عين الحلوة: الصراع ينتقل إلى داخل فتح
السبت، 24 كانون الأول 2011
اختلطت الأوراق في عين الحلوة. الحديث يدور اليوم عن صراع داخل أجنحة فتح، انعكس في اغتيال مرافق «اللينو»، ومعه حديث عن تحالف جهات فتحاوية مع أخرى إسلامية للتخلص من هذا الأخير، من دون استبعاد دخول طرف ثالث على الخط عبر الإسلاميين
رضوان مرتضى - الأخبار
الجمر لا يزال كامناً تحت رماد مخيم عين الحلوة. الترقّب والانتظار هما الخبز اليومي لقاطني المخيم. الأعصاب مشدودة والاتهامات تطلق يمنة ويسرة، لكن لا أحد يعلم حقيقة ما يجري. ورغم ما يحكى عن «مكيدة» تدبّر لهذا المخيم، وسعي إلى تحويله إلى نهر بارد جديد، ووسط ما يُتداول عن صراع مكتوم بين حركة فتح والإسلاميين، تكشّفت معلومات خلال اليومين الماضيين، تنفي ما أُشيع سابقاً، وتؤكد وجود «صراع نفوذ» داخل حركة فتح نفسها، برز إلى العلن مجدداً. المعلومات المتداولة ليست نهائية. ورغم أن «المتهمَين» ينفيان التهمة المنسوبة إليهما، إلا أن المواقف المعلنة توجّه اللوم إلى حركة فتح لمسارعتها إلى اتهام «الضعفاء من بقايا جند الشام وتنظيم فتح الإسلام» بتنفيذ عمليتي اغتيال مرافقي «اللينو». ويستند مطلقو هذا الموقف إلى كون الموقوف الفلسطيني عبد الله الغزي، المشتبه في تنفيذه عملية اغتيال مرافق «اللينو» عامر فستق، ليس «إسلامياً أصولياً»، بل أحد المقرّبين من قائد المقر العام لحركة فتح، اللواء منير المقدح. يعزز هؤلاء فرضيتهم بكون باقي أصحاب الأسماء المشتبه في تورّطها موجودين في الحلقة الضيقة المحيطة باللواء المقدح أيضاً. وهناك أيضاً، المعلومات التي أفصح عنها «اللينو» بشأن «اعترافات» الموقوف الغزّي خلال استجوابه من قبل عناصر الكفاح المسلّح، وقبل تسليمه إلى مديرية استخبارات الجيش اللبناني. فقد تحدث عن إشارة إلى تورط اللواء المقدح في توفير الغطاء لمنفّذ عملية الاغتيال، لتسهيل اختبائه. ليس هذا فحسب، فقد ذُكر أن العملية جرت بإيعاز منه شخصياً، وذلك بحسب الاعترافات التي ينقلها «اللينو» عن العزّي، علماً أن ذلك يمكن أن يوضع أيضاً في خانة صراع النفوذ المحتدم.
لا يزال الموقوف الغزي في عهدة استخبارات الجيش. التحقيق معه لم ينته. اللواء المقدح ينفي ما يتردد عن اعترافه، ويؤكد أن ذويه الذين زاروه ينفون ما أشيع في هذا الخصوص. وفوق ذلك، يعرب المقدح عن استعداده لتسليم أي مشتبه فيه تطلبه استخبارات الجيش، لافتاً إلى أنه سبق أن تدخل لدى ذوي الموقوف الغزي لتسليمه، كما ذكر المقدح أن هناك عدة أشخاص جرى استدعاؤهم للاستماع إلى إفاداتهم.
وفي الإطار نفسه، وسط سياق «صراع النفوذ» المتداول، يقول بعض الفتحاويين إن خطة أُبرمت بين اللواء المقدح وجهة إسلامية متطرّفة للتخلّص من «اللينو»، باعتبار أن الطرفين سيحصلان على مكتسبات مهمة إن نجحا في تحقيق ذلك. وتذكر مصادر أمنية فلسطينية لـ«الأخبار» «أنهما إذا أطاحا «اللينو»، فإن عدة عصافير ستسقط بطلقة واحدة». وتشير المصادر المذكورة إلى أن أمراًَ كهذا سيخلي الساحة أمام المقدح لقيادة فتح. هذا في ما خص المقدح، أما بالمردود الذي ستحصّله الجهة الإسلامية، فإنها ستكون قد قضت على «المخبر الأول لاستخبارات الجيش اللبناني داخل المخيم، أي اللينو». تكمل المصادر: «وبذلك يضمن المقدح لهؤلاء حرية التنقل، فضلاً عن استفادته من مال السلاح الذي سيبيعهم إيّاه، كما سبق أن فعل».
ما سبق، تنفيه مصادر إسلامية. لا تؤكد وجود «اتفاقية أمنية كهذه»، لكنها لا تنفي احتمال إعطاء المقدح إشارات مشجّعة للإسلاميين، باعتبار أن كفّته هي الراجحة لديهم قياساً باللينو. بالطبع، ينفي المقدح ما ذُكر، مؤكداً أن المستفيد الأول من أي خلل أمني داخل المخيم هو العدو الإسرائيلي، حاله كحال اللينو، الذي يتحدث عن وجود شبكة موساد إسرائيلية تعمل داخل المخيم، كاشفاً عن دخول «مجهولين جدد إلى المخيم، لجأوا إلى الطوارئ، الذي يؤوي غرباء ومجموعات أصولية خطرة».
الباب مفتوح أمام كثير من الاحتمالات، ولا سيما أن الصراع القديم الجديد لن ينتهي إذا لم يتدخّل أحد ليضع له حدّاً. وفي هذا السياق، يتحدث قائد الحركة الإسلامية المجاهدة الشيخ جمال خطّاب عن «دور إيجابي قد تؤديه قيادة منظمة فتح لإيجاد حلّ»، وبخاصة أن «الاقتتال الفتحاوي إن استمر، فإنه سينعكس سلباً على المخيم بأسره». ويكشف الشيخ خطاب عن «خطوات جدية اتّخذت في هذا الخصوص»، مشيراً إلى أن الهدوء يسود المخيم وسط أجواء الحذر، ويلفت أن المخيم لم يشهد ظهوراً مسلّحاً نهار أمس. من جهتها، تؤكد مصادر مقرّبة من تنظيم «فتح الإسلام» أن إنهاء الصراع بين اللينو والمقدح لا يمكن أن يجري وحده، ولا سيما أن هناك ثأراً قديماً بين الرجلين، على خلفية الاتهام الموجه إلى اللينو بقتل قريب للمقدح في معركة داخل المخيم. وتذكر المصادر أن حسم المسألة يمكن في حال «الاتفاق بين حركة فتح وحركة حماس»، مشيرة إلى أن ذلك «سيغيّر حتماً قيادة فتح في لبنان». في سياق القراءة الاستراتيجية أيضاً، يؤكد مسؤول فلسطيني أن «الاختيار عندها سيقع على منير المقدح لقيادة فتح، باعتباره الأكثر قرباً من الإسلاميين». ويدعّم ذلك باعتبار أن علاقة المقدح بالإسلاميين على مر السنوات الماضية لم تشُبها شائبة، مذكّراً بأن للمقدح علاقة خاصة مع كل من عصبة الأنصار وحماس والإسلاميين، حيث لم يسبق أن افتعل إشكالاً معهم، بعكس اللينو، وإذ يؤكد المسؤول نفسه أن الجماعات الإسلامية لا تثق بالمقدح، باستثناء عصبة الأنصار، يخلص إلى القول إن «المقدح يعد عاملاً مهدّئاً للأجواء داخل المخيم، على عكس العامل التوتيري، الذي يمثله اللينو».
وسط الاقتتال الفتحاوي، لا تخفي المصادر خشيتها من «دخول طرف ثالث لاستهداف الإسلاميين، بواسطة أعمال أمنية لتنفيس التوتر بين اللينو والمقدح».
تشكيك لبناني
يشكك مسؤولون أمنيون لبنانيون في ما يتداوله نائب قائد الكفاح المسلح في لبنان، العميد محمود العيسى (اللينو)، عمّا يسميه اعترافات الموقوف المقرب من اللواء منير المقدح، بشأن اغتيال مرافق الأول. ويقول المسؤولون أنفسهم إن ما يقوله اللينو لا يعدو كونه محاولة لإقصاء المقدح عن ساحة حركة فتح في المخيم.