عودة «حماس» إلى إيران وسوريا
متعثرة
الخميس،
24 تشرينالأول، 2013
مؤلم جداً الحديث عن مفاوضات لإعادة «حماس» إلى
صفوف محور المقاومة الذي كانت ذات يوم جزءاً مركزياً فيه. والمؤلم أكثر الكلام على
شروط للقبول بتلك الحركة في دمشق، حيث كانت ذات يوم تمتلك امتيازات أكثر من أهل
البيت أنفسهم. لكن الجراح عميقة وقد نزفت كثيراً خلال العامين الماضيين حتى استحال
العلاج واحداً من اثنين: كيّ أو بتر.
لا تزال عودة «حماس» إلى محور
الممانعة متعثرة. كلام الرئيس بشار الأسد حول هذه المسألة في أكثر من مناسبة خير
دليل. كذلك الأمر بالنسبة إلى الجدل الذي رافق الحديث عن زيارة وشيكة لرئيس المكتب
السياسي للحركة خالد مشعل لطهران، ما لبثت أن تعرقلت. أسباب الازمة عديدة، بعضها
مرتبط بـ«حماس» ، وبعضها الآخر مرتبط بسوريا وإيران.
فكرة تراجع الحركة الإسلامية عن
المسار الذي اتخذته منذ مغادرتها لدمشق في عام 2011 لم تكن مطروحة أصلاً قبل سقوط
الرئيس المصري المعزول محمد مرسي. في ذاك الوقت كان العالم يبدو وردياً في عيون
الحمساويين، أو الجزء الفلسطيني من حركة «الإخوان المسلمين». عاشوا فكرة أنهم
سيتصدرون المشهد في المنطقة كلها، من المغرب حتى تركيا. وفي المقابل، ارتسمت معالم
الصدمة على وجه كل الحلفاء والداعمين السابقين، من حزب الله إلى سوريا وإيران.
والسبب توثق النظام في دمشق كما حزب الله وإيران من أن مقاتلين من «حماس» يخوضون
المعارك إلى جانب المجموعات المسلحة المعارضة للنظام في سوريا. والمضحك المبكي
أنهم يقاتلون مستخدمين السلاح والخبرة والتقنيات والأساليب القتالية التي حصلوا
عليها من محور المقاومة.
جاء «30 يونيو»، ومعه زلزال مصر. أطيح
حكم «الإخوان» ورئيسهم محمد مرسي وعاد العسكر الى السلطة. حُيّدت قطر لمصلحة
السعودية، ومعها الإمارات والكويت. فجأة خسرت «حماس» الحلفاء وسقطت الرهانات على
انهيار وشيك للنظام السوري. تغيّر المناخ، ومعه الحسابات كلها. باتت الحركة تبحث
عن مخرج يحفظ بقاءها، ويقيها شرّ «المتربصين بها». أنفاقها أغلقت في رفح، وعناصرها
مطاردون في مصر ويتعرضون للقتل في سوريا. أما قياداتها، فحدّث ولا حرج: مشتتون
معزولون مكشوفون أمنياً، ولو كانوا يعيشون في قصور فارهة.
لحظة تاريخية وجد فيها محور المقاومة
نفسه أمام أمرين: إما ترك «حماس» لمصيرها، وهو خيار فيه هدية مجانية للمعسكر
الآخر، لأن الامر يتجاوز حركة سياسية ليلامس أقوى حركات المقاومة في فلسطين. أما
الخيار الثاني فهو العمل على احتضانها وإعادتها إلى موقعها الطبيعي كقوة مقاومة.
وهذا الخيار له مفاعيل تكتيكية في المنطقة يحاكي الرؤية المبدئية لقيادة محور
المقاومة، التي تضع فلسطين وبيت المقدس في المقام الأول، وعداهما «كل شيء تفاصيل
لا يجب التوقف عندها».
جرت عملية جس نبض، توّجت بالزيارة
الشهيرة للقيادي الحمساوي محمد نصر لطهران، وهو أجرى لقاءات على هامش قيامه بواجب
التعزية لقائد فيلق القدس الحاج قاسم سليماني بوفاة والدته. في تلك الجلسة، جرى
الإعراب عن نيّات «حماس» بالعودة إلى حضن إيران. رحّب الإيرانيون وبدأت اللقاءات
بين الممسكين بالملف في محور المقاومة وبين كل من خالد مشعل وموسى أبو مرزوق في
أكثر من عاصمة عربية وإسلامية. كانت الغاية التوافق على التوقيت والإخراج...
والثمن.
إيران... واليد الممدودة
بالنسبة إلى الإيرانيين، عودة «حماس»
مرغوبة. لكن يبقى النقاش حول الكيفية. في طهران من يرفض بالمطلق عودة مجانية
لـ«حماس». يريدون من الحركة أن «تكفّر عن سلوك» العامين الماضيين، وأن تفعل ذلك
على الملأ. يرون أن أساس العلاقة يجب أن يبنى من الآن فصاعداً على قاعدة المصلحة
البحتة، لا على قاعدة الجهاد. وأصحاب هذا الرأي هددوا بتنظيم تظاهرات إلى المطار
لمنع مشعل من دخول طهران.
في المقابل، هناك رأي آخر يقول
بضرورة تجاوز «الشكليات غير المجدية». حجته أن «مجرد مجيء مشعل إلى طهران إقرار
مدوٍّ بالخطايا» التي ارتكبتها «حماس». وكل ما يطلبه هؤلاء إجراء حماس «مراجعة».
وهو ما سمعه نصر من سليماني.
ومن حيث الآليات، هناك مشكلة أخرى.
«الحرس الجديد»، والمقصود فريق الحكم بعد تولّي الشيخ حسن روحاني الرئاسة، يعتبر
نفسه غير معني بهذا الملف، لناحية أنه غير مستعد لأن يتحمل وزره. هو لا يمانع
إعادة المياه إلى مجاريها مع «حماس»، لكنه غير مستعد أن يدفع باتجاه هذه الغاية.
أما «الحرس القديم»، والمقصود معسكر المحافظين، فيريد الأمر لكنه يرى أن مشكلة
«حماس» هي في الأساس مع كل محور المقاومة، ومع سوريا بالأخص.
سوريا: تكفير وثقة
بالنسبة إلى دمشق، الحكاية من فصول
قتل ودماء وغدر وخيانة وكل الأوصاف التي استخدم الرئيس الأسد بعضاً منها خلال
إطلالاته الاعلامية الأخيرة. صحيح أن الجرح الذي سبّبته تلك الحركة لحزب الله
وإيران كبير جداً ومن الصعب التئامه، لكنه بالنسبة إلى سوريا يبدو واضحاً أنه أكثر
عمقاً ونزفاً. يقول مسؤولون سوريون إن نحو 1200 من عناصر «حماس» أو مناصريها قتلوا
الى جانب المسلحين.
وفي كل مرة يثار أمر العلاقة مع
الحركة، يجيب الأسد بأن مشكلة الحركة ليست مع النظام بل مع الشعب السوري.
وفي سوريا من يشير الى أن التسوية
تحتاج إلى مبادرات من قبل «حماس»، مثل:
1ــ الاعتذار علناً من الشعب السوري
عن كل الممارسات التي قامت بها ضده، وهذا يتضمن اعتذاراً عن رفع علم الانتداب
الفرنسي على يد خالد مشعل في غزة.
2ــ الإعلان عن تحييد نفسها عن جماعة
الإخوان المسلمين في سوريا. وهو ما عبّر عنه الأسد بأن على «حماس» أن تقرر إن كانت
تريد أن تكون مقاومة أو «إخوان».
3ــ تحييد خالد مشعل عن المشهد العام
للحركة، تحت عنوان أنه لا يمكن المسؤول عن سفك دماء السوريين العودة إلى حضن
سوريا.
لكن هناك مبادرات أخرى منتظرة من «حماس»
وأساسها:
ــ سحب فوري لجميع مقاتلي الحركة من
المعارك الدائرة في سوريا.
ــ إقناع «إخوان سوريا» برفع أيديهم
عن المجموعات المسلحة والنأي بأنفسهم عن الحرب الدائرة في بلادهم.
ــ العمل مع القيادة التركية على وقف
دعم وتسليح المجموعات الإرهابية في سوريا.
والموقف السوري هذا يستند عملياً الى
اقتناع دمشق بأن رغبة «حماس» في العودة ليست نابعة من اقتناع بخطأ، أو أنها نادمة
على ما فعلت وتريد استعادة موقعها السابق، بل ترى دمشق أن تلك الرغبة نابعة من
حسابات مصلحية ضيقة، تبدأ من الحاجة إلى مأوى يقي قيادة الحركة شر الشتات الذي
تعانيه، ولا تنتهي بالحاجة إلى ظهير قوي يقيها شرّ إسرائيل و«فتح» والجيش المصري
وحكام الخليج من السعودية والإمارات والكويت وخلفهم أميركا وأوروبا، الأمر الذي
يزيد من حذر دمشق التي لا يستبعد المسؤولون فيها تبدلاً جديداً لـ«حماس» بمجرد
تغيّر الظروف الصعبة التي تعيشها في الوقت الراهن.
وهذا ما لمّح إليه الأسد في مقابلته
مع «الميادين» قبل أيام عندما أكد وجوب النظر إلى «السياقات» التي أملت على «حماس»
رغبتها في المصالحة مع محور المقاومة.
«حماس» وعباءة «الإخوان»
على الضفة الأخرى، تعيش الحركة
الإسلامية الكثير من التناقضات. تبرز حاجة إلى الذهاب من جديد باتجاه إيران وسوريا
وحزب الله. وحاجتها للثانية تنبع في الأساس من أنها لا تحتمل أن تتخذ من الجمهورية
الإسلامية مقراً لها، في وقت تبدو فيه الدوحة مكشوفة أمنياً، مثلها مثل الخرطوم،
فيما تنبذها القاهرة ولا تستطيع بيروت احتمالها. ومن ناحية أخرى، هناك مجموعة
القيود التي لا تستطيع «حماس» تجاوزها وإلا خسرت هويتها. من ضمنها، أنها حتى هذه
اللحظة لا تزال عاجزة عن الخروج من عباءة «الإخوان المسلمين»، وهي لا تزال تجد
صعوبة في الاعتذار العلني.
التصريحات الأخيرة لمسؤوليها في ما
يتعلق بالتقارب مع إيران والتأكيد على خيار المقاومة وعلى أن رفع مشعل علم
الانتداب عن طريق «الخطأ» ليست سوى محاولة منها للاستجابة لمتطلبات المصالحة، وإن
بطريقة مواربة.
صحيح أن في «حماس» فريقاً، يتركز في
الداخل على وجه الخصوص، لم يخرج يوماً من عباءة المقاومة، وكان طوال الفترة
الماضية معارضاً لسياسات قيادة الحركة ويتهم خالد مشعل على وجه الخصوص بأنه قادها
ولا يزال إلى خرابها.
ولعل هذا ما دفع مشعل نفسه، خلال
الأسابيع الماضية، إلى عرض استعداده للاستقالة في حال كانت تحل مشكلة الحركة. لكن
التيار المسيطر فيها لا يزال يتهيّب إعادة الاصطفاف.
يدرك أنه مهما فعل لن يستعيد موقعه
في محور المقاومة وأن حجمه الفعلي انكشف.
«حماس» وصواريخ الضاحية
يوم جاء محمد نصر إلى بيروت للقاء
مسؤولي حزب الله، كان يحمل ملفاً وحيداً: التفاهم على تسليم علاء محمود ياسين
المتواري في مخيم الرشيدية والمتهم بإطلاق صواريخ على الضاحية.
عرض نصر على الحزب الآتي: مستعدون
لتسليمه لكم لا إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، لأن هناك خشية من استجوابه في أمور
لها علاقة بعمل المقاومة، وذلك لن يكون مناسباً لنا ولا لكم. الجواب كان أكثر
بساطة: هذا الأمر لن يحصل.
لا نقبل بغير تسليمه إلى الأجهزة
اللبنانية، مع تعهّد منا بأننا سنحرص لدى تلك الأجهزة على أن يكون استجوابه
محصوراً في قضية إطلاق الصواريخ على الضاحية. حوار بالغ الدلالات لكل من يعرف في
خفايا العلاقة بين الجانبين وملابساتها.
المصدر: إيلي شلهوب - الأخبار