فلسطينيو «البراكسات»: جيران الأفاعي والجرذان
الأربعاء، 21 تشرين الثاني، 2012
على بعد مترين من المكان الذي خرجت منه الأفعى «العملاقة» كما تسميها الطفلة الصغيرة، تقف والدتها «أم أدهم» القاطنة في «براكسات» الحديد في مخيم نهر البارد. تبدو المرأة غير راغبة بالكلام لـ«عدم جدواه» من جهة، ولتعبها من رواية القصة المريرة لعائلتها من جهة ثانية. تأتي أم أدهم بكرسيين من غرفتها إلى الممر الذي يفصل غرف «البراكسات» بعضها عن بعض، فجارتها التي تسكن فوقها «تعزل» غرفتها، وهي لملمت أثاثها لكي لا يبتل بالماء المتساقط من الطابق الثاني.
لم تعتد أم أدهم التهجير برغم انها تعيش تهجيرها الخامس «ويا رب نرجع بعده على فلسطين». سبق لأم ادهم ان تهجرت من الخالصة في فلسطين إلى مخيم تل الزعتر.. ومن تل الزعتر إلى صبرا وشاتيلا.. ومع المجزرة نزحت إلى حي المهجرين في البارد. اندلعت حرب المخيم في 2007 فتهجرت إلى البداوي ومنه إلى «البراكسات».. و«الله العليم» متى سيعاد بناء «المهجرين» أو «حي النروجيين» كما يسمونه، نسبة إلى تمويل النزوح لبنائه للمهجرين من تل الزعتر خلال الحرب اللبنانية.
حصلت أم أدهم على غرفتين منفصلتين في «البراكسات» الحديدية كونها أماً لخمسة شباب وأربع بنات. تركت غرفة للشباب ينامون فيها وبقيت مع زوجــها وبناتــها الأربع في الغرفة الثانية. «حريق وغريق» عبارة تخــتصر عبرها ام أدهم حياتها في «البراكسات». يسخن الحديد صيفاً «فنحترق وتتسرب المياه شتاء وحين ينظف الجيران غرفتــهم فوقنا نغرق».
ومع مرور السنين (خمس سنوات) على عودتها، أصبحت الجرذان بحجم الهررة، وصارت الأفاعي «ألفيّة» نسبة إلى «الف سنة» وفقاً لحجمها وكبر رأسها وطول جسدها. كيف للأطفال ان يعيشوا مع الأفاعي؟ تسأل أم ادهم. إلا أن الأفاعي والجرذان مشكلتان ثانويتان مقارنة بوضع أسرتها المعيشي. ساءت صحة ابو ادهم نتيجة ما حصل، وخضع لعملية قلب مفتوح وتعذر عليه العمل كمياوم في البناء و«العتالة». «الشباب»، ذكور العائلة كلهم في المدرسة، فيما ضحت الأم بتعليم بناتها وأخرجتهن جميعهن من المدرسة.. «نعم، طلعت لأنه ما في مصاري». تقول بهية، ابنة الاثني عشر عاماً، وهي تخفض رأسها لمداراة دموعها.
أما أم ادهم، فقد أصيبت بداء السكري: «شو بدي اتحمل لإتحمل»، تقول المرأة التي تعــيل عشرة اشخــاص بما يصلها من «مساعدات». وضع يصبح معه ضجــيج الجيران ووسخ الغرف المتشابكة وضعف التهوية والإنــارة من الهمــوم الثانوية.
تقول مي، التي تقطن في «البراكسات» الإسمنتية، ان سكان «البراكسات» الحديدية «محظوظون». فهم على الأقل لا يحملون هم الجدران المتشققة وانهيارها ولا زحل الغرف والأسقف المتصدعة، وربما ينامون ليلاً ايضاً. «الحية جنة» مقارنة مع انهيار الغرفة على أطفالها. «طبعاً عندنا افاع وجرادين، بس مين بيحكي فيهم، قدام خطر انهيار الغرفة».
تعيش عائلة مي المكونة من ستة افراد في غرفة لا تتعدى المترين ونصف بثلاثة امتار. يحتل المطبخ زاوية بمساحة متر واحد، فيما يقضم المرحاض متراً آخر بداخل الغرفة. تتسع الغرفة للوحين من الإسفنج نهاراً، فيما تفرشها مي بلوحين إضافيين ليلاً لتنام مع زوجها وأطفالها كأفراخ السردين في العلبة الحديدية.
يمضي الليل، وتقسم ليلى انها «تداوم» وزوجها على السهر على حراسة سلامة أطفالهما خوفاً من انهيار الغرفة المتصدعة الجدران والسقف. «يمكن نسمع صوت بالأول فمناخد الأولاد ومنهرب»، تجيب لدى سؤالها عما يفيدها سهر الليالي.
ليس تفصيلاً ما يعيشه سكان مخيم نهر البارد، وعلى رأسهم سبعمئة عائلة ما زالت تسكن «البراكسات».. غرف حديدية او اسمنتية مسقوفة بالإترنيت تصبح معها «الكراجات» التي تعيش فيها مئات العائلات حتى الآن «جنة» لا يعرف قيمتها إلا ساكن الجحيم.
خمس سنوات، والجحيم مستمر.
المصدر: السفير