فلسطينيو لبنان: بطالة تهدّد أمنهم الاجتماعي وقوانين تعيق تطوّرهم
الجمعة، 29 حزيران، 2012
محمد حسن، شاب في الثامنة والعشرين من عمره، يسكن مخيم شاتيلا في العاصمة اللبنانية بيروت، مضى على تخرجّه الجامعي خمسة أعوام، لكنه عاطل عن العامل، فالقوانين اللبنانية تمنع المهندس الفلسطيني من مزاولة المهنة.
أما السفر إلى بعض البلدان العربية، الذي كان خياراً مرجّحاً في وقت من الأوقات، أصبح اليوم ضمن الأماني المستحيل تحقيقها، بسبب عدم منح الفلسطينيين تأشيرات عمل لتلك البلدان.
أما الطبيب ياسر الأحمد، فهو يعمل في أحد مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني براتب شهري لا يكاد يكفي تأمين قوت عائلة مكوّنة من أربعة أفراد، وهو يخشى من أن يُحرم العمل حتى داخل مستشفيات الهلال الأحمر، خاصة بعد منع الأطباء الفلسطينيين في مخيم نهر البارد من مزاولة مهنتهم داخل المخيم.
في دراسة مفصلة للجامعة الأميركية في بيروت ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) حول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تبين أن 56% من الفلسطينيين عاطلون عن العمل، وأن 38% من السكان في سن العمل يعملون (نسبة البطالة في الوسط اللبناني هي 8.2 في المائة).
وتشير الدراسة إلى أن ثلثي الفلسطينيين الذين يعملون في وظائف بسيطة (بائعين متجولين وعمال بناء ومزارعين) هم فقراء، وتضيف أن العمل يؤثر بشكل محدود على التخفيف من الفقر إلا أنه يؤثر بشكل كبير على تخفيف الفقر الشديد.
وتبيّن دراسة أخرى أن أجور غالبية العمال من الفلسطينيين متدنية جداً، على اختلاف المهن وأرباب العمل، إذ تكشف أن 42 في المئة من العاملين يتقاضون بين 320 و500 دولار، فيما يحصل 47 في المئة من العمّال الفلسطينيين على ما هو دون الحدّ الأدنى للأجور.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن نسبة 0.014 في المائة من اليد العاملة الفلسطينية تتمتع بحق العمل بموجب إجازة رسمية، ولا يقتصر الظلم اللاحق بالفلسطينيين في لبنان على الجانب القانوني بل يتعدّى ذلك إلى خلق أجواء رافضة لتشغيل الفلسطينيين باعتبارهم عناصر خارجة عن القانون، ويعيشون في جزر أمنية.
فلم يبق أمام العامل الفلسطيني سوى العمل ضمن وكالة "الأونروا" (حوالى عشرة بالمائة من العمال الفلسطينيين) والمنظمات الأهلية (ستة بالمائة)، والمؤسسات الفصائلية (خمسة بالمائة). ويستقطب القطاع الخاص بعض العمال بأجور متدنية.
إن الاعتبار الأساس الذي يتعامل من خلاله قانون العمل اللبناني مع الفلسطينيين هو مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل، والذي لا يمكن أن ينطبق على العامل الفلسطيني، كونه لا يملك دولة، ولم يراع قانون العمل اللبناني مسألة أن الوجود الفلسطيني في لبنان وجود خاص، وتنطبق عليه القوانين الدولية الخاصة باللاجئين، والتي وقّع عليها لبنان.
وينص قانون العمل اللبناني في عام 1968 على أنه "يُعاقب الذي يستخدم أجنبياً، بعقد عمل، أو إجازة صناعية، من دون موافقة مسبقة، أو إجازة عمل صادرة عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، بغرامة عن كل يوم استخدمه فيه". وأدّى هذا القانون إلى عدم تشغيل المؤسسات والشركات للعمال والموظفين الفلسطينيين لديها.
وعلى رغم صدور مرسوم عام 2005 عن وزير العمل الأسبق طراد حمادة يخفف بعض القيود المفروضة على العمال الفلسطينيين، إلا أن هذا المرسوم لم يحدث تحولاً في واقع العمال الفلسطينيين نظراً لجزئيته، وصدوره كمرسوم من وزير وليس بقانون، مما يُخضعه مستقبلاً لمزاجية أي وزير على رأس وزارة العمل، ومع ذلك فإن هذا المرسوم سلّط الضوء مجدداً على واقع العمال الفلسطينيين في لبنان.
بسبب الحرمان الذي لقيه الفلسطيني من ممارسة أكثر من 70 مهنة، اضطُر للعمل في مهن كثيرة دون عقود ملزمة لصاحب العمل، وأحياناً يكون عدم وجود عقد ملزم هو شرط مسبق لصاحب العمل حتى يسمح للعامل الفلسطيني بمزاولة عمله.
من هنا أصبح العمال الفلسطينيون دون مرجعية قانونية تحفظ حقوقهم، من تعويضات نهاية الخدمة، وحتى إن أجر العامل الفلسطيني لا يتجاوز نصف أجر العامل اللبناني رغم الكفاءة المتساوية في الأداء، وتجدر الإشارة إلى أن عدداً من النقابات يمنع الفلسطيني من مزاولة المهنة منها: نقابة المحامين، نقابة الأطباء، نقابة الصيادلة، نقابة المهندسين وغيرهم.
وأثيرت مؤخراً في لبنان مسألة حق العمل للفلسطينيين، من خلال النائب وليد جنبلاط الذي قاد الحملة لإعطاء الفلسطينيين بعض حقوقهم، لكن ردود الفعل كانت قوية جداً في سلبيتها، وأقصى ما توصل إليه مجلس النواب هو السماح للفلسطينيين بالحصول على إجازة عمل معفاة من الرسوم، دون التطرق بشكل جدّي للقوانين المعرقلة لعمل الفلسطينيين.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام