فلسطين: ابتلاع
الأراضي الزراعية يفاقم الفقر
السبت، 05 أيلول، 2015
وسط القلق الذي ينتاب الفلسطينيين
من تدني مساهمة الزراعة في الناتج المحلي، تباينت أراء الخبراء في تحليل أسبابها وتداعياتها
على الاقتصاد الفلسطيني، وتراوحت بين من يعتبر ذلك مؤشراً خطيراً على تقلّص الحاضنة
التي يستطيع فيها الفقراء العمل والإنتاج، بينما يرى آخرون أن البيانات الجديدة تعكس
نمواً في القطاعات الأخرى وليس تراجعاً في مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي.
غير أن الطرفين يتفقان على
أن سياسات الاحتلال الإسرائيلي المتمثلة بابتلاع الأراضي الزراعية بالاستيطان في الضفة،
والمنطقة العازلة في قطاع غزة، فضلاً عن السيطرة على مصادر المياه هي العائق الأكبر
أمام نمو القطاع الزراعي الفلسطيني.
وتفيد بيانات إحصائية جديدة
بتراجع مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الفلسطيني إلى 3.8% خلال النصف الأول من العام
الجاري، مقارنة مع 4.5% في الفترة نفسها من العام الماضي.
ووفقاً لمعطيات رسمية من
جهاز الإحصاء الفلسطيني الرسمي، بلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في الضفة الغربية
وقطاع غزة 14 مليار دولار في عام 2013، مقابل 13.2 مليار دولار في العام الذي سبقه. في تفسيره لأسباب تراجع الزراعة، يقول الرئيس التنفيذي
لشركة فلسطين للتنمية والاستثمار، سمير حليلة، إن تراجع مساهمة الزراعة في الاقتصاد
الفلسطيني ترتبط بمؤشرات أخرى تبعث على القلق، أهمها استمرار تآكل دخل الفرد في السنوات
الأخيرة بما يصل، وفقاً لآخر إحصائية، لـ970 دولاراً سنوياً في قطاع غزة، مقابل
2260 دولاراً في الضفة الغربية.
وحذر حليلة من خطورة هذا
التراجع بقوله "ليس فقط انطلاقاً من أهمية الحفاظ على الأرض في الصراع على الأرض
ومصادر المياه مع الاحتلال الإسرائيلي، وإنما لأنها تشكل حاضنة للفقر". وأوضح
حليلة أن الزراعة "هي القطاع الوحيد الذي يستطيع فيه الفقير أن يجد منتوجاً يأكله
أو يبيعه، لتوفير دخل له ولعائلته".
وتدعم هذا الموقف البيانات
الإحصائية الرسمية، إذ تشير إلى أن نتائج التعداد الزراعي الذي أجراه جهاز الإحصاء
عام 2010 بلغت 135 ألف عامل وعاملة من بينهم 40 ألفاً من الإناث يعملون في القطاع الزراعي
في إطار عائلي دون تلقي أجر مقابل 16 ألف عامل زراعي فقط يعملون مقابل أجر. وبحسب جهاز
الإحصاء، شكلت نسبة العاملين في قطاع الزراعة، خلال العام الماضي 11% في الضفة الغربية،
مقابل 53% في قطاع الخدمات، بما في ذلك قطاعات التجارة والفنادق والمطاعم، أما في قطاع
غزة فبلغت نسبة العاملين في الزراعة 10% مقابل 82% في الخدمات.
وتبلغ مساحات الأراضي المزروعة
843 كيلومتراً مربعاً في الضفة الغربية، في حين تقلّصت الأراضي المزروعة في القطاع
إلى 88 كيلومتراً مربعاً فقط، نتيجة سياسات الاحتلال الإسرائيلي الذي فرض منطقة عازلة
على طول الحدود بين القطاع وإسرائيل وتعمّد إطلاق النار على المزراعين لمنعهم من فلاحة
أراضيهم على مسافة تمتد ما بين 2- 5 كيلومترات على طول الحدود.
من جانبه، يرى أستاذ الاقتصاد
الإحصائي في جامعة "بوليتكنك فلسطين"، أكرم حشيش، أن الزراعة تقوم على ركيزتي
الأرض والمياه، و"نتيجة لسياسة الاحتلال الإسرائيلي تآكلت الأراضي الزراعية بفعل
الاستيطان المتواصل، وأحكمت إسرائيل سيطرتها على مصادر المياه لدرجة أن الكثير من التجمعات
الفلسطينية لم تعد تتوفر لديها مياه الشرب للاستخدام المنزلي".
ويضيف حشيش قوله "لم
تقدّم السلطة الفلسطينية منذ قيامها قبل 20 عاماً ما من شأنه أن يُنمّي مساهمة الزراعة
في الناتج المحلي الإجمالي للمساعدة في استقلال الاقتصاد الوطني عن إسرائيل".
وقال إن "هناك بعض
المحاولات لإدخال التكنولوجيا الحديثة لقطاع الزراعة لتنمية الإنتاج، ولكن ذلك يتطلّب
رأس مال كبير، ونتيجة لعدم جدوى الاستثمار في الزراعة مقارنة مع القطاعات الأخرى خاصة
الخدمات، بالتالي عزف أصحاب رؤوس الأموال عن قطاع الزراعة نظراً لهامش المخاطرة الكبير،
وضعف منافسة المنتج الفلسطيني مع نظيره الإسرائيلي في السوق المحلية الفلسطينية بفعل
سياسات الإغراق التي يقوم بها كبار التجار".
وتابع: "حتى وإن توفر
رأس المال والإرادة للاستثمار في القطاع الزراعي يبقى توفر المياه من المسائل الحاسمة
لتطوير القطاع الزراعي".
من جهته، يشكك الأكاديمي
الفلسطيني في حديثه مع "العربي الجديد"، بالإحصائيات الرسمية التي تعطي الزراعة
نسبة 3.8% فقط من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، ويقول: "الكثير من الإنتاج في
القطاع الزراعي هي أنشطة غير سوقية، بحيث يكون الإنتاج للاستهلاك الشخصي أو العائلي،
فضلاً عن أن هناك جزءاً من الإنتاج لا يتم تسجيله ليس من باب التهرّب الضريبي، وإنما
عدم متابعة أو اهتمام الجهات الرسمية التي تجمع البيانات الإحصائية". ولكنه يعود
ليؤكد أن مساهمة الزراعة في الاقتصاد متواضعة وفي تراجع مستمر. ويقترح في هذا الصعيد
حلولاً تتمثل بـ"سياسات وطنية، مثل العمل على توفير المياه بواسطة الحصاد المائي
لمياه الأمطار بإقامة السدود الصغيرة، فضلاً عن إعفاءات ضريبية حكومية، وحماية الإنتاج
المحلي الزراعي من سياسات الإغراق بالمنتج الإسرائيلي".
ويتّفق وكيل الشؤون الاقتصادية
في وزارة الزراعة، علي غياظة، مع الأكاديمي أكرم حشيش، على أن مساهمة الزراعة في الناتج
المحلي تنخفض، ولكنه يشير إلى أن صعود حصة القطاعات الأخرى في الناتج المحلي الإجمالي
هو السبب وراء تراجع مساهمة الزراعة، موضحاً: "نحن نتحدث عن نسبة وليس عن رقم،
ومن الممكن أن تزيد مساهمة القطاع الزراعي من حيث القيمة ولكنها تنخفض من حيث النسبة
بسبب هذه المعادلة".
وحول أسباب نمو القطاعات
الأخرى دون الزراعة، أوضح غياظة أن القطاع الزراعي يتلقى ضربات ويواجه تحديات.
المصدر: العربي الجديد