عوائل الأسرى والشهداء في مخيمات لبنان يطالبون بإنصافهم ومساواتهم بأقرانهم داخل فلسطين
الجمعة، 28 تشرين الأول، 2011
آلاف من المناضلين والمناضلات الفلسطينيين وغير الفلسطينيين التحقوا بصفوف الثورة الفلسطينية، وكثير منهم كرسوا حياتهم لا بل وربطوا مصيرهم ومصير عوائلهم بهذه الثورة، ومضوا مؤمنين بقضيتهم غير مبالين بتقديم الغالي والنفيس، يواجهون جنود الاحتلال الإسرائيلي ورموزه، مصممين على النصر أو الشهادة، فقضى البعض شهيدا وسقط آخرون جرحى وأسرى، وغيرهم لم يعرف مصيرهم بعد، وآخرون سائرون على الدرب وما بدلوا تبديلا.
"التجمع الوطني لأسر الشهداء"، مؤسسة تعنى بملف الشهداء وعوائلهم، ويشير أمين سر التجمع بفرع لبنان عصام الحلبي الى أن قرار الزودة هو بمثابة ثمرة نضال طويل خاضه التجمع على مدار السنوات الماضية، وسجلت خلاله الأمانة العامة وكافة الفروع في فلسطين إنجازات هامة تحسنت بموجبها مخصصات عوائل الشهداء بالوطن، بالإضافة الى التأمين الصحي الشامل، والتعليم المجاني للجامعيين منهم، ليطال أخيرا مخصصات عوائل الشهداء في مخيمات لبنان.
ويرد الحلبي مستوى التحسن ودرجته في لبنان لعوامل عديدة أولاها "أن فكرة تبني معاناة وهموم عوائل الشهداء أبصرت النور جراء مبادرات شخصية لمجموعة من ذوي عوائل الشهداء، وترسمت بدءاَ من أيلول العام 2010 إثر التواصل مع الأمانة العامة للتجمع بالوطن"، ويضيف "لم نتوان في لبنان عن بذل جل مساعينا، وتحسسا بحجم المسؤوليات سارعنا لتشكيل الهيئة الإدارية من المتطوعين ذوي عوائل الشهداء عملا بأنظمة التجمع، ولحينه تواصلنا مع العديد من عوائل الشهداء في مخيمات لبنان، ونفذنا نشاطات وفعاليات وطنية من ذات العلاقة بالحقل الاستشهادي ومدلولاته الرمزية، ومنها على سبيل الذكر إحياء يوم الشهيد، وذكرى الشهيد ياسر عرفات، وزيارة ما أمكن من عوائل الشهداء، وتقديم مساعدات مادية محدودة للبعض، وإقامة ملتقى باسم أبناء شهداء فلسطين بما يضمن إنعاش الذاكرة وتواصل أبناء الشهداء ما بين الداخل ومخيمات لبنان".
مناشدات ومساع حثيثة لا تتوقف
ويستطرد الحلبي "تواصلنا مع الأمانة العامة وأمين سر التجمع محمد صبيحات في رام الله، بهدف نقل معاناة وهموم عوائل الشهداء، والدفع باتجاه حملها لأعلى المستويات الفلسطينية"، مردفا "تواصلت الأمانة العامة بدورها مع الجهات المختصة وأبرزها كمجلس الوزراء، ومؤسسة شؤون رعاية الشهداء والجرحى، ووزارة المالية، وانعقدت العديد من اللقاءات والاجتماعات في رام الله وفي الأردن أيضا بهدف البحث بقضايا واحتياجات عوائل الشهداء، وأولى نتائجها زيادة مخصصات عوائل الشهداء في لبنان وفق التالي: الراتب الأساسي 350 دولاراً، علاوة الزوجة 100 دولار، علاوة الأبن أو الأبنة 50 دولاراً، يضاف لذلك علاوة الرتبة العسكرية التي بقيت كما هي سابقا. وفي حال تعدد زوجات الشهيد تتقاضى كل منهن حصتها في المخصص على أساس المخصص الاساسي كاملا مضافا إليه العلاوات الواردة في هذا القرار، علما أنه في النظام السابق كان يقسم المخصص على الزوجات، وتم تنفيذ النظام الجديد بدءا من 1/7/2011". كما يشير الحلبي الى وجود علاوة مقطوعة بمبلغ 50دولارا تضاف على مخصصات الشهداء الذين توفوا بحكم المرض والكبر. ويبلغ عددهم حوالي 800 حالة، بوقت طال النظام الجديد زهاء 7000 حالة صنفوا بالشهداء العسكريين ممن قضوا في معارك المواجهة وما شابه.
وبهذا السياق، يؤكد الحلبي على أن "التجمع سيبذل قصارى جهده لمساواة الوفيات بالشهداء العسكريين خاصة وأن أصحابها من العسكريين المناضلين وغالبيتهم من الرعيل الأول وخاضوا العديد من المعارك، ويحمل معظمهم رتبا عسكرية رفيعة أحيانا"، داعيا الأمانة العامة للتجمع برام الله لشمول عوائل الشهداء بذات المعايير المطبقة بفلسطين لجهة الضمان الصحي والتعليم الجامعي المجاني، ولحينه وبما يتعلق بالشق الأخير تتواصل الهيئة الإدارية للفرع مع الجهات المعنية بسفارة فلسطين في لبنان لإضافة المزيد من نقاط المساعدة لصالح أبناء الشهداء علاوة على النقاط العشر التي يضمنها لهم صندوق الرئيس محمود عباس للطلبة الجامعيين في لبنان.
عوائل الشهداء: أنصِفونا
تلخص قصة زوجة العميد الشهيد سلامة عبد الرحمن عبد القادر (أبو العبد سلطان) المازة دهشه قصة ما يعانيه هؤلاء. فالشهيد، من أهالي غزة، كان التحق بركب الثورة إبان بدايات عملها السري، وحط رحاله لاحقا في مخيمات لبنان، وفقد نعمة البصر في معارك المواجهة، وتسلم من حينها مسؤولية جمعية الكفيف الفلسطيني في لبنان، وقضى بحكم الوفاة أواخر العام 2008.
"أم العبد" تعيش مع 7 من أبنائها بمنزل هو أقرب للمكتب لزحمة ما فيه من ملصقات وصور وطنية، ولا تتوقف معاناة عائلته وخاصة رفيقة دربه بحدود التداعيات السلبية كون أبنائها من أفراد الفئة الخاصة "فاقدي الأوراق الثبوتية"، ولا بحدود الأعباء والاحتياجات المعيشية المتزايدة، سيما في مجال الطبابة والاستشفاء خاصة وأن استفادتهم من تقديمات الأونروا محصورة فقط بخدمات المختبر ومعاينة الطبيب فقط، رغم أنهم يملكون بطاقة إعاشة أونروا من غزة. وفي هذا الاطار تقول ام العبد إنه بمجرد أن توفي أبو لعبد انخفض مخصصه من مليون ومئتين وخمسة وعشرين ألف ليرة لبنانية الى أربعمائة وأربعة وسبعين ألف ليرة لبنانية، وبسبب الزيادات الطارئة وصل الى حد ستمائة وثلاثة وستين ألف ليرة لبنانية، وأضيف للمخصص خمسون دولارا بدل علاوة لا غير.
وعلى الرغم من ذلك تسجل ارتياحها للزودة التي طالت من اعتبروا شهداء عسكريين، مناشدة الرئيس أبو مازن والدكتور سلام فياض وكل المعنيين بمعاملة عوائل الشهداء في لبنان والأردن وسوريا على قدم المساواة، خاتمة مناشدتها "بدنا طبابة وتعليم ولادنا بالجامعات أسوة بمن هم داخل فلسطين".
بدورها، توضح هيلة عبد الرحمن (من الجولان)، زوجة الملازم أول الشهيد شاهر وحيد سليمان من أهالي نابلس، أن زوجها استشهد العام 2006 جراء المرض، وهي الآن تقيم وأفراد أسرتها الثمانية ببيت مستأجر بمبلغ مائتي دولار شهريا وبالكاد يصل مدخول ولديها من منظمة التحرير الفلسطينية ثمانمائة مئة ألف ليرة لبنانية، سيما وأن مدخول الفرد الثالث من أسرتها لم يعد بالحسبان جراء فقدان فرصة العمل مؤخرا، وطال مخصص العائلة زودة مقطوعة فقط خمسون دولار.
تتقاضى "أم وائل" من مؤسسة رعاية عوائل الشهداء ما يقارب ال الأربعمئة ألف ليرة لبنانية، وتقول "إحنا غير مشمولين بتقديمات الأونروا، أنا مريضة أعصاب يلزمني تخطيط للراس وبحاجة دائمة للدواء، أحياناً بنشتري الدواء لعدم توفره بصيدلية الضمان الصحي (صيدلية الدرة)"، وتنهي بالقول "ظلمونا، ماعطونا حقوقنا.. أبو وائل مات وهو على رأس عمله، بدنا نراجع ونشتكي لمين؟"، معربة عن امتنانها لكل من ساهم بإيصال صوت عوائل الشهداء، مطالبة بتعديل مخصصات الوفيات أسوة بالجميع.
"لو أعطونا مال الدنيا ما بعوضونا خسارتنا"
أما هدية علي قدورة، زوجة المناضل الشهيد فوزي علي العلي المفقود منذ العام 1987 ووالدة الشهيد عمار العلي، فتقول "لوعطونا مال الدنيا ما بعوضونا خسارتنا، وقت ما استشهد فوزي ولادي كانوا صغار، ومع هيك صبرنا ونلنا بفضل الله". فقد تسلمت أم عمار فرق مخصصات الزودة لزوجها وابنها عن شهري تموز وآب حوالي التسعمئة وخمسين ألف ليرة لبنانية، وبعدها سيرتفع مخصص ابنها من 112000 الى 525000 ليرة لبنانية، وزوجها من 182000 الى 675000 ليرة لبنانية، وفق النظام الجديد. الأمر الذي يخفف عنها ويعينها على توفير الاحتياجات الصحية لبعض أفراد أسرتها حيث يعاني أحدهم من الديسك ويخضع الآخر لعملية غسيل الكلى بين وقت وآخر. وإذ تشكر أم عمار المسؤولين الذين تسببوا بالزودة تدعوهم للمساواة بين عوائل كافة العسكريين.
بدورها أم نضال زوجة الملازم أول الشهيد موسى أبو طربوش، الذي قضى شهيدا في العام 1987 بقصف الطيران الإسرائيلي مخلفا عائلة من خمسة أفراد، تقول "مَضيت كتير... تعبنا واشتغلنا وولاد الحلال ساعدونا تكبروا الولاد"، وتستذكر "أول مخصص كان بحدود الثلاثة وستين ألف ليرة لبنانية، وشوي شوي وصل حد المائة وتسعين ألف ليرة لبنانية... أعطوني فرق الزودة عن شهري تموز وآب مليونا ومائتين وسبعة وعشرين الف ليرة لبنانية"، مؤكدة على انه "من حقنا كعوائل شهداء أن نحصل على زودة".
الأمانة العامة للتجمع برام الله تردّ
في المقابل، يردّ الأمين العام للتجمع الوطني لأسر شهداء فلسطين محمد صبيحات على مجلة "القدس" في رسالة الكترونية موضحا بأن اللجنة المكونة منه ممثلا التجمع الوطني لأسر شهداء فلسطين، ومن مدير عام مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى خالد جبارين، ومنذر رمضان ممثلا عن وزارة المالية، والتي كلفت بإعداد سلم المخصصات الجديد لأسر الشهداء، لم يكن لديها فكرة واضحة عن طريقة تصنيف الشهداء بالشتات. وعلى ضوئه، تعاملت اللجنة مع مئات الحالات بالخارج ممن حملت تسمية "وفيات" إسوة بالحالات المصنفة بالوطن بخانة "الشهداء المدنيين"، باعتبار أن التصنيف بالوطن يعتبر كل من قضى جراء الاستهداف المباشر من قبل الاحتلال الإسرائيلي هو "شهيد فعلي"، ومن توفي ولأسباب مختلفة "شهيد مدني". هكذا، كان يعتمد الصنف الأخير الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات، ولم تستفد هذه الشريحة من العلاوات الجديدة، بحسب صبيحات. ويضيف الرجل بأنه "نظرا للظروف الصعبة في مخيمات اللجوء خارج الوطن وافقت وزارة المالية على إضافة مبلغ خمسين دولارا للوفيات في الشتات". أما بخصوص المعالجة واستكمال قضايا واحتياجات عوائل الشهداء الصحية والتعليمية، يقول صبيحات "تبين لنا بعد تطبيق السلم المالي الجديد أن شريحة الوفيات خارج الوطن واسعة ويصل عددها لحوالي ال1500 حالة، وغالبيتها في مخيمات لبنان وسوريا، ومعظمها يعود لمناضلين ومقاتلين قضوا عشرات السنين بصفوف الثورة الفلسطينية"، مردفا "نبذل جهودا كبيرة بالتعاون مع مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى للوصول لحلول مرضية لهذه القضية أولاً وعلى قاعدة إنصاف هذه الشريحة".
وأشار صبيحات الى سعي التجمع لإنصاف عموم أسر الشهداء بالشتات لجهة الإستفادة من خدمات التأمين الصحي الشامل والتعليم الجامعي المجاني لأبناء وبنات وزوجات الشهداء أسوة بأقرانهم داخل الوطن، والذين يحصلون على هذه الحقوق منذ عدة سنوات، معربا عن اعتقاده الجازم بالتوصل إلى اتفاق حول القضايا الثلاث الآنفة الذكر مع بداية العام 2012، سيما بعد طرحها مع رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض الذي وعد بالعمل على معالجتها. وأردف: "نحن متفائلون جدا نظرا للتعاون والتجاوب الذي لمسناه من الدكتور فياض خلال لقاءاتنا به"، واصفا السلم الجديد للرواتب بأنه إنجاز عظيم وكبير حققه التجمع منذ 17 عاما من تأسيسه لصالح أسر الشهداء داخل الوطن وفي الشتات.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، ماذا عن المتقاعدين العسكريين؟ وفي حال قضوا بسبب الأعمال العدوانية الإسرائيلية التي قد تتعرض لها المخيمات بين الحين والآخر، سيما وأن مواقع المواجهات تتواجد حيث يتواجد الفلسطينيون، أيصنفون أيضا بخانة الوفيات؟ سؤال برسم الجهات الفلسطينية المعنية، يحتاج لإجابة واضحة وسريعة تريح أرقهم وذويهم.
لم تتوفر لدينا معطيات رسمية ذات صلة بالبرامج والتقديمات التي تعنى بها مؤسسة رعاية شؤون عوائل الشهداء والجرحى، كون الجهات المعنية بالمؤسسة غير مخوّلة بالتصريح دون أذونات رسمية من مرجعياتها المركزية داخل الوطن، بحسب ما صرّح به أحد العاملين فيها، مبررا "المكننة الإعلامية لا تتوافق والعمل الروتيني".
المصدر: وليد درباس - مجلة القدس