فلسطينيو لبنان بحاجة إلى قرار من الأمم المتحدة للحصول على الحقوق المدنية
الخميس، 20 تشرين الأول، 2011
يقع مخيم الجليل للاجئين في سهل البقاع على بعد 90 كلم شرقي بيروت، ويعدّ هذا المخيم مسكنا لما يقارب 8000 من اللاجئين الفلسطينيين الأكثر عوزا في العالم. وبات المخيم يعرف باسم "مخيم وايفل" عقب الفترة التي تواجد فيها المشير البريطاني "أرشيبالد برسيفال وايفل" في القاعدة العسكرية الفرنسية سابقا خلال الحرب العالمية الثانية.
وقد بنى الفرنسيون هذه القاعدة بهدف حماية قطعة واسعة من الأرض العربية التي سيطروا عليها عقب اتفاقية "سايكس بيكو" السرية في 16 أيار/ مايو 1915 والتي قسمت مناطق جنوب غرب آسيا التي كانت محكومة من قبل الأتراك العثمانيين إلى أجزاء توزع حكمها بين بريطانيا وفرنسا. وقد تضمنت هذه السيطرة نحتا غير شرعي لدولة لبنان من جهة سوريا خلال فترة تفويض عصبة الأمم، وتجدر الإشارة إلى أن مخيم الجليل يؤوي اللاجئين منذ العام 1948. واليوم، يعيش سكان المخيم بظروف غير صحية فضلا عن بعض العائلات التي ما تزال تعيش في ثكنة الجيش الفرنسي الأصلية وفي إسطبلات الخيول من دون أن يصل إلى هذه الأماكن ضوء النهار أو حتى التهوئة، ويجبر الكثير من هذه العائلات على التشارك في حمّامات جماعية تتجمد فيها المياه أحيانا في شتاءات البقاع القارسة.
وعندما زرت المخيم الأسبوع الماضي مع زميل لي من حملة فلسطين للحقوق المدنية للمناقشة في احتمال سابق هو أن تبني الولايات المتحدة مصنعا مجاورا للمخيم مما يوفر فرص عمل لحوالى 4000 فلسطيني، تفاجأت أولا بما رأيته مكتوبا على لوح في ثانوية القسطل. وافترضت أن أحد المعلمين قد كتب هذه الكلمات: "حرام، 425 وما من فائدة لأحد!!"، وكانت الفكرة الأولى التي تراءت لي هي أنه أخيرا قام بعض المعلمين في وكالة الغوث والتشغيل التابعة للأمم المتحدة (الأونروا) بمقاومة القرار المهين القاضي بمنع مدارس (الأونروا) من تدريس أطفال اللاجئين أي شيء عن تاريخ فلسطين وثقافتها وحتى منعهم من ارتداء سوار أو دبوس عليه العلم الفلسطيني أو أي رموز فلسطينية فضلا عن منع ارتداء الكوفية في المدرسة علما أنها باتت زينة شعبية في لباس طلاب المدارس حول العالم. وإذ كنت مدركا أن قرار المنع هذا صادر عن اللوبي الأميركي الإسرائيلي خشية أن يتطور الشعور بالقومية الفلسطينية سريعا بين الشباب الفلسطيني الذين يعرفون تاريخ وطنهم ويعرفون النكبة. ولطالما شعرت بأن هذا التذلل مخز وأنه على (الأونروا) رفضه كليا.
وعندما بدأ لقاؤنا أدركت أن "425" المكتوبة على لوح المدرسة لم تكن تعني قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة رقم "425" كما اخطأت بافتراضي، وقد نص هذا القرار على انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق اللبنانية المحتلة عام 1978، ولكن إسرائيل حتى الآن، وبعد 33 عاما، لم تنجز مطلب الأمم المتحدة هذا وما زالت تحتل مزارع شبعا وقرية الغجر. وفي الحقيقة، كان "425" عدد الأيام التي تلت زعم البرلمان اللبناني في 17 آب/ أغسطس 2010 بمنح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حق العمل "جزئيا".
وبالطبع، لم يقم البرلمان بأي شيء من هذا القبيل، ولم يكن لقرار إلغاء الرسوم المفروضة على رخصة العمل أي مبادرة حسنة بالنسبة لأي لاجئ فلسطيني يمكن أن يكون قادرا على الخروج من هذه المتاهة الدرامية التي ولدة ميتة (فالرسوم لم تكن مشكلة مهمّة قطّ). وقد أخبرنا ممثل عن المخيم بأنه ومنذ إطلاق المبادرة البرلمانية الصيف الماضي، التي تشكل تعديلا يكاد لا يذكر في قانون العمل اللبناني، لم يتم العمل بها حتى الآن. وكما توقع معظمنا في ذلك الوقت، لم ينجز البرلمان ولو رخصة عمل فلسطينية واحدة، ولا يزال الفلسطينيون جميعهم محرومين من ممارسة أي مهنة ما عدا العمل الزراعي المتقطع، والمياومة في البناء، والقليل من المهن الهامشية جدا كرعاية الماشية. ولذلك تحولت فكرة بناء المصنع إلى مشكلة بما أن القانون اللبناني يمنع اللاجئين الفلسطينيين من العمل في أكثر من ستين وظيفة بما فيها مصنع التجميع الذي عقدت عليه آمال جديدة.
ولكن إذا ما سمع المرء تقرير الأصدقاء الجدد للاجئين حول المتوقع دوليا في ما يخص اللاجئين حاليا، فإن الظروف الجديدة قد جاء بها سكان المخيم في لبنان أيضا. وبالمقابل، فإن الحقائق مختلفة بالكامل بالنسبة لمستقبل اللاجئين هنا في لبنان.
وصحيح أن الأحداث الأخيرة التي حصلت في الأمم المتحدة بخصوص الطلب الفلسطيني للعضوية في الأمم المتحدة قد زادت من أمل الكثيرين في المخيمات اللبنانية. كما أنني سررت لهذا الإقبال غير المتوقع على دعم الدولة الفلسطينية في مقر الأمم المتحدة وسط العاصمة بيروت فضلا عن مخيم مار الياس للاجئين الذي يعد الأصغر بين المخيمات الإثنا عشر الموجودة في لبنان، كما أنه أحد المخيمات الثلاثة الموجودة في بيروت، والمخيمان الآخران هما مخيم شاتيلا ومخيم برج البراجنة.
وكان أحد الزائرين الفلسطينيين غير المخدوعين بزيارتهم الأخيرة هو المؤسس المشارك لحركة حماس محمود الزهار الذي صرح عقب زيارة إلى مخيم نهر البارد بأن الفلسطينيين في لبنان يعيشون في ظروف أسوأ من تلك التي يعيشها الفلسطينيون في فلسطين المحتلة أو حتى الذين عاشوا في غزة عقب حرب 2008 الإسرائيلية على القطاع الذي يبلغ عدد سكانه مليون ونصف المليون. وقد وعد الزهار لاجئي لبنان بالتالي: "سنبذل أقصى جهودنا مع الجامعة العربية والدول العربية للمساعدة في رفع هذا الظلم الممارس عليكم في المخيمات هنا في لبنان. إن هذا الظلم هو الذي لا يمكن تحمله ولا يقبل به الله تعالى".
وفي هذه الأثناء، يتجاهل البرلمان اللبناني مجددا مسألة الحقوق الإنسانية الأساسية في العمل وامتلاك المنازل لضيوفه الفلسطينيين. وقد تم إدراج مشروعي قانون للتصويت عليهما في هذه الجلسة بعد تجاهلهما العام الماضي، وسيتم التصويت مع الأكثرية الجديدة التي يقودها حزب الله بحسب كفلائهم، أي الحزب السوري القومي الاجتماعي، والحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. ولم يلمح البرلمان مؤخرا إلى النظر في مشروع القانون الذي يمكن أن يسن أي حقوق مدنية مكفولة دوليا للفلسطينيين المجبرين على البقاء في لبنان منذ 63 سنة مضت.
أما كلّ من خصوم الفلسطينيين فيتحدث وكأنما ما من مشكلة بوجود ما يقارب 2500 لاجئ فلسطيني محروم من حق العمل وحق امتلاك المنازل. وميشال عون قال خلال اللقاء الأسبوعي لتيّاره الوطني الحر في 27 أيلول/ سبتمبر: "إن الأمم المتحدة هي من يرتكب جريمة دولية عبر عدم الاعتراف بالحقوق المتبقية للفلسطينيين... واليوم نرى الأمم المتحدة مرتبكة وصامتة بوجه الجريمة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني والتي تعتبر مسؤولة عنها بشكل رئيسي ذلك أن إسرائيل تأسست بموجب إعلان أممي. والفلسطينيون لا يطالبون بالمشاركة الكاملة، وإنما يطالبون بما تبقى لهم بعد أن احتل اليهود أرضهم عام 1948. إنهم يطالبون بحدود عام 1967. وإن لم تكن الأمم المتحدة قادرة على إعلان الدولة الفلسطينية بحدود عام 1967، فلماذا هناك أمم متحدة؟... اليوم سترتكب الأمم المتحدة جريمة أخرى ضد الفلسطينيين من خلال عدم الاعتراف ببقية أرضهم وحقوقهم. ولذلك أود أن أسأل الدول المسماة بالدول العربية المعتدلة إذا كانت قد فهمت أم لم تفهم أن السبيل الذي سلكته مع إسرائيل كان خاطئا".
ويعتبر المكتب السياسي للكتائب وحزب الكتائب جناح اليمين المنافس لعون في إبعاد البرلمان عن سنّ الحقوق المدنية، وقد تباهى بعض أعضاء هذا الحزب خلال انتخابات العام الماضي، تباهوا بعدد الفلسطينيين الذين قتلهم الحزب خلال السنوات الماضية. وقد ذكر سامي الجميّل في 28 أيلول/ سبتمبر 2011 أن حزبه يسير على خطى الرئيس الفلسطيني محمود عباس "بشكل إيجابي" في الأمم المتحدة في ما يتعلق بتقديم الأخير رسميا محاولة للعضوية. وقد زعم بشكل ملحوظ أن "الكتائب لطالما وقفت إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعمت حقوقه الشرعية في إنشاء دولة مستقلة في فلسطين، والحزب لا يستطيع أن لا يساعد في تحقيق هذه المطالب المحقّة والملحّة. وهو يدعم أي خطة حكومية لتلبية هذه المطالب". وقد حث بيان الكتائب أيضا المجتمعات العربية والدولية على إيجاد "حل سريع" لقضية اللاجئين الفلسطينيين وعلى وجه الخصوص أولئك الموجودين في لبنان.
ولقد بات من الواضح أن البرلمان اللبناني لا يرغب وليس قادرا على التصرف لوحده، وأن هذه العقوبات الدولية يمكن أن تكون الطريق الوحيد لحثّ لبنان على التقيد بالتزاماته الدولية تجاه لاجئيه الذين ينتظرون حق العودة إلى فلسطين.
كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله
المصدر: قناة المنار