق حار من قبل الحاضرين، قال المندوب اللبناني لدى الأمم المتحدة نواف سلام إن مجلس الأمن الدولي سيجتمع بعد غد الاثنين، لعقد جلسة مشاورات أولى حول طلب انضمام دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة، مشيراً إلى أنه نقل الطلب الفلسطيني إلى الدول الأعضاء الـ14 الآخرين في مجلس الأمن بعدما تسلمه من الأمين العام للأمم المتحدة.
وأعلن ستة من أعضاء مجلس الأمن الدائمين وغير الدائمين حتى الآن أنهم يعتزمون الموافقة على الطلب الفلسطيني، وهم الصين وروسيا والبرازيل والهند ولبنان وجنوب إفريقيا. والأعضاء المترددون أو الذين لم يعلنوا موقفهم بعد هم بريطانيا وفرنسا وألمانيا ونيجيريا والغابون والبوسنة والبرتغال، فيما أعلنت كولومبيا أنها ستمتنع عن التصويت.
نتنياهو
وبعد ساعة على خطاب عباس، اعتلى نتنياهو منصة الجمعية العامة لإلقاء خطاب اتسم بنبرة متعجرفة، دفعت الكثيرين من المندوبين الدوليين في الأمم المتحدة إلى الخروج من القاعة. وبدأ نتنياهو خطابه بهجوم على منظمة الأمم المتحدة، قائلاً إن «إسرائيل تتعرض أكثر من أي بلد آخر في العالم للإدانة».
وأضاف «الحقيقة في بعض الأحيان لا تظهر... لكنني اليوم آمل أن يسطع ضوء الحقيقة، ولو لبضع دقائق، في قاعة لطالما كانت مكاناً مُظلماً بالنسبة إلى إسرائيل». وفي إشارة إلى تولي لبنان رئاسة مجلس الأمن الدولي، اتهم نتنياهو ما وصفه بـ«الإسلام الجهادي» بأنه «يسيطر على حزب الله من خلال منظمة حزب الله»، معتبراً أن «هناك منظمة إرهابية تسيطر على مؤسسة عالمية».
وبعد ذلك، سعى نتنياهو إلى تقديم إسرائيل على أنها الضحية التي يرفض الفلسطينيون السلام معها، قائلاً «أنا لم آتِ هنا لأحصل على تصفيق منكم بل لأقول الحقيقة، والحقيقة هي إن إسرائيل تريد السلام، والحقيقة أنني أريد السلام، الحقيقة هي انه في الشرق الأوسط في جميع الأوقات السلام يجب أن يقوم على الأمن، والحقيقة انه لا يمكن أن نحقق السلام عبر قرارات الأمم المتحدة بل عبر التفاوض المباشر، والحقيقة هي أن الفلسطينيين لا يريدون التفاوض، والحقيقة أن إسرائيل تريد التفاوض مع دولة فلسطين في حين أن الفلسطينيين يريدون الدولة من دون سلام».
وتابع «أمد يدي للشعب الفلسطيني الذي نسعى إلى سلام عادل ودائم معه... الحقيقة أن إسرائيل تريد السلام... الحقيقة أنني أريد السلام.. الحقيقة أننا لا نستطيع الوصول للسلام عبر قرارات الأمم المتحدة بل عبر المفاوضات. الحقيقة أن الفلسطينيين يرفضون حتى الآن التفاوض».
وتوجه نتنياهو إلى عباس قائلاً «دعنا نقم بالعمل، دعنا نتفاوض من اجل السلام... دعنا نلتق اليوم في الأمم المتحدة». وتابع «ليس بإمكاني أن اصنع السلام بمفردي. ليس بإمكاني أن اصنع السلام بدونك.. كلانا ابنان لإبراهيم.. مصيرنا مشترك».
وكرر نتنياهو المطلب الإسرائيلي بضرورة أن تكون الدولة الفلسطينية المستقبلية منزوعة السلاح، وأن تعترف بإسرائيل دولة يهودية، رافضا قول عباس في كلمته إن المستوطنات اليهودية تدمر فرص السلام. واعتبر أن «جوهر الصراع ليس المستوطنات.. بل المستوطنات هي نتيجة للصراع، وهي مسألة يتعين تناولها وتسويتها»، لافتاً إلى أن جوهر الصراع «كان دوما وما يزال رفض الفلسطينيين الاعتراف بالدولة اليهودية ضمن أي حدود». وتابع «يجب أن يعيش الفلسطينيون في دولة مستقبلية خاصة بهم، لكن يجب أن يكونوا على استعداد لتسوية».
الرباعية
في هذا الوقت، دعت اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط الفلسطينيين والإسرائيليين لاستئناف المفاوضات في غضون شهر والسعي لاتفاق سلام بنهاية 2012.
وقالت مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون إن رباعي الوساطة للسلام في الشرق الأوسط صاغ البيان بعدما بحث باستفاضة كل القضايا التي عرضها الجانبان، مضيفة «»نأمل في ان تستجيب الأطراف».
ودعت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الاسرائيليين والفلسطينيين الى «اغتنام» اعلان اللجنة الرباعية حول الشرق الاوسط لاستئناف المفاوضات بينهما، مضيفة أن «اقتراح رباعي الوساطة يعكس القناعة الراسخة للمجتمع الدولي بأنه لا يمكن تحقيق السلام العادل والدائم الا من خلال التواصل بين الجانبين».
ورحبت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل والرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف ببيان اللجنة الرباعية الدولية. وقال الكرملين في بيان من موسكو إن ميركل أكدت خلال مؤتمر عبر الهاتف بين الزعيمين على دور روسيا في صياغة بيان جديد.
الشارع الفلسطيني
وملأ الفلسطينيون شوارع مدن الضفة الغربية تأييدا لطلب رئيسهم للعضوية الكاملة لدولة فلسطينية. ولوح اكبر حشد تشهده رام الله منذ جنازة ياسر عرفات عام 2004 بالأعلام الفلسطينية، وشاهدوا على شاشات عملاقة عباس وهو يلقي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وتعالت أصوات الهتافات والصفير والتصفيق عندما سلم عباس طلب انضمام الدولة الفلسطينية الرسمي إلى بان كي مون.
ورفعت إسرائيل التأهب الأمني قبل خطاب عباس أمام الأمم المتحدة. وقال متحدث عسكري إن القوات المسلحة «تحاول الاستعداد لكل الاحتمالات»، فيما أكد متحدث أمني تعزيز قوة الشرطة بشكل ملموس.
وكان مسؤولون فلسطينيون أعلنوا أن فلسطينياً استشهد برصاص جنود الاحتلال خلال مواجهة بين فلسطينيين ومستوطنين يهود في قرية القتيل في الضفة الغربية. كما اعلنت مصادر طبية فلسطينية وشهود عيان ان طفلا فلسطينيا يبلغ من العمر ثمانية اعوام اصيب بجروح عندما دهسته سيارة يقودها مستوطن يهودي قرب مدينة الخليل
وفي قطاع غزة كان المزاج بين القيادات الفلسطينية مختلفاً تماما مع احتفالات الضفة الغربية. وقال رئيس الوزراء الفلسطيني المقال إسماعيل هنية إنه لا يتعين أن يتسوّل الفلسطينيون دولة، مشدداً على أن تحرير الأرض الفلسطينية يتعين أن يأتي أولا. وأضاف هنية انه من دون ضمان «حق العودة» فإن ما يحدث في الأمم المتحدة يهين كرامة الشعب الفلسطيني.
المصدر: («السفير»، أ ف ب، رويترز، أ ب، د ب أ، أ ش أ)