القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

تقارير إخبارية

فلسطينيّو مخيّم برج البراجنة نفوسهم جريحة

فلسطينيّو مخيّم برج البراجنة نفوسهم جريحة
 

الإربعاء، 13 نيسان 2011
 
عملت منظمة أطباء بلا حدود خمس سنوات داخل مخيّم برج البراجنة. المنظّمة أتت لتطمئنّ إلى صحة اللاجئين النفسية بعد حرب تموز ليتبيّن لها أن ثلث هؤلاء يعانون اضطرابات نفسية غير ناتجة من الحرب بصورة أساسية، بل من الواقع الذي يعيشونه
 
قاسم س. قاسم - الأخبار
 
اكتشفت منظمة أطباء بلا حدود أن 33% من أبناء مخيم برج البراجنة يعانون الاكتئاب، فيما يشكو 23% منهم من اضطراب القلق، و20% من الذهان (توهمات) و5% من الصرع و4% من اضطراب الشخصية. الأرقام عرضها رئيس بعثة المنظمة فابيو فورجيوني في مؤتمر عقده في الجامعة اللبنانية الأميركية وضمّنه نتائج ما توصل إليه مراقبو المنظمة وأطباؤها في المخيم بعد عمل دام خمس سنين على مشروع الصحة النفسية للمجتمع.
لا يسع المرء عند قراءة هذه الأرقام، على الرغم من مرارتها، إلا الابتسام. قد تكون هذه الإحصاءات مرعبة للاختصاصيين النفسيين أو للدول الغربية، أو للدول التي تمثل الصحة النفسية قطاعاً مهماً فيها. أما بالنسبة إلى أبناء المخيمات، فإن هذه الأرقام أكثر من طبيعية، إذ ينتظر أن تكون النسب أكبر في ظل الواقع الذي يعيشه هؤلاء في المخيمات.
 
تخيّل أنك تعيش في مكان لا تصل إليه أشعة الشمس. تخيّل أنه كلما أمطرت السماء تطوف المياه الآسنة لتصل إلى منزلك، وأنت لا تملك حلاً للمشكلة. تخيّل أنك ستعيش مع والدتك وزوجتك ووالدك و3 أطفال في غرفة ومطبخ وحمام فقط. تخيّل أنك طبيب، لكنك ممنوع من ممارسة هذه المهنة خارج حدود المخيم. تخيّل أنك لو مارستها في أحد المستشفيات الخاصة فإن راتبك سيكون أقل بمرتين من راتب الطبيب اللبناني، فقط لأنك تحمل هوية خاصة باللاجئين الفلسطينيين. تخيّل أنك مهندس فلسطيني وأن شهادتك لن تسمح لك بممارسة المهنة التي درستها، بل قد تجعلك معلم «نجار باطون»، مع الاحترام للمهنة، في إحدى ورش البناء. تخيّل أن تقصد مستوصفات الأونروا لتكتشف أن الدواء الذي أعطوك إياه ستأخذه نفسه لكل الأمراض التي قد تصيبك. تخيل أنك تعيش أنت و16 ألف نسمة في منطقة لا تتعدى مساحتها 1.5 كلم مربع. تخيّل أنك تسكن تحت سقف منزل تعلم أنه سينهار عليك في أي لحظة. تخيّل أن يدفع أهلك «دم قلبهم»، لإدخالك الجامعات، وفي النهاية عند تخرجّك إما ستكون عاطلاً من العمل أو أن تفتح محل سمانة صغيراً في المخيم. تخيّل أنّك تسمع يومياً بالمجازر تحصل مع أبناء بلدك ولا تستطيع أن تحرك ساكناً. تخيّل أنك تستيقظ صباحاً لتتمنى أن تمتلك شرفة، مجرد شرفة، لتشرب قهوتك الصباحية. تخيّل أنه عند موت أحد من أقاربك ستنسى مشاعرك الحزينة وأنك ستفكر هل لا يزال له مكان في الجبانة لاستقباله. هل ستجنّ؟ هل ستصاب باكتئاب؟ هل ستمّل الحياة وتيأس؟
 
من يستيقظ صباحاً ليجد حائط منزل جاره في وجهه عندما يقف على شباكه، أو أن عمه كان قد مات شهيداً، ويرى صورة والده شهيداً هو الآخر في المجزرة الفلانية، وأن أخاه أسير سابق، وأن ابن عمّته يحمل سلاحاً مع الفصيل الفلاني، وأن ابن خالته سجين لأنه لا يملك أوراقاً ثبوتية، فمن الجيد أن يقرر أن يكمل يومه على نحو طبيعي.
 
بالعودة إلى المشروع الذي انطلق بعد حرب تموز لدراسة حاجات منطقة برج البراجنة، لاحظ مراقبو المنظمة أن أكثر فئة مهمّشة في مجتمع مخيم برج البراجنة هم النساء. فهنّ معزولات في مخيّمهنّ ولم يندمجن كثيراً مع المجتمع اللبناني المحيط بهنّ، وهذا «المخيم يعدّ من أفقر المخيمات والأقل ملاءمة مقارنة بها»، كما يقول بيان المنظمة. هكذا، استطاعت المنظمة خلال الأعوام الخمسة التي عملت فيها مع الفلسطينيين أن تجد نوعاً من الثقة بينها وبينهم، وخصوصاً بعد افتتاحها مركزاً للرعاية النفسية في مستوصف الأونروا ومستشفى حيفا داخل المخيم، إضافة إلى مركزها الموجود خارج المخيم. إشراك موظفين فلسطينيين ضمن فريق عمل المنظمة أسهم في زيادة الثقة بين المنظمة واللاجئين، فكان سكان المخيم يتوجهون لعرض مشاكلهم الصحية، التي كان أبرزها صداع وآلام في المعدة.
 
وأظهرت الدراسة أن معظم أسباب هذه العوارض نفسية أكثر منها عضوية. فقد عمل الناشطون في المنظمة مع الأمهات اللواتي هنّ أساس المجتمع الفلسطيني. وخلال مناقشة نتائج الدراسة، لفت د. أوغوستو يوسا، الباحث الرئيسي في الدراسة، إلى أن النساء يفضّلن التكلم على مشاكلهنّ الخاصة في «العيادات الموجودة خارج المخيم، إذ إنهن يفضّلن التوجه في الحديث إلى غريب خوفاً من فضح سرّهن داخل المجتمع الفلسطيني، الذي هو مجتمع مغلق على نفسه، والجميع فيه يعرف الجميع»، يقول.
 
وعرض يوسا كيف ازدادت نسبة المرضى الجدد الذين قصدوا عيادات الجمعية من 380 مريضاً في عام 2009، إلى 780 مريضاً في 2010. أما عن الاستشارات التي قدّمت للمرضى في عام 2009 فقد بلغت 2298، ووصلت في عام 2010 إلى 5725.
 
وقد استندت نتائج البحث إلى مقابلات مع 748 شخصاً من البالغين الذين يعيشون في 283 أسرة، ما أدى إلى 194 تقويماً نفسياً. تشير النتائج إلى أن 29% من السكان يعانون اضطرابات نفسية واحدة على الأقل، وهي الأكثر شيوعاً اضطرابات المزاج، تليها اضطرابات القلق، والذهان.
الدراسة جاءت لتكمل سابقاتها، أي الدراسة النفسية «التي أعدّتها الأونروا والتي لم يثق بنتائجها الفلسطينيون لأن الوكالة قامت بها، إضافة إلى دراسة
 
كانت قد نشرتها الجامعة الأميركية في بيروت»، كما يقول د. نمر قاسم ممثل الأونروا.
 
يختم فوجيوني الجلسة بخلاصة مفادها أن «ثلث سكان مخيم برج البراجنة يعانون اضطرابات نفسية».

رعاية بيولوجيّة واجتماعيّة

يقول بيير باستان، مستشار منظمة أطباء بلا حدود في جنيف المعني بالصحة النفسية، إن المنظمة لم تكتفِ بوصف الأدوية، بل حاولت توفير الرعاية البيولوجية والنفسية والاجتماعية الشاملة. ويلفت إلى أنّ العوامل المسبّبة للمرض تكون ذات طبيعة بيولوجية، نفسية واجتماعية، لذا، يتعيّن أن يشمل العلاج الجوانب الثلاثة. أما من الناحية العملية، فذلك يعني أن يعالج الطبيب النفسي العامل البيولوجي بالأدوية، بينما يداوي المعالج النفسي العامل النفسي فيتعامل مع المريض وأقاربه إذا أمكن ذلك.