في
فلسطين.. كل يروي نكبته
عمان-
المركز الفلسطيني للإعلام
بالرغم
من سنيها الثمانين، ما تزال الحاجة أم عزام تجلس على عتبة بيتها تنظر إلى مجسم
مفتاح العودة الذي يتصدر غرفة معيشتها، دقائق قضيناها رفقتها، استطاعت بلكنتها
الخليلية أن تصور لنا فلسطين وتتنقل بين مدنها وقراها وأزقتها بحرفية الرحالة، لم
تتمكن هذه السنون من ذاكرتها الفلسطينية الصرفة، فكل أحداثها المفصلية حاضرة.
تجاعيد وجهها تحكي الألم، فلقد حدثتنا عن الخيمة
ورغيف الطابون وألواح الزينكو وعن التحدي والإرادة والمعاناة، فمدلولات النكبة
بقاموسها لا تنتهي.
ستة وستون عاماً على نكبة الشعب الفلسطيني، وأم
عزام تربط كل شيء بمعشوقتها، فتتمنى أن يكون طعم البرتقال كبرتقال بيارات يافا،
وبتنهيدة عميقة تصور لنا بيتها في مدينة الخليل، فالبيت الحجري الذي تقطنه بمدينة
الزرقاء الأردنية، لم ينسها أدق التفاصيل بمنزلها في الخليل.
تنأى بنظرها عني إلى الأفق، وتقول بحكمة المجرب:
"الجميل بالنكبة أن التأريخ الفلسطيني بدأ لحظتها، فالكل يربط أي حدث فيها،
فابني عزام ولد بعدها بعشرة أعوام، وزوجي أنهى (المترك) قبلها بسنوات، فالنكبة
حاضرة بالكل الفلسطيني، فما من أحد إلا عاشها أو أصاب شظاياها".
النكبة ليست تقليداً سنوياً، بل هي فعل مؤجّل
لميعاد يراه البعض بعيدا ويراه اللاجئ قريبا، هو اليقين الكامل بالعودة، والتمسك
بهذا الحق المغيب الذي لا يغيب عن ذهن اللاجئ الفلسطيني وأخيه القاطن بالضفة وغزة
والقدس على حد سواء.
في مخيمات الشتات ما زال حلم العودة يكبر ويشتد
عوده عاما بعد عام، فالحاج أبو حذيفة الذي يقطن مخيم حطين في مدينة الرصيفة
الأردنية، هجّر من قرية جليا قضاء مدينة الرملة، ما يزال يحتفظ بمفتاح بيته،
ويقول: "لن أبيع هذا المفتاح مهما بلغ الثمن، فالوطن لا يقدر بثمن".
ويدخل أصابعه في لحيته الحمراء الكثة، التي
كساها شيب الانتظار وما عجز يصبغها، ويؤكد: "في كل يوم نرى فلسطين أقرب من أي
وقت مضى، ويستدرك، صحيح أن البعض مل الانتظار خصوصا بعد التآمر على الربيع العربي
ولكني متيقن من العودة طالما بقيت سبابة المقاومين على الزناد".
سنيه الستون لم تقتل في داخله الأمل، ويرفض أن
تكون النكبة تقليداً سنوياً ألفه الفلسطينيون، ويقول: "أنا لا زلت أبحث عن
تاريخي وحاضري ومستقبلي، وأعلم أبنائي أن لا تاريخ لهم ولا حاضر ولا مستقبل إلا
عندما تعود القدس منارة للأمة العربية والإسلامية، وعاصمة لدولة فلسطين".
هي
فلسطين أجمل لوحة، كل يروي فيها قصته ويضع بصمته، ستة وستون عاماً مضت وما تزال
فلسطين تنتظر من يخلصها من الألم، فوجع الاحتلال شوه من جمالها الكثير.