القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 26 كانون الأول 2024

تقارير إخبارية

فلسطينيو لبنان: العودة إلى المخيمات أفضل من النزوح


الثلاثاء، 10 كانون الأول، 2024

طاول العدوان الإسرائيلي على لبنان سكان المخيمات الفلسطينية كما طاول اللبنانيين، ونزح الآلاف منهم تاركين منازلهم خشية الاستهداف، لكن الغالبية عادوا فور سريان وقف إطلاق النار.

عانى آلاف من سكان مخيمات وتجمعات اللاجئين الفلسطينيين في مدينة صور أشكالاً من الخوف والقلق والنزوح على مدار أكثر من شهرين من تصعيد العدوان الإسرائيلي على لبنان، وجرى خلالهما استهداف مخيم الرشيدية للاجئين، ما خلّف عدداً من الشهداء والجرحى.

ويعاني اللاجئون الفلسطينيون في لبنان الكثير من المشكلات، خاصة الاقتصادية، فغالبيتهم يعيشون كل يوم بيومه، إلا من كان له ابن أو قريب يعاونه بمبلغ مالي يرسله مع بداية كل شهر، لكن معاناتهم باتت أكبر في المرحلة الحالية بسبب تبعات العدوان، إذ فقد كثيرون منازلهم أو أعمالهم، ومن عادوا من رحلة النزوح القسري يفتقدون إلى الكثير من تفاصيل الحياة الأساسية.

وشهد مجتمع اللجوء الفلسطيني تسجيل العديد من الشهداء والجرحى منذ توسع العدوان الإسرائيلي على لبنان في سبتمبر/ أيلول الماضي، حتى إقرار وقف إطلاق النار، وبلغ العدد بحسب إحصائية لجمعية الخدمات الطبية الفلسطينية، 38 شهيداً، و232 جريحاً، ودخل 52 من المصابين إلى المستشفيات، كما خضع 160 منهم لعلاج الطوارئ والإسعافات الأولية، وأجرى 16 مصاباً عمليات جراحية، ولازال أربعة مصابين يتلقون العلاج، من بينهم حالة بترت قدماها، ولا تزال تتلقى العلاج في العناية المركزة.

وبعد توقف العدوان الإسرائيلي، جرى إغلاق جميع مراكز الإيواء الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، باستثناء مركز الإيواء في مخيم نهر البارد شمالي لبنان، والذي ما زالت فيه بعض العائلات، بحسب المسؤول الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في لبنان، فادي الطيار.

ومنذ بدء إعلان سريان وقف إطلاق النار، سارع اللاجئون الفلسطينيون الذين نزحوا بالعودة إلى بيوتهم. تقول الفلسطينية نزهة محمود الروبي، وهي متخصصة بعلم الاجتماع السياسي، ومقيمة في تجمع المعشوق في صور: "نزحت في نهاية شهر سبتمبر إلى بيروت، ونزح أهلي إلى مخيم نهر البارد في الشمال، لكني عدت الخميس الماضي. بعد توقف إطلاق النار، بدأ غالبية سكان تجمع المعشوق الذين نزحوا بالعودة إلى التجمع، وقد عاد نحو 90% منهم بالفعل. التجمع ينقسم إلى قسمين، قسم يعيش فيه فلسطينيون، والآخر يعيش فيه لبنانيون، والقسم الفلسطيني أضراره محدودة، واقتصرت على تهشم الزجاج وأضرار أخرى، إذ كان القصف مركزاً على المنطقة التي تضم شركة الكهرباء، والأضرار هناك كبيرة، إضافة إلى الضربات في محيطنا، مثل المساكن الشعبية، والمدينة الصناعية، وهناك كانت الأضرار كبيرة".

تتابع الروبي: "يواصل السكان محاولات تنظيف الشوارع من الزجاج والركام، والبلدية بدأت رفع الأنقاض وفتح الشوارع المغلقة، لكن إرسال الهواتف وشبكات الإنترنت ما زالت معطلة، وكذلك خدمات الكهرباء والمياه".

وتوضح اللاجئة الفلسطينية: "الوضع الاقتصادي سيئ، فغالبية الأعمال متوقفة منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وبعد تصاعد العدوان تضررت محال كثير من الناس بشكل كبير، كما تضررت البضائع التي كانت في تلك المحلات. الكثير من أهالي التجمع يعملون بنظام المياومة، وقد فقدوا أعمالهم خلال العدوان، وهم بحاجة إلى فرص عمل حتى يسترجعوا قدرتهم على الإنفاق، خاصة في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار، لذا قرر كثيرون العودة إلى بيوتهم في أسرع وقت ممكن".

يقيم اللاجئ الفلسطيني سامر قدورة في المساكن الشعبية بقضاء صور، ويقول لـ"العربي الجديد": "نزحت في بداية العدوان إلى سورية، وقضيت 17 ساعة على الطريق حتى وصلت، ودخلنا سورية سيراً على الأقدام، وعشت هناك أياماً صعبة، إذ لم يكن معي أي مال، ولا أملك عملاً، لذلك قررت بعد الحديث عن وقف إطلاق النار العودة إلى لبنان، وعدت فور سريان وقف إطلاق النار. البيت الذي أعيش فيه بالإيجار تعرض للقصف، ووجدته على الأرض، ولم أجد مكاناً يؤويني، فانتقلت إلى مخيم الرشيدية، وسأعيش متنقلاً بين بيت أهلي وبيت أهل زوجتي".

لم ينزح اللاجئ الفلسطيني أيمن الصفدي، من مخيم البص في صور، بل فضل البقاء في المخيم، ويقول: "أعمل حلاقاً، وقد قررت البقاء بالمخيم مع عدد لا بأس به من السكان، وغالبيتنا كانوا لا يملكون المال، والخروج من المخيم إلى الشمال مكلف ويتطلب من الشخص الواحد نحو 200 دولار أميركي، لذلك فضلنا البقاء على النزوح. حصل استغلال كبير لحاجة الناس للمغادرة، والأشخاص ذوي الإمكانيات المحدودة مثلي أرغموا على البقاء في المخيم، واضطررنا للصمود، وسمعت عدداً من السكان يقولون إنهم لن يغادروا المخيم إلا إلى فلسطين، أو إلى القبور".

وحول كيفية تدبير أمورهم الحياتية أثناء أسابيع العدوان، يوضح الصفدي: "الوضع الاقتصادي في لبنان بشكل عام صعب، خاصة على اللاجئ الفلسطيني، وفي مخيمات الجنوب يعمل كثير من الناس في قطاف الليمون والموز، ومع تصاعد الحرب فقدوا أعمالهم، لكن الجميع تعاطوا مع بعضهم البعض بنوع من التكافل والمؤازرة، وتقاسموا بينهم ما يملكونه من مواد غذائية، خصوصاً السكر والملح والزيت والبطاطا، وتقاسموا اللقمة مع بعضهم. رغم إعلان وقف إطلاق النار، فإنني أعتقد أن عدداً كبيراً من سكان المخيم لن يعودوا إليه خوفاً من اندلاع الحرب من جديد، أو أن يحصل معهم كما يحصل مع أهل غزة، والبعض يؤكدون أنه ليست لديهم إمكانية مادية للنزوح مرة ثانية".

بدورها، تقول الفلسطينية فرح طيوب، المتحدرة من قضاء عكا، والمقيمة في مخيم برج الشمالي: "تركنا بيتنا منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي، وتوجهنا نحو بلدة برجا، قضاء الشوف في محافظة جبل لبنان، وقد قطعنا الطريق في 14 ساعة، عشنا فيها حالة من الخوف الشديد من القصف. عشنا في بيت عمتي، وكنا 14 شخصاً، وكان الوضع صعباً سواء لناحية النوم أو الأكل والشرب، وغيرها من تفاصيل الحياة التي انقلبت، وكنا نعيش في توتر دائم، ونحاول تقسيم أعباء المصروف على بعضنا. عندما تم إعلان وقف إطلاق النار عدنا إلى بيتنا في نفس اليوم، صحيح أن أبواب البيت تضررت، والغبار منتشر في كل جنباته، والزجاج مكسور، لكن وجودنا في البيت أفضل بكثير من وضع النزوح".

يعمل الفلسطيني سعيد زيدان، المتحدر من بلدة نحف، والمقيم في مخيم الرشيدية، ممرضاً بمستشفى بلسم التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، ويقول: "صمدنا في مخيم الرشيدية من أجل أهلنا الذين لم يستطيعوا المغادرة، وعانينا الكثير بسبب القصف الذي يهددنا، وجاء استهداف المخيم ليفاقم الأزمات. خلال عملي استقبلنا في المستشفى عدداً كبيراً من المصابين، بداية بالمصابين من جراء تفجيرات أجهزة البيجر، وعانى سكان المخيم طويلاً من الخوف على أرواحهم وأرواح أطفالهم، إذ كانوا يتوقعون أن يحصل لهم نفس ما يحصل مع أهل غزة". يضيف زيدان: "نزح عدد كبير من أهالي المخيم، خاصة بعد التهديدات التي كانت تتكرر عبر بيانات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، والمخاوف من وحشية العدو. أما من لم ينزحوا، فغالبيتهم من الأشخاص الذين لا يملكون المال، فالناس هنا يعملون بالمياومة، والأعمال توقفت بسبب الحرب. تقاسم الناس اللقمة مع بعضهم، وعشنا خمسة وستين يوماً بصعوبة في ظل نقص الطعام، ونقص العديد من الأمور الضرورية التي يحتاجها الإنسان للصمود". يتابع: "كنا في خطر دائم داخل المستشفى، وكانت طواقمنا تؤمن المستلزمات الطبية من الأدوية ومستهلكات العلاج الأساسية، فكانت سيارة الإسعاف تذهب إلى مدينة صيدا مرتين في الأسبوع لتأمين الأدوية رغم الخطر، فالعدو كرّر استهداف سيارات الإسعاف، لكننا قررنا عدم التخلي عن عملنا الإنساني، وقمنا بدور وكالة أونروا التي غابت عن تأمين الأدوية والعلاج".

المصدر: انتصار الدنان – العربي الجديد