قمّة دول عدم الانحياز في طهران: كيف حضرت فلسطين وكيف تستفيد القضية من هذه الهيئة؟
بيروت/ رأفت مرة
حضرت فلسطين في قمة دول عدم الانحياز التي عقدت في العاصمة الإيرانية طهران، في أواخر شهر آب/أغسطس الماضي، واحتلت القضية الفلسطينية مكاناً في الكلمات التي ألقاها عدد من زعماء الدول، وفي البيان الختامي، وفي لقاءات المسؤولين الرسميين وفي المداولات السياسية.
لكن قضية فلسطين لم تكن هي الحاضر الأكبر في قمة طهران، وذلك بسبب الأوضاع الإقليمية والدولية المعقدة، وبروز ملفات جديدة في المنطقة مثل الأزمة السورية وتطورات الملف النووي الإيراني، والخلافات بين الدول المشاركة في مجموعة عدم الانحياز نفسها، والتهديدات الاقتصادية والاجتماعية والمناخية.
ولا يخفى أن قمة دول عدم الانحياز انعقدت على وقع استمرار الخلاف بين واشنطن وموسكو حول أكثر من ملف في المنطقة، وأزمات اقتصادية في أوروبا، وتهديدات أمنية تمس أكثر من دولة مشاركة، وشعور مشاركين بغياب أو ضعف لمنظمة الأمم المتحدة التي من المفترض أن تسهر على السلم والأمن الدولييْن، وأن تحفظ حقوق الدول الصغيرة.
محاولات
قمة عدم الانحياز عقدت في طهران في ظروف سياسية معقدة، لكن هذا الأمر دفع طهران إلى محاولة حماية القمة وإنجاحها، وذلك من خلال الحرص على تمثيل زعمائي جديد، وحسن التنظيم، والترويج السياسي وتناول قضايا متعددة، والحرص على قواسم مشتركة، وبيان ختامي متوازن، وتغطية إعلامية ناجحة.
لكن قضية فلسطين لم تكن بمستوى يليق بقضية فلسطين وموقعها التاريخي في دول عدم الانحياز، وذلك للأسباب التي ذكرناها سابقاً.
موقع فلسطين
جاءت فلسطين في معظم الكلمات التي ألقيت، فقد قال المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله على خامنئي:
«إن فلسطين للفلسطينيين، والاستمرار في احتلالها ظلم كبير لا يطاق، وخطر أساسي على السلام والأمن العالميين. كل السبل التي اقترحها وسار فيها الغربيون وأتباعهم لـ«حلّ القضية الفلسطينية» خاطئة وغير ناجحة، وكذلك سيكون الأمر في المستقبل أيضاً". أضاف "اقترحنا سبيل حلّ عادل وديمقراطي تماماً. يشارك كل الفلسطينيين، من مسلمين ومسيحيين ويهود، سواء الذين يسكنون حالياً في فلسطين أو الذين شرّدوا إلى بلدان أخرى واحتفظوا بهويتهم الفلسطينية، يشاركون في استفتاء عام بإشراف دقيق وموثوق، فينتخبون البنية السياسية لهذا البلد، ويعود كل الفلسطينيين الذين تحمّلوا لسنوات طويلة آلام التشرّد إلى بلدهم فيشاركوا في هذا الاستفتاء، ثم تدوين الدستور والانتخابات. وعندها سيعمّ السلام».
وأكد الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أن مجلس الأمن لم يفعل شيئاً للفلسطينيين سوى تعزيز وضع الكيان الإسرائيلي على الرغم من أن معظم دول العالم تؤمن بحقوق الشعب الفلسطيني، وقال «إن هذا المجلس احتل مكان الجمعية العامة التي تضم كل دول العالم وبات يتخذ القرارات بدلا عنها ولذا فإن الأمم والحكومات المستقلة لا يمكنها الذهاب إلى مجلس الأمن لنيل حقوقها حتى يتغير الوضع الحالي الذي يسود القرارات وهو ما يتطلب كذلك إصلاحات جذرية».
أما الرئيس المصري محمد مرسي فقال:
«إن القضية الفلسطينية كانت منذ بداية حركة عدم الانحياز على رأس أولوياتها وستظل كذلك إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل وشامل لها يضمن الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف يجعلها فقط للشعب الفلسطيني، حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بإرادته وإقامة دولته الحرة على أرضه بإرادة كل أبنائه داخل وخارج الأرض الفلسطينية».
وأضاف «نحن مطالبون باستمرار الوقوف بجانب هذا الحق وتوفير الدعم السياسي وغيره من أنواع الدعم اللازم لتحقيق الاعتراف بالدولة الفلسطينية داخل الأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية بالمنظمة، وتسليط الضوء على ما يعانيه هذا الشعب وخاصة سجنائه من ظروف صعبة يفرضها الاحتلال تتنافى وكل أعراف ومبادئ القانون الدولي والقيم الإنسانية وحقوق الإنسان عموم الإنسان، فضلاً عن فريضة السماء أن يكون الناس أحراراً في أوطانهم وألا يطغى عليهم أحد».
وأشاد مرسي بالإعلان الصادر عن الاجتماع الوزاري لمكتب تنسيق الحركة في شرم الشيخ في أيار/مايو الماضي حول السجناء الفلسطينيين والذي أبرز الأوضاع المؤسفة للأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، «وأن الحركة تتضامن مع نضالهم الشريف ومقاومتهم للاحتلال. ومن جانبها سوف تدعم مصر أي تحرك فلسطيني في الجامعة العامة أو مجلس الأمن للانضمام للأمم المتحدة إذا ما قررت القيادة الفلسطينية ذلك، وسنستمر في رعاية المصالحة الوطنية الفلسطينية لدعم وحدة الصف الفلسطيني. ومن هنا أحث الإخوة الفلسطينيين بمختلف توجهاتهم على أن يتموا المصالحة، وأن ينتقلوا إلى تنفيذ ما تم التوصل إليه مؤخراً دون الالتفات إلى خلافات ضيقة فيما بينهم حتى يمكنهم التركيز على قضيتهم الحقيقة، وهي مقاومة الاحتلال والتحرر منه».
أما رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فقد ألقى كلمة ظل فيها عند مواقفه السابقة من التسوية والكيان الصهيوني، وغيّب المقاومة ومواجهة الاحتلال وحق العودة. وقال عباس «لا حل دون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين»، وطالب دول عدم الانحياز بالعمل الجاد والفعلي للحفاظ على القدس الشرقية كعاصمة للدولة، «لأنه دونها لن يكون هناك سلام ولا استقرار في منطقة الشرق الأوسط».
وأضاف «إن المطلوب هو اتخاذ خطوات عملية بهذا الخصوص بما يبقي حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران والأمل في السلام قائماً، بما يضمن أيضاً إنهاء معاناة شعبنا في مخيمات اللجوء والشتات»، مشدداً على أننا «بأمسّ الحاجة لتعزيز صمود الشعب في القدس والتواصل معهم، لا مقاطعتهم كما تدعي بعض الفتاوى التي تصدر بين الفترة والأخرى بتحريم زيارة القدس، هذه الفتاوى باطلة».
وقال الرئيس عباس إنه بفضل دعم دول عدم الانحياز حصلت فلسطين على اعتراف عدد كبير من دول العالم وصل لـ133 دولة، مضيفاً أنه «في أيلول/سبتمبر الماضي تقدمنا بطلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين لدى مجلس الأمن ولا يزال الطلب قائماً بانتظار توفر ظروف سياسية مواتية».
وأضاف الرئيس «إننا اليوم نطلب دعمكم لمسعانا في التوجه قريباً للجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على دولة غير عضو، مع إصرارنا على الاستمرار ببذل الجهود السياسية والدبلوماسية لنيل العضوية الكاملة مستقبلاً»، موضحاً أن «مسعانا هذا ليس بديلاً عن المفاوضات، وإنما هو مكمل لها ولدعمها ودعم حل الدولتين الذي تم اعتماده كحل سياسي للقضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية وخريطة الطريق ومبادرة السلام العربية؛ هذه المبادرة التي تم إطلاقها في القمة العربية في بيروت عام 2002، وتم اعتمادها في المؤتمر الإسلامي وبالذات في طهران في أيار/مايو عام 2003 وفي قمة ماليزيا عام 2003 وتلا اعتمادها في مجلس الأمن بالقرار 515».
واعتبر البيان الختامي للقمة «احتلال الأراضي الفلسطينية والجرائم المتواصلة للكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة دوماً، السبب الرئيسي للوضع المتأزم في الشرق الأوسط. ويستلزم أي حل لهذه الأزمة إنهاء الاحتلال وإعادة الحق للشعب الفلسطيني المتمثل بتقرير مصيره وإنشاء دولة دائمة ومستقلة في فلسطين عاصمتها القدس الشريف. وتعد إعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني السبيل الوحيد لإحلال سلام دائم وعادل في المنطقة».
فلسطين وعدم الانحياز
في ظل ما جرى في طهران، فإننا أمام حقيقة واضحة، وهي أن هناك مساع تقودها بعض الدول لتطوير وتفعيل قمة عدم الانحياز رغم الظروف الصعبة ومحاولات التعطيل. ولا شك أن جهود مصر وإيران يمكن أن تساهم في ذلك. لكن يجب على الفلسطينيين أن يساعدوا في دفع دول عدم الانحياز في تطوير هذه الهيئة الدولية التي تضم حوالى ثلثي دول العالم.
وتستفيد فلسطين من منظمة دول عدم الانحياز في الدعم السياسي والدبلوماسي ومناصرة الحقوق الأساسية، وحماية مدينة القدس، وحفظ حق العودة، وحماية حق المقاومة، وأصوات هذه الدول داخل الأمم المتحدة، وإبقاء قضية فلسطين حاضرة على مستوى القمم الدولية واجتماعات المنظمة الدولية.
علينا كفلسطينيين أن نساعد منظمة دول عدم الانحياز بعد قمة طهران في ذلك، وهذا يتطلب جهداً فلسطينياً داخل القمة نفسها.
المصدر: مجلة «فلسطين المسلمة»، عدد تشرين الأول (أكتوبر) 2012