في مخيم الكرامة:
نازحو سوريا يستعيدون مشهد نكبة فلسطين
الخميس، 16 أيار، 2013
هنا "مخيم الكرامي ـ عائدون"، عبارة كتبت
بخط اليد على احدى الخيام التي تأوي عشرات النازحين من سوريا عند خط السكة في مخيم
عين الحلوة مقابل مجمع "بدر" الذي يشرف عليه اللواء منير المقدح، هي عبارة
تختصر مشهدي "النزوح" والاصرار على العيش.. بكرامة الى حين العودة تماما
مثلما كان الحال عند نكبة فلسطين عام 1948 قبل خمسة وستين عاما، حين اقدم العدو الصهيوني
على احتلال فلسطين، وارتكاب المجازر البشعة مشردا قسرا شعبها الذي ما زال ينتظر ان
تقرع ذات يوم اجراس العودة.
بين الكرامة والعودة، حكايات يخفيها القماش الهش
لهذه الخيام، في احداها والتي نصبت على عجل وتحولت الى ما يشبه "مخمر الموز"
مع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة حتى قبل حلول فصل الصيف، يعاند الفلسطيني حسام..
شيوي 38 عاما مرضه الذي اقعده على كرسي متحرك بلا حراك، منذ ثلاث سنوات وهو يتلقى العلاج
دون جدوى، حلت نكبة نزوحه من مخيم اليرموك ثقلا جديدا عليه، توقف عن تناول الدواء لانه
بات عجزا عن تأمينه، فيما المطلوب اجراء عملية جراحية في المانيا للتخلص من مرضه وألمه،
تقول الوالدة فرزات حسين القرم دامعة العينين، "لقد بات محروما من ابسط مقومات
الحياة"، قبل ان تضيف باسى وحسرة "انه يحتاج الى مرحاض خاص لقضاء حاجته،
فيما هنا المراحيض عامة ومشتركة ولا تتوفر فيها حاجته".
واضافت "ان حسام يعاني من تصلب الشرايين، أقعده
المرض بلا حراك منذ سنوات وهو في ريعان الشباب، لم اترك بابا الا وطرقته من أجل تأمين
ثمن الدواء والعلاج ولكن للاسف دون جدوى، وجاءت محنة نزوحنا لتزيد من أسى نكبتنا الفلسطينية،
ولكننا نقول كلما اشتدت علينا المحن ان "اسرائيل هي العدو والمسؤولة عن كل عذاباتنا..
سنتحمل كي نسترد حقنا ونعود الى ديارنا".
في خيمة أخرى، وقفت أم محمد الصباغ 75 عاما، على
باب "منزلها" الجديد، تستعيد ذكريات نكبة فلسطين، حين خرجت طفلة من بلدتها
وكأن الزمان يعود بها الى الوراء 65 عاما، قالت "من نكبة الى نكسة الى محنة، مضى
العمر في اللجوء والترحال، ولكننا ورب الكعبة لن نيأس، سنبقى صامدين الى ان نعود الى
ديارنا"، قبل ان تضيف "ان الحياة صعبة ونحتاج الى قوت اليوم وطعام وشراب
ودواء".
و"أم محمد" التي حاولت ان تخفي بعينيها
هواجس القلق من ان تتحول هذه الخيمة الى منزل دائم، تركت الاجابة مفتوحة على جيل العودة،
حيث جلست الطفلة اسلام محمد فارس على بعد امتار منها تراقب بعينيها الثاقبتين ما يجري
حولها، قالت بلغة الصغار بلا دبلوماسية الكبار ولا ترتيب العبرات" اريد ان اعود
الى منزلي في سوريا، لك معاناتي بسبب تهجيرنا بالقوة عن فلسطين".
بين خيمة واخرى، تختلف الحكاية، لكنها بالتأكيد
تحمل ذات العناوين والفصول وعبارات المعاناة، نازح يئن، واخر مريض وثالث فقد ذويه ورابع
قتل دمر منزله وقتل جاره وخامس فقد قريبه وينتظر خبر يواسيه، وسادس يشكو الصمت، وحدها
الطفلة لارا حمد التي وقفت وسط ساحة المخيم الجديد تبكي وتصرخ من شدة جوع او ألم، وتقول
اريد ان اعود الى منزلي في اليرموك اشتقت لاصحابي ورفيقاتي في الصف والمدرسة، هنا الحياة
صعبة فمتى نستيقظ من هذا الكابوس.
وكابوس الاطفال يترجمه المشرف على المجمع ابو صالح
المقدح بان الاحتياجات كبيرة جدا، لقد بات هنا في الخيام فقط اكثر من 45 عائلة الى
جانب 29 في مبنى المجمع و17 عائلة في "البيت الابيض الفتحاوي"، قبل ان يضيف
"لقد رفعنا الصوت من اجل تأمين ما يحتاجه النازحون ولكن دون جدوى، على الاقل صب
ارض الخيام بالباطون لمنع الحشرات والوحول سابقا من مشاركة النازحين المكان، اننا نحاول
قدر الامكان توفير الاكثر الحاحا رغم كل الامكانيات المتواضعة، نحن بحاجة الى ترميم
واستكمال تقسيم بعض الغرف في المجمع ولدينا قاعة كبيرة يمكن تقسيمها لتقطن فيها نحو
عشر عائلات، نحتاج الى مبيدات وادوية وحليب وحفاضات ومواد التنظيف لمنع الامراض والاوبئة
من الانتشار وحصول ما لا تحمد عقباه.
وعلى بعد امتار قليلة من مخيم "الكرامة"،
يتكرر مشهد النزوح في مدرسة "الكفاح" سابقا حيث تقطن فيها اكثر من 30 عائلة
وكذلك الحال في روضة البهاء التي تقيم فيها عدد مماثل وربما في اماكن اخرى لم تراها
عيوننا وعجزت اقلامنا عن الكتابة عنها..
المصدر: محمد دهشة | منتدى الاعلاميين الفلسطينيين