فلسطين في عرس تحرير الأسرى تستعيد وحدة الأرض والشعب
الأربعاء، 19 تشرين الأول، 2011
عاشت فلسطين من اقصى شمالي أراضي الـ48 الى اقصى جنوبي قطاع غزه، مرورا بالقدس يوم أمس، عرساً وطنياً جامعاً، أزال الكثير من الحواجز التي وضعها الاحتلال الاسرائيلي والكثير من العوائق التي وضعها الفلسطينيون في ما بينهم، وتحوّل يوم تحرير الأسرى الفلسطينيين إلى يوم للوحدة الوطنية، لم تقتصر مفاعيله على الشارع الفلسطيني، الذي شهد، وللمرة الأولى منذ سنوات، احتفالات مشتركة بين السلطة الفلسطينية في رام الله وبين حكومة حماس في غزة ومعهما جميع الفصائل والأحزاب والتيارات، ما يبشّر باحتمال أن يكون ذلك الاحتضان الوطني للأسرى المحررين مقدمة للتوصل إلى تحقيق المصالحة التي طال انتظارها.
على الجانب الآخر، بدت "إسرائيل” وكأنها مقبلة على عاصفة سياسية، برغم استعادتها الجندي جلعاد شاليط، بعدما عجزت آلتها العسكرية وأجهزتها الأمنية عن تحريره من آسريه طوال السنوات الخمس الماضية، برغم المساحة الجغرافية الضيقة التي كان محتجزاً في نطاقها، إلى أن اضطرت للرضوخ إلى شروط المقاومة، عبر الإفراج عن 1027 أسيرا وأسيرة على مرحلتين، نفذت الأولى منها يوم أمس وشملت الأسيرات وعددهن 27، بالإضافة الى 420 اسيرا، ابرزهم عميد الاسرى نائل البرغوثي الذي امضى في السجون الاسرائيلية 33 عاما، فضلا عن كبير الاسرى سامي يونس البالغ من العمر 80 عاما، امضى منها 29 عاما خلف القضبان.
ومنذ الصباح، وفي الوقت الذي سلم فيه شاليط للسلطات المصرية، كانت "إسرائيل” قد بدأت بالإفراج عن الأسرى المشمولين بالمرحلة الأولى من الصفقة. وسمح لـ247 أسيرا بالعودة إلى منازلهم (131 من غزة، و96 من الضفة الغربية و14 من القدس، و6 من أراضي 48). وبالنسبة للباقين، تقرر ترحيل 145 من أسرى الضفة الغربية و18 من القدس إلى قطاع غزة. كما قضت الصفقة بإبعاد 40 أسيرا إلى الخارج (26 من الضفة الغربية، و13 من القدس الشرقية، وواحد من غزة). وسمح للأسيرات وعددهن 27 بالعودة إلى منازلهن ما عدا اثنتين هما أحلام التميمي التي تقرر إبعادها إلى الأردن، وآمنة منى التي رفضت الذهاب إلى غزة وبقيت في مصر.
الضفة الغربية
وفي الضفة الغربية، كان آلاف الفلسطينيين من أقرباء المعتقلين تواجدوا منذ ساعات الصباح الباكر عند مدخل معسكر عوفر الإسرائيلي في انتظار الأفراج عن أبنائهم المعتقلين.
وعند المدخل الرئيس للمعسكر عقدت حلقات الدبكة والرقص على أنغام الأغاني الفلسطينية التي صدحت في المكان من مكبرات صوت تم تركيبها على عدد من السيارات. وحمل أهالي المعتقلين الأعلام الفلسطينية ورايات حركتي فتح وحماس، وكانت تلك أول مرة ترفع فيها رايات حركة حماس بهذا الكم في رام الله منذ أن سيطرت الحركة على قطاع غزة أواسط العام 2007.
وفي الوقت الذي احتشد فيه أهالي المعتقلين الفلسطينيين عند المدخل الرئيس لمعسكر عوفر، أعلن ضابط إسرائيلي، عبر مكبر للصوت، أن تغييرا طرأ على سير حافلات المعتقلين، ما استدعى خروجهم من مدخل آخر للمعسكر، واتجهوا إلى مقر الرئاسة الفلسطينية.
وفي رام الله احتشد الآلاف في مقر الرئاسة الفلسطيني لتحية الأسرى المحررين لدى وصولهم إلى الضفة الغربية. وألقى كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحسن يوسف القيادي في حماس خطابا للمناسبة في إظهار نادر للوحدة الوطنية.
وتوجه عباس إلى الأسرى بالقول «نحمد الله على سلامتكم عائدين غانمين إلى إخوانكم وبلدكم بعد هذه الغيبة القسرية التي فرضت عليكم لأنكم مناضلون مجاهدون في سبيل الوطن». وأضاف «سترون نتائج نضالكم في الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، كانت قضيتكم ولا زالت في قلوبنا في عقولنا في وجداننا حيثما حللنا في كل مكان في كل محفل عربي او دولي، لا هم لنا إلا إخوتنا وإخواننا الأسرى وها نحن نرى كوكبة منهم الآن والاتي ان شاء الله قريب وقريب جدا».
وكشف الرئيس الفلسطيني عن اتفاق مع الحكومة الاسرائيلية السابقة برئاسة ايهود اولمرت لإطلاق دفعة من الأسرى الفلسطينيين مماثلة للدفعة التي تم الاتفاق على إطلاقها في مقابل الإفراج عن الجندي جلعاد شاليط. وقال عباس «لا أذيع سرا إذا قلت أن هناك اتفاقا مع الحكومة الاسرائيلية لإطلاق دفعة تماثل هذه الدفعة من الأسرى بعد هذه الدفعة، ونطالب الحكومة الاسرائيلية بأن تفي بوعودها إذا كان العهد عندهم مسؤولا».
واحتفلت مدينة القدس بالإفراج عن 14 أسيرا مقدسيا ضمن صفقة التبادل. وكان ضباط الاستخبارات الاسرائيلية في مركز المسكوبية طلبوا من أهالي الأسرى في وقت مبكر الانتظار عند معبر الزيتونة العسكري شرق جبل الطور. وتجمع مئات امام مركز شرطة «ميشور ادمويم» قرب حي العيسوية في القدس الشرقية رافعين الاعلام الفلسطينية ومرددين هتافات مؤيدة للاسرى وللوحدة الوطنية.
واستخدمت الشرطة الاسرائيلية منطادا للمراقبة ومروحية كانت في حالة تأهب كما تم تجهيز سيارة مزودة بخراطيم مياه لتفريق المتظاهرين في حال وقوع مواجهات. وطلب ضباط الاستخبارات الاسرائيلية من عائلات الاسرى ملاقاتهم امام مركز الشرطة في تمام الساعة الحادية عشرة والنصف، وسمحوا بدخول سيارة واحدة لكل عائلة اسير.
وزينت حارة السعدية في البلدة القديمة في القدس بالاعلام الفلسطينية وصدحت الاغاني الوطنية عبر مكبرات الصوت لتهنئة الاسير الكفيف المحرر علاء البازيان الذي استقبل بالزغاريد. وتوجه البازيان للصلاة في المسجد الاقصى قبل التوجه الى بيته في البلدة القديمة.
قطاع غزة
وعلى معبر رفح، انطلقت الأغاني الوطنية من مكبرات الصوت بينما استقبل الأسرى استقبال الأبطال لدى وصولهم إلى معبر رفح. وحمل الأقارب الفرحون بعض الأسرى على الأعناق، وزغردت النساء وكبّر الرجال.
وانضم رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية إلى عشرات المسؤولين، ومن بينهم قياديون في حركة فتح، في استقبال الأسرى المحررين القادمين من مصر إلى جانب مئات من أفراد الأسر الذين كانوا يتوقون لالتئام شملهم مع ذويهم المحررين.
وقبل هنية جبهات المحررين وقدم تحية خاصة ليحيى السنوار، وهو احد كبار واضعي الاستراتيجيات الأمنية في حماس، والذي قضى 23 عاما في السجن، ونائبه روحي مشتهى الذي كان يقضي حكما بالسجن مدى الحياة.
وقال نائب رئيس المكتب السياسي في حركة حماس موسى أبو مرزوق، الذي كان في استقبال الأسرى لدى وصولهم إلى مصر، إن صفقة التبادل «تمثل شيئا ممتازا وشيئا جيدا للشعب الفلسطيني»، مشيراً إلى أن «الأسرى الذين لم يخرجوا كانوا سعداء بإخوانهم الذين خرجوا».
وفي مدينة غزة، احتشد الآلاف حول منصة الاحتفال المركزي بتحرير الأسرى، والذي تحدث فيه هنية، في خطاب لم يخل أيضاً من العبارات المؤكدة على وحدة الشعب الفلسطيني، قائلاً «حين عقدنا الصفقة التزمنا بأن تضم من مختلف القوى والشخصيات الفلسطينية من مختلف تيارات الحركة الأسيرة، ولم ننطلق في المفاوضات من رؤية خاصة أو حزبية، لكننا انطلقنا من موقع القيم الأخلاقية ووضعنا الخلاف خلف ظهورنا من أجل هؤلاء الأبطال».
خالد مشعل
وفي مؤتمر صحافي عقده مساء أمس في القاهرة، دعا رئيس المكتب السياسي في حركة حماس خالد مشعل عباس للاجتماع معه الأسبوع المقبل لإنجاز المصالحة، مؤكدا أن صفقة تبادل الأسرى صفحة مضيئة في التاريخ الفلسطيني والعربي.
وشدد مشعل على أن «درس التفاوض يؤكد أن عدونا لا يعطي ولا يتنازل إلا مكرها»، موضحا أن «العرض الذي قبله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الوسيط المصري اليوم يفرض عليه أضعاف عرض الوسيط الألماني الذي رفضه نتنياهو منذ سنة، وهذا دليل كاف على من تراجع وتنازل».
وأضاف مشعل، «سنستثمر الجو الإيجابي للصفقة لإتمام المصالحة، وقد دعوت الرئيس محمود عباس للقاء ثنائي في القاهرة لإكمال مشوار المصالحة. لم نفرج عن كل الأسرى ولكن هذه خطوة مهمة ونتعهد بالإفراج عن جميع أسرانا».
الأراضي المحتلة
وكانت عملية التبادل قد بدأت في وقت مبكر من صباح أمس، إذ تم نقل شاليط إلى مصر حيث تعرف عليه مسؤولون إسرائيليون، ثم نقل إلى معبر كرم أبو سالم، حيث أقلته طوافة عسكرية إلى قاعدة جوية إسرائيلية، حيث كان في استقباله والداه ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك ورئيس هيئة الأركان بني غانتس.
وفي مقابلة أجراها معه التلفزيون المصري فور وصوله إلى معبر رفح، قال شاليط إنه علم قبل أسبوع أنه سيفرج عنه، مشيراً إلى انه كان يخشى أن يظل محتجزا «لسنوات طويلة».
وجاء في بيان عسكري إسرائيلي أن شاليط بحالة صحية جيدة. وقد نشر الجيش الإسرائيلي صورا له وقد ارتدى مجددا زيه العسكري وهو يؤدي التحية لنتنياهو.
وقال نتنياهو في خطاب ألقاه في القاعدة العسكرية إن «هذا اليوم ما زال يوما صعبا والثمن كان باهظا»، وحذر السجناء الفلسطينيين المفرج عنهم أنهم «إذا عادوا إلى الإرهاب... سيضعون أرواحهم على أكفهم».
وأكثر الساسة والمعلقون في "إسرائيل” من الحديث عن أن صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس تمّت فقط لانعدام أي خيار آخر. ومن المؤكد أن الخيار المقصود هو الخيار العسكري الذي تبين أنه لم يكن قائماً أساساً بسبب العجز الاستخباراتي في الحصول على معلومات حول مكان احتجاز شاليط. وكان رئيس الأركان السابق، غابي أشكنازي، أول من أقرّ بهذا العجز فور إنهاء مهام منصبه عندما قال إن "إسرائيل” لا تعرف شيئاً عن مكان احتجاز شاليط.
وتعهدت كتائب القسام، الجناح العسكري في حركة حماس، بمواصلة «الجهاد» للإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين. وقال المتحدث باسم الكتائب «أبو عبيدة»، في كلمة تلفزيونية، إن الكتائب «لن يهدأ لها بال حتى تغلق السجون من خلف الأسرى البواسل والأسيرات الماجدات».
المصدر: («السفير»، أ ف ب، رويترز، أب، د ب أ، أ ش أ)