
خاص – لاجئ نت|| الإثنين، 29 أيلول، 2025
يصادف الـ30 من سبتمبر الذكرى السنوية
الأولى لاغتيال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فتح شريف أبو الأمين،
الذي استُشهد في غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزله وعائلته في مخيم البص للاجئين
جنوب لبنان، في سبتمبر 2024. وقد أدت الغارة إلى استشهاده إلى جانب زوجته أمية
إبراهيم عبد الحميد وابنيه أمين ووفاء.
في هذه الذكرى، لا يزال المخيم يرتدي
ثوب الحزن، مستذكرًا رجلًا كان يمثل أيقونة مزدوجة: "المربي الأمين"
الذي بنى أجيالًا، و"القائد المتخفي" الذي أدار جبهة المقاومة في لبنان.
وبينما أكدت حماس أن الشهيد كان قائد الحركة في لبنان وعضو قيادتها في الخارج،
يفضل أبناء مخيمات اللجوء تذكره من خلال بصماته العميقة في سلك التعليم والنقابة.
المربي الأمين: القائد الذي خرج من رحم
التعليم
قبل اغتياله، كان أبو الأمين معروفًا
في لبنان باسم "المربي الأمين"، حيث كرس حياته لمهنة التعليم. عمل كمعلم
لمادة الكيمياء في ثانوية الاقصى ثم مديرًا لـثانوية دير ياسين التابعة للأونروا،
وتولى رئاسة اتحاد المعلمين الفلسطينيين في لبنان.
لقد كانت شخصيته العامة مثالًا للتفاني
في قضايا اللاجئين، خاصة في معاركه النقابية ضد "الأونروا"، التي طالبته
بالاستقالة على خلفية نشاطه السياسي، وهو ما رفضه بتحدٍ معلن. هذا الجانب التربوي
والاجتماعي هو ما جعل اغتياله يمثل صدمة عميقة في المجتمع الفلسطيني بلبنان.
كثيرون في مخيمات لبنان عرفوا فتح شريف
كـ"أبو الأمين" المربي ومدير ثانوية دير ياسين التابعة
لـ"الأونروا"، قبل أن يُفاجئوا بدوره القيادي الكبير الذي كشفت عنه
عملية الاغتيال.
دور محوري في قيادة حماس بالخارج
أكدت حركة حماس بعد الاغتيال أن أبو
الأمين كان قائد الحركة في لبنان وعضو قيادتها في الخارج. كما أفاد الجيش
الإسرائيلي حينها أنه كان مسؤولًا عن تنسيق أنشطة حماس مع عناصر حزب الله، وقيادة
جهود بناء قوة الحركة في لبنان، بما في ذلك تجنيد الأفراد وشراء الأسلحة.
على الرغم من أهمية دوره القيادي، ظل
أبو الأمين شخصية متخفية إلى حد كبير خارج لبنان كمربي اجيال ومديرا لثانوية دير
ياسين في مخيم البص للاجئين الفلسطينيين لكن المخيمات الفلسطينية في لبنان كانت
ساحة نفوذه وعمله كقائد لحركة المقاومة الإٍسلامية "حماس.
شهادات في حقه: "كان يعلّمنا
الانتماء قبل الكيمياء"
بمناسبة الذكرى السنوية الأولى، التقت
شبكة "لاجئ نت" مع عدد من الأشخاص الذين عرفوا الشهيد أبو الأمين عن
قرب، ليرسموا صورة القائد الذي جمع بين صلابة المقاومة وعمق التربية.
تصريح زميل نقابي: "أيقونة الكفاح
النقابي"
الأستاذ خ زميل سابق في اتحاد المعلمين
التابع للأونروا: "أبو الأمين لم يكن مجرد رئيس للاتحاد، بل كان أيقونة
الكفاح النقابي. كان ينام ويصحو على قضايا المعلمين وحقوق العاملين في الوكالة.
أتذكر جيدًا معركته الأخيرة مع الأونروا عندما طلبوا منه التخلي عن موقفه السياسي
مقابل وظيفته؛ كانت كلماته مدوية: 'فليذهب التمويل إلى الجحيم، لا نساوم على دم
أطفالنا'. كان يربط بين كرامة المعلم وكرامة القضية. لم نكن نعلم حجم دوره القيادي
في حماس، لكننا كنا نعرف جيدًا أنه قائد بالفطرة في كل ميدان تطأه قدمه".
شهادة طالب سابق: "بنى جيلًا لا
يُساوم"
محمد (38 عامًا)، طالب سابق في ثانوية
الأقصى: "أنا تخرجت من تحت يديه. الأستاذ فتح كان يعلّمنا الانتماء قبل
الكيمياء. كان مديرًا لكنه قريب جدًا من الطلاب. عندما تتحدث معه عن فلسطين، تشعر
أنه يزرع بذرة في قلبك. كان يشدد دائمًا على أن اللاجئ الفلسطيني يجب أن يتسلح
بالعلم والمقاومة معًا. ما فعله في المدرسة كان بناء جيل لا يُساوم على شبر من
أرضه. افتقدنا المربي بقدر ما افتقدنا القائد، وترك فراغًا لا يملأه أحد عندما
نذكره، نذكر المدرسة وكأنها خلية نحل وطنية. بفضله، تخرجنا من المدرسة لا كطلاب
عاديين، بل كحملة قضية".
شهادات من المخيم: القائد الذي لم
يُعرف إلا بعد استشهاده
الحاجة أم محمد (60 عامًا)، "بطل
شعبي وعنوان المخيم" "كان أبو الأمين عنوانًا للمخيم. أي مشكلة، أي
حاجة، كان يتدخل. لم يكن يفرق بين الناس على أساس الفصيل. كنا نراه في المظاهرات،
وفي اجتماعات أولياء الأمور، وفي الجنازات. كان بطلًا شعبيًا في المخيم قبل أن
نعرف أنه قائد كبير. استشهاده مع عائلته المربية زوجته وأبنائه كان قاسيًا جدًا.
أما الحاج أبو علي (70 عامًا)، فيقول
"فتح شريف كان ابن المخيم البار. لا تراه إلا وهو يسعى في خدمة الناس. لا
تعرفه 'حماس' أو 'فتح' أو غيرها، تعرفه كـ'أبو الأمين' الذي يقضي حاجات الناس. كان
صوته عاليًا ضد الظلم داخل المخيم وخارجه. عندما استهدفته الغارة، اهتز المخيم
كله؛ لم يكن استهدافًا لقائد سياسي بقدر ما كان استهدافًا لـرمز الوجود الفلسطيني
هنا. اغتياله مع زوجته المربية وأبنائه كان رسالة إسرائيلية واضحة بأنهم يستهدفون
الوعي والتربية والمستقبل في المخيمات".
تكشف هذه الشهادات عن الجانب الأعمق في
شخصية أبو الأمين، الرجل الذي لم يقتصر تأثيره على قيادة العمل الحركي، بل امتد
ليتغلغل في النسيج الاجتماعي والتربوي للمخيم.
أبو جهاد، ناشط إغاثي: "فتح شريف
كان صندوق التكافل الخفي للمخيم. الناس لا تعرف هذا الجانب جيدًا. بصمته لم تكن
فقط في توجيهات حماس السياسية، بل في المساعدات المباشرة للعائلات المتعففة،
ومساعدة الشباب في الجامعات خارج الأونروا. كان يمتلك شبكة واسعة من العلاقات داخل
لبنان وخارجه، وكان يستخدم كل هذه العلاقات لتوفير منح دراسية، أو توفير كفالات
لأسر الأيتام، بطريقة سرية ومحترفة جدًا. كان عمله الاجتماعي لا ينفصل عن عمله
السياسي، كلاهما كان يهدف إلى تقوية صمود اللاجئ الفلسطيني".
عن رباطة الجأش والقوة الشخصية – تصريح
قيادي فلسطيني (من فصيل آخر) (فضل عدم ذكر اسمه) في فصيل فلسطيني منافس:
"عرفنا الأخ فتح شريف كشخصية قيادية صلبة وهادئة. كانت قوته تكمن في قدرته
على الهدوء تحت الضغط. حتى في أصعب الأوقات السياسية والأمنية التي مررنا بها في
لبنان، كان هو صوت العقل والتنسيق الفعّال. لم يكن صوته عاليًا بالصراخ، بل صوته
عالٍ بالحجة والتنظيم. كان يدير ملفات حساسة ومعقدة للغاية بذكاء، وكان يحظى
باحترام الجميع، حتى منافسيه السياسيين، بسبب التزامه بمبدأ الوحدة الفلسطينية في
لبنان، رغم اختلاف الفصائل. اغتياله خسارة كبيرة لكل المشهد الفلسطيني، وليس لحماس
فقط".
في الذكرى الأولى، تثبت هذه الشهادات
أن فتح شريف أبو الأمين كان تجسيدًا حيًا لدمج الدور الوطني بمسؤولية بناء المجتمع
في الشتات. كان القائد الذي يرتدي ثوب المعلم، ويدير المدرسة بضمير القائد، مقدماً
دليلاً على أن الثورة تبدأ من فصول الدراسة.