في
الذكري الـ 96: الربيع العربي يلبي مخطط وعد بلفور في أطماعه الاستعمارية
الثلاثاء،
05 تشرين الثاني، 2013
الدكتور
محمد صبيح: هذا الوعد قانونًا وعرفًا ودوليًّا باطل.. لأنه وعد من لا يملك لمن لا
يستحق
الدكتور
أيمن الركب: إذا كان وعد بلفور البذرة.. فإن ثورات الربيع العربي نمت هذه البذرة
بزيادة الانقسام بين الوطن العربي
علاء
زغلول: في العام الماضي نظم الشهيد الحسيني أبو ضيف وقفة احتجاجية أمام السفارة
البريطانية ليندد بالذكرى الـ 95 لوعد بلفور
"إن حكومة صاحب الجلالة ترى بعين العطف تأسيس
وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية،
على أن يُفهَم جليًّا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص مع الطوائف غير اليهودية
الموجودة في فلسطين، أو الحقوق والوضع السياسي التي يتمتع بها اليهود في أي بلد
آخر”.
لا
يعلم كثيرون أن هذه السطور القصيرة غيرت تاريخ أمة وأضاعت حقوق شعب عربي ومزقت
الوطن العربي بأكمله.. إنها رسالة وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور في 2
نوفمبر 1917 إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير فيها لتأييد حكومة بريطانيا
لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وقد صدر بعد اتفاقية الأمير فيصل ممثل ملك
الحجاز مع حاييم وازيزمان الصهيوني وأول رئيس لدولة إسرائيل التي وقعت عام 1915،
وتم اعتمادها في اتفاقية باريس عام 1919 لتطبيق وعد بلفور، كما وافق السعوديون على
إعطاء فلسطين لليهود خطيًّا قبل عام 1919، أي قبل تأسيس دولتهم؛ لحث بريطانيا على
مساعدتهم في تأسيس دولة.
وبمناسبة
مرور 96 عامًا على هذا الوعد المشئوم تقدم "البديل” قراءة حول النتائج التي ترتبت
علي الوعد ومدى تشابكها مع ما يحدث في العالم العربي الآن.
يقول
الدكتور محمد صبيح – أمين عام الشئون الفلسطينية بجامعة الدول العربية – إن وعد
بلفور تم إصداره بنوايا استعمارية، وحمل إطلاقه شيئًا من الدهاء الشديد، بنية
إقامة جسد غريب في المنطقة العربية يسعى لتقسيمها وتفتيتها، ويدخل المنطقة في
نزاعات وحروب لم يستفد منها سوى المستعمر البريطاني.
وأضاف
صبيح أن "بلفور” أصدر الوعد في عهد بريطانيا العظمى عام 1917 والتي لم تعد عظمى
الآن؛ من أجل سياسات الاستعمار والتفرقة ونهب الشعوب التي اتبعتها، وكان من
الطبيعي أن تنهزم في معركة السويس أثناء العدوان الثلاثي على مصر 1956.
وأكد
أن هذا الوعد على المستوى القانوني والعرفي وفي إطار المجتمع الدولي باطل وملغى
ولا سند له قانوني؛ لأن بلفور هو وعد من لا يملك لمن لا يستحق، حيث لا يملك من
فلسطين شيئًا، واعتبر أن الأرض لا يوجد عليها سكان، وتناسى الحضارة الفلسطينية
الكنعانية الموجودة منذ أكثر من 7 آلاف عام قبل الأديان، وبدأت بذرة الشقاق التي
أثمرت نتائجها الاستعمارية بعد هذا الوعد المشئوم، واحتل "اللنبي” فلسطين عام
1918.
وأشار
صبيح إلى أن وعد بلفور لم يكن أولى الكوارث التي حلت على فلسطين، بل سبقها اتفاقية
سايكس بيكو 1916 التي استهدفت تمزيق الوطن العربي تمزيقًا كاملاً إلى عدة دويلات
وهو ما يتحقق الآن على أرض الواقع، ثم قيام عصبة الأمم عام 1922 التي وضعت مخططًا
مع الاستعمار البريطاني لإقامة دولة إسرائيل بالمنطقة العربية.
وربط
صبيح بين خطورة وعد بلفور وما يحدث في العالم العربي الآن من تمزيق وصراع، وقال إن
الوعد ما زالت شروره مسيطرة على الدولة الفلسطينية، وينفذ مخططاتها حزب الليكود
اليميني المتطرف الذي يسعى لإقامة دولة إسرائيلية عرقية نقية من الفلسطينيين،
مستندًا إلى وعد باطل، وبتآمر وخيانة دولية مستمرة حتى الآن. تم تمرير الوعد
وتقسيم الأراضي الفلسطينية، ومن ثم بعد 96 عامًا على إصدار الوعد، سنظل نرفضه
وندين وجوده بشدة؛ لأنه سبب أصيل في التقسيم والتناحر الذي يشهده الشرق الأوسط إلى
الآن.
ويتفق
معه الدكتور أيمن الركب – المتحدث باسم الفلسطينية بالقاهرة – في أن وعد بلفور إذا
كان البذرة التي زرعت لمنع وحدة الأمة العربية، فإن ثورات الربيع العربي جاءت
لتنمي هذه البذرة، حيث ازدادت المسافة والانقسام بين دول الوطن العربي، وأصبح
الصراع يأتي تحت شعارات مطاطة كالديمقراطية، ولكن الأصل يكون على التناحر من أجل
السلطة.
وأضاف
الركب أن الكيان الصهيوني يسعى لتفتيت الوطن العربي من أواخر القرن 18 عندما جاء
نابليون بونابرت بحملته الفرنسية في 1788 ووقف على مشارف عكا وأعلن أنه يريدها
وطنًا لليهود، ومن ثم الدولة الفلسطينية كانت ولا تزال حائط صد للهجمات
الاستعمارية، وصمودها في المقاومة حتى الآن يحمي الوطن العربي أكمله؛ لأن الصهاينة
مخططهم واضح وهو من النيل للفرات؛ لذا يعتبر خط المواجهة الأول هو الشعب
الفلسطيني، وهو ما يوضح إصرار الزعيم الراحل جمال عبد الناصر على دعم القضية
الفلسطينية.
وطالب
الركب الدول العربية والإسلامية بأن تتوحد جهودها وتنسى خلافاتها ونزاعاتها
الداخلية، وتتغلب على نتائج الربيع العربي الذي يكرر مأساة وعد بلفور جديد، ولكن
يعتمد على تشرذم الشعوب العربية وتآكلها من الداخل وليس الاختراق العسكري الخارجي،
والدليل على ذلك ما حدث في السودان وتقسيمها لشمال وجنوب، والعراق وسوريا ومصر
التي تمثل الحصن القوي بجيشها الوحيد المتماسك في المنطقة العربية أمام هذا
الاستعمار الأمريكي الصهيوني.
وعلى
مستوى القوى الثورية التي تحتفل بهذه الذكرى بطريقة مختلفة، يقول علاء زغلول –
الناشط السياسي – في العام الماضي نظم الشهيد الحسيني أبو ضيف وقفة احتجاجية أمام
السفارة البريطانية؛ ليندد بالذكرى الـ 95 لوعد بلفور وخطورته، وأنه السبب الرئيسي
في النكبة الفلسطينية، مؤكدًا أن القدس عربية رغم أنف الكيان الصهيوني، مضيفًا أن
وقفة أبو ضيف كانت وقتها بعد خطاب محمد مرسي الشهير بـ "صديقي بيريز الوفي”، وأنه
يتمنى الوفاء لدولة إسرائيل، والذي استفز وطنية وقومية الحسيني وأراد أن يعبر عنها
من خلال هذه الوقفة.
وأضاف
زغلول أن أبو ضيف بوقفته أمام السفارة البريطانية كان يوجه رسالتين: الأولى خارجية
برفض الاحتلال الصهيوني، والثانية داخلية بكشف كشف كذب تيار الإسلام السياسي وعلى
رأسه جماعة الإخوان المسلمين التي ارتمت في أحضان الكيان الصهيوني، وكانت تتاجر
بالقضية الفلسطينية من أجل الدعاية الانتخابية، ولم تتحقق كل شعاراتهم وهتافاتهم
"على القدس رايحين شهداء بالملايين”.
وأكد
زغلول أننا اليوم تنفيذًا لوصية الحسيني أبو ضيف التي أعلنها أمام السفارة بالوقوف
كل عام تنديدًا بهذا القرار الظالم؛ نقوم بتنظيم الوقفة؛ استكمالاً لمسيرته
ومطالبه للنظام المصري الحاكم بعد 30 يونيو ألا يعترف بالكيان الصهيوني، وأن يقوم
بمراجعة كافة الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعتها مصر وعلى رأسها كامب ديفيد
والإبقاء فقط على ما يحقق مصلحة الأمة العربية.
المصدر: جريدة السبيل