فلسطينيو سورية.. رحلة النكبة الثالثة
احمد سعد الدين - عمان
على الحدود الأردنية السورية لا يزال فلسطينيو
سورية يراقبون بحسرة وألم ما يجري على أرض الشام، بعد مواصلة الأردن منع دخول اللاجئين
الفلسطينيين؛ فالظروف التي لحقت بهم جراء منعهم، دفعتهم إلى اللجوء إلى منطقة تل شهاب
في درعا، بانتظار تغير الظروف، أو حتى ما "سمّوه انفراج الأزمة".
تقع بلدة "تل شهاب" إلى الجنوب
الغربي من مدينة "درعا" في حوران بجنوب سورية، حيث تبعد عن مركز المدينة
بنحو 17 كم. أما سبب تسميتها، فيعود إلى أول من سكنها، وهم الشهابيون، الذين جاؤوا
مع القائد خالد بن الوليد عند دخوله إلى سورية.
وفي الذكرى الخامسة والستين للنكبة، يشير
العديد من المبادرين في مساعدة اللاجئين السوريين على اجتياز الحدود إلى وصف أوضاع
اللاجئين الفلسطينيين في تل شهاب بالـ"صعبة"، حيث لا يسمح بدخولهم إلى الأردن،
والسبب لا يزال غير واضح.
يتحدث محمد الحوراني عن ظروف معيشية صعبة
يمرّ بها فلسطينيو سورية؛ فالمئات من الأطفال والشيوخ والنساء انهالت عليهم الأمراض
والتعب، حتى الطبيعة تآمرت عليهم، كما يقول؛ فالطقس المتقلب بين الدفء والبرد عمل على
إرهاق تلك الأسر، ودفعها إلى البحث عن مكان يحمي من برد الليل ويساعد على الوقاية من
الحر في ساعات النهار.
من مختلف المخيمات الفلسطينية في سورية،
من مخيم اليرموك وسبينة والنيرب، جاء هؤلاء اللاجئون يحملون معهم ذكرى النكبة الفلسطينية
الخامسة والستين، يحييها اللاجئون خارج أزقة مخيماتهم، كما حمل أجدادهم ما استطاعوا
من أمتعة وهجروا من بلادهم، هم اليوم أصبحوا في نكبة جديدة، بانتظار حل يُسهم في إنهاء
معاناة متكررة تتجدد كل يوم.
محمد الحوراني الذي يعمل على نقل اللاجئين
السوريين إلى الحدود الأردنية، طالب كغيره السلطات الأردنية بالعمل على توفير أقل احتياجات
اللاجئين السوريين والعمل على إدخالهم إلى الأردن إنسانياً.
يقول محمد إن أكثر من 1500 لاجئ من المخيمات
الفلسطينية من دمشق وحمص وأغلب المخيمات لديهم إصابات بشظايا جراء القصف المدفعي والرصاص.
وأضاف: "إن اللاجئين الفلسطينيين عالقون
في منطقة تل شهاب ويجلسون في بيوت مهجورة وخيام، أو في بعض البساتين التي تركها أصحابها
في أوضاع إنسانية صعبة".
اللاجئون الفلسطينيون لا يعرفون إلى أين
يتوجهون... هكذا يتحدث أبو محمد، واصفاً الحيرة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في
منطقة تل شهاب، مضيفاً أن قوات النظام تضرب أماكن لجوء الفلسطينيين بهدف عرقلة وصولهم
إلى الحدود.
ويكمل الحوراني حديثه، قائلاً إن فلسطينيي
سورية في تل شهاب بحاجة إلى دعم مادي ومعنوي، ويحتاجون إلى الدواء والطعام، والوضع
الإنساني مأزوم.
وعن سكان المخيمات الذين وصلوا إلى منطقة
تل شهاب، يقول الحوراني إن اللاجئين قدموا من دمشق ودرعا، وأوراقهم الثبوتية ليست معهم،
وأصبحوا منكوبين مرة ثانية، وموجودين في أراضي درعا داخل المدارس والبيوت المدمرة.
في سياق متصل، لم يتغير موقف الحكومة الأردنية،
رغم اشتداد المعارك على الحدود الأردنية السورية، حيث تواصل حكومة الأردن منع دخول
اللاجئين الفلسطينيين إلى المملكة، لأسباب تحمل طابعاً سياسياً كما يرى مراقبون.
وتتخوف أوساط رسمية أردنية من أن يؤدي فتح
الباب للجوء فلسطينيي سورية إلى نقل مئات الآلاف الجدد من الفلسطينيين للأردن الذي
يشهد جدلاً مستمراً بشأن هوية الدولة الأردنية ومخاوف من توطين الفلسطينيين.
وضمن أعداد اللاجئين الفلسطينيين، منع الأردن
أبناء الأردنيات الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتية من الدخول، لعدم حملهم للأرقام الوطنية،
إضافة إلى عدم السماح لأزواجهم من أبناء قطاع غزة من الدخول إلى الأردن.
في سياق متصل، يتحدث نشطاء في مجال الإغاثة
بمخيم الزعتري ومخيم المفرق عن أنهم تلقوا استغاثات من عشرات العائلات الفلسطينية في
منطقة تل شهاب التي حاولت الوصول إلى الأردن من مخيم اليرموك في دمشق.
يشار إلى أن مجلس الأمن الوطني قرر عدم
السماح بلجوء الفلسطينيين إلى الأردن، ومنع من وصل منهم من الدخول، كما فعل مع اللاجئين
السوريين الذين سمح لعشرات الآلاف منهم بدخول البلاد والعيش في المحافظات الأردنية
قبل إنشاء مخيم الزعتري.
وسمحت السلطات الأردنية بدخول نحو ألفي
فلسطيني يقطنون حالياً في مخيم سايبر سيتي في مدينة الرمثا ومخيم الزعتري وتجمعات أخرى،
بينما سمح لأعداد قليلة منهم بدخول المدن الأردنية.
وكانت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل
اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) قد وجهت انتقادات لرفض السلطات الأردنية دخول الفلسطينيين
الهاربين من سورية إلى أراضيها، بعدما عبّرت عن قلقها من القصف الذي تعرض له مخيم اليرموك
في دمشق.
ووفقاً لبيانات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة
وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فإن نحو 235 ألف فلسطيني من أصل ستمئة ألف
من اللاجئين الفلسطينيين في سورية تركوا أماكن سكنهم في 12 مخيماً فلسطينياً في سورية،
وباتوا لاجئين في الداخل السوري، فضلاً عن عشرات الآلاف الذين فروا إلى الخارج.
وتعيد نكبة اللاجئين الفلسطينيين في سورية
إلى الأذهان رحلات النكبة التي تعرض لها الفلسطينيون بعد رحلة نكبة الخروج من وطنهم
فلسطين عام 1948 وبعد احتلال الضفة الغربية عام 1967، حيث عانى الفلسطينيون نكباتٍ
بعد خروجهم من الكويت عام 1991 ومن العراق بعد احتلاله عام 2003، فضلاً عن موجات لجوء
يدفع فيها الفلسطينيون ثمن الحروب في منطقة ملتهبة يجد الفارّون من كل الجنسيات مكاناً
للجوئهم، بينما يظل الفلسطينيون يدفعون ثمن الخوف من توطينهم خارج وطنهم المحتل منذ
65 عاماً.
المصدر: مجلة العودة، العدد الـ69