كل «النكبة» ومنذ عام 1948 في هذا المخيم
عين الحلوة.. حيث الناس يكافحون من أجل الهواء
الخميس، 22 كانون الأول، 2011
من يحكم عين الحلوة؟ قد يكون السؤال الاكثر دقة: هل يحكم المخيم من تحت الارض او من فوقها؟
تتجول في الاحياء، كما لو انك تتجول في ثقوب ازمة الشرق الاوسط، وجوه حائرة، بل وضائعة تجعلك تذهب في هذه الاستنتاج الاكثر واقعية من اي استنتاج اخر، وهو ان القضية الفلسطينية، ومعها الدولة طويت في 15 مايو 1948 اي عندما اعلن دافيد بن غوريون قيام دولة اسرائيل.
ايمن الظواهري
مبدئيا، قائد الكفاح المسلح محمود عبد الحميد عيسى (اللينو) هو الرجل القوي، او الاقوى، في المخيم، قتل احد عناصر تنظيم «جند الشام» مرافقا له فأرغى وأزبد وهدد بالقضاء على فلول التنظيم الذي اكد اكثر من مسؤول في حركة «فتح» وفي اوقات متباعدة، انه اسلم الروح، ومن بقي منه التحق بــ «عصبة الانصار» الاصولية المتشددة والتي يقال انها على تواصل ايديولوجي، واستراتيجي مع ايمن الظواهري. ولكن بين الفينة والاخرى تقع حادثة اغتيال او حادثة تفجير، فتوجه اصابع الاتهام الى التنظيم الذي يفترض ان يكون اندثر. هذه المرة اخذت المسألة منحى دراماتيكيا حين اغتال التنظيم، وخلال اقل من اسبوع مرافقا اخر لــ «اللينو» بعدما كان التنظيم المذكور، وتبعا للاتهام قد اغتال مرافقا لمسؤول الامن الوطني صبحي ابو عرب.
غداً الرؤوس الكبيرة
المخيم تحول الى غابة من علامات الاستفهام، الكل يسأل: هل بدأت التصفيات داخل حركة «فتح»؟ وهل ان الاغتيالات الان تطال الرؤوس الصغيرة؟ ولاحقا الكبيرة؟ وهل ان حركة «فتح» التي طالما لعبت على الحبلين فوجئت بأن الجماعات الاصولية المتشددة قد اشتد ساعدها والى حد انها تفكر باعلان مخيم عين الحلوة امارة اسلامية؟ المخيم ام ضواحي المخيم ايضا؟ وهل ان ما يجري انما يتوخى تفجير الطريق الى المصالحة بين «فتح» و«حماس»؟
كل «النكبة» ومنذ عام 1948 وحتى الان، في مخيم عين الحلوة، اجل تلك الازقة الضيقة اشد هولاً من تورا بورا، لكن الكثيرين هناك لا تعنيهم الايديولوجيا، لا عمامة اسامة بن لادن، ولا قبعة ارنستو تشي غيفارا، قضيتهم اليومية هي رغيف الخبز، ولا تستغربوا اذا ما قال لكم احدهم انه، وفي الغرفة التي يعيش فيها مع اولاده السبعة، يكافح للحصول على الكمية اللازمة من الهواء، وان سأل «.. ولكن اي هواء».
الربيع العربي
لم يعد الفلسطيني في المخيم معنيا بالتراب الذي سلب من اهله، انه يكتفي بمكان في الهواء، البعض يساورهم امل في ان يفضي الربيع العربي (لاحظوا كيف تتساقط السنونو..) الى تغيير قواعد اللعبة، اللعبة؟ مرة اخرى «اللعبة» والفلسطينيون «محشورون» بين لعبة الامم ولعبة القبائل.
بقايا صور على الجدران، حتى صور ياسر عرفات التي يتم تجديدها بين الحين والاخر تتآكل، البعض يقول ان مشكلة محمود عباس انه ورث ياسر عرفات الذي اقام ذلك الكوكتيل العجيب من المناصب، حوّل حركة «فتح» الى عشائر، وراح يستحدث لكل شيخ عشيرة منصبا على قياسه، قائد المقر العام (منير المقدح) وقائد الكفاح المسلح (محمود عيسى) وقائد الامن الوطني (صبحي ابو عرب)، وقائد ميليشيا «فتح» وامين سر الحركة، وهكذا وهكذا، حتى لتظن انك في الامبراطوريات الرومانية لا داخل مخيم لا يستطيع المرء ان يمشي في ازقته الا.. بالعرض.
الانضمام الى لبنان
ولكن انتبهوا، كل صاحب منصب فخور بمنصبه، لا احد يبالي باولئك الذين لو اجري استفتاء لتقرير المصير لاختارت الاكثرية الساحقة الى الانضمام الى الجمهورية اللبنانية.. اذ قلما ينقضي فجر دون تفجير، او دون حادثة، او محاولة، اغتيال. من يغتال من؟
يقولون لك في المخيم ان حركة «فتح» تحولت الى حركات، وان البعض (ويذكرون الاسماء) هم من يبيعون السلاح ويؤمنون التغطية لـــ«المربع الاصولي» الذي تحول الى «ناطحة سحاب مقلوبة» صواريخ، ومدافع وقذائف، جبخانة بكل معنى الكلمة. واذا كان احد خبراء وكالة اغاثة اللاجئين (الاونروا) قد حذر من الانفجار الديموغرافي في المخيم في فترة تتراوح ما بين خمس وعشر سنوات، فإن خبراء الواقع يحذرون من الانفجار العسكري (والعقائدي).
اراكيل ومسلسلات
حقاً، وانت تسمع شكاوى الناس لا تدري كيف يمكن لهؤلاء الناس ان يدخنوا الاراكيل او ان يتابعوا المسلسلات التركية فوق برميل من البارود. لا بأس، اعتادوا على هذا الطراز من الحياة، مثلما تموت القضية في الردهات الدبلوماسية، المقفلة الى اشعار اخر يموت اهل القضية.
رجل من المخيم اعتدنا على زيارته قال لنا «الآن» اغتالوا المرافقين، وصلت الرسالة، لا احد من الرؤوس الكبيرة يتجرأ ان يفعل شيئاً، والحياة تستمر هكذا ولكن هل هي الحياة حقاً»؟.
من زمان تركتهم الحياة، مثلما تركتهم الارض، ورحلت.
المصدر: القبس