كي لا ننسى صبرا وشاتيلا
الأربعاء، 26 أيلول، 2012
عقيدة نشأت على الدم استندت على أوهام صنعها أحبار اليهود والصهيونية العالمية، وغلاة العنصرية، أوجدوها في تلمودهم وتوراتهم المزعومة والمكتوبة بأيديهم، كل ذلك من أجل السيطرة على العالم وتسخيره لخدمتهم..
إن الوضع في فلسطين سيسوى بالقوة العسكرية « بهذه العبارة الشهيرة لبن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، اختزلت الحركة الصهيونية وإسرائيل أهم المنطلقات الاستراتيجية لاحتلال فلسطين، وتهويدها في نهاية المطاف. فكانت المجازر المنظمة من قبل العصابات الصهيونية والجيش الإسرائيلي ضد أهل القرى الفلسطينية والمخيمات في الشتات.
كي لا ننسى صبرا وشاتيلا
ثلاثون عاماً مضت على ارتكاب جيش الدفاع الإسرائيلي والميلشيات اليمينية اللبنانية لأبشع مجزرة بحق المدنيين العزل من الفلسطينيين واللبنانيين حيث ذهبت ضحيتها الآلاف من الأطفال والشيوخ والنساء.
موقع يا صور قصد مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت لإجراء لقاء مع أشخاص نجوا من المجزرة فكانوا شهود عيان، فالتقينا بشاهدين نجيا من المجزرة حيث روى كل منهما ماذا جرى في الحي الذي كان يقطنه.
كيف دخل المجرمون الى صبرا وشاتيلا ؟؟
كان دخولهم الى منطقة ما مشوباً بالحذر، فكانوا لا يعرفون أين هم وخصوصاً انهم لا يزالون خارج منطقة شاتيلا، بعض الشهادات تروي أنهم لم يكونوا يعرفون شيئاً عن منطقة بئر حسن المواجهة لشاتيلا، كما أنه لم يكن لديهم أوامر واضحة في شأن ما عليهم أن يفعلوه فبدأوا بقتل العائلات من دون أي تمييز بين كبير أو صغير، بين لبناني أو فلسطيني.
صبرا وشاتيلا قبيل المجزرة
أستمر القصف المدفعي المتواصل طوال نهار الخميس بشكل تصاعدي، واستمر القنص من قبل القوات الإسرائيلية المحاصرة للمنطقة إلى أن تأكدوا أن الشوارع باتت شبه خالية من المارة، وأن معظم السكان لجأوا إلى الملاجئ أو اختبأوا داخل المنازل، وما دار في خلد أحد من السكان أن هذا القصف ليس إلا تمهيداً لما هو أعظم. كان أبعد التصورات لدى السكان المحاصرين أن القصف هو البداية والنهاية، مهما اشتد وأرعد فذاك ما كانت تفعله القوات الإسرائيلية في حصارها لبيروت كلها طوال أشهر الصيف.
كان التيار الكهربائي مقطوعاً كان جهاز "الترانزستور" سيد الموقف فيجتمع أفراد العائلة الواحدة داخل المنزل ستمعون إليه ويتساءلون عما سيحدث غداً لكن ما من أحد كان يتساءل عما سيجري الليلة.
علمنا من بعض الشهادات أن قسماً كبيراً من الاهالي كان لا يزال من دون غداء، فيما كانت القوات المعادية تستعد للهجوم بل وتهاجم فعلاً، وكانت عائلات كثيرة تستعد لكي تتناول وجبتي الغداء والعشاء معاً، كانت هناك أمهات ما زلن يهيئن الطعام أو يبحثن عن طريق آمن من القصف والقنص كي يصلن إلى بيوتهن القريبة من الملجأ ثم يعدن بالحليب وبعض الطعام لأطفالهن.
وابتدأت الإنارة غير المتوقعة والباهرة تملأ سماء صبرا وشاتيلا، وبدأ كثير من السكان يتساءلون عن سر هذه الإنارة القوية وسببها؟، لكن المتسائلين لم يتوصلوا إلى جواب في تلك الليلة، إذ لم يكن ممكناً للميليشيات المهاجمة أن تدخل طرقات وزواريب صبرا وشاتيلا لولا الإنارة المستمرة التي وفرتها لها القوات الإسرائيلية المحاصرة وقد اعترفت المصادر الإسرائيلية بهذه الإنارة واعتبرتها ضرورة ماسة لتحقيق الهدف المنشود، إذ قال شارون وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك أن قواته كانت تطلق قنابل مضيئة من مدفعية 81 ملم بناء على طلب القوات اللبنانية كي تنير لها الطريق.
أما السكان في حي الحرش وحي عرسال والحي الغربي وما حولهما فلم يكن لديهم وقت للتفكير في سر الإنارة، ذلك لأنهم كانوا اول الضحايا.
يحدثنا العقيد طالب عقلة وهو من سكان مخيم شاتيلا قائلاً: " قبل المجزرة كانت هناك مناورة من الجيش الإسرائيلي على الحي الغربي حيث كانت حركة الناس طبيعية ولم يكن أحد يدرك انه سوف تحصل مجزرة، لولا تسليم السلاح الفلسطيني لما حصلت المجزرة، إذ بعد تسليم السلاح لم يكن عندنا ما ندافع به عن انفسنا فكان اطفالنا ونساؤنا وشيوخنا ضحايا الاجرام القواتي والصهيوني.
بدأت المجزرة بصمت شديد في البداية حيث كان المسلحون يدخلون المنازل ثم يقوموا بقتل جميع أفراد الأسرة بالسلاح الأبيض " أي بالسكاكين والبلطات والفؤوس الخ" ثم استعملوا الرصاص بعد قتل عدد كبير من الفلسطينيين على مشارف مخيم شاتيلا، ولقد وجدنا بعد عدة أيام السلاح الأبيض خلفهم وأيضاً بقايا حقن مخدرات وصناديق فارغة للذخيرة مكتوب عليها باللغة العبرية.
كنت أتنقل من منزل لآخر كي أتفقد أهالي المخيم وأطمئن عنهم وأخبرهم بأنه يجب ترك منازلهم بسرعة شديدة كي ينجوا بأرواحهم وأرواح أطفالهم، كنا شعب مسلم نخاف على نسائنا كونهم عمدوا الى اغتصاب عدة نساء وصلبهن عرايا على الأشجار وفي الطرقات وهذا الأمر سبب لنا ألماً كبيراً.
مجموعة من العائلات تتجمع في منزل واحد خوفاً.
كانوا يخرجون الناس من المنازل والملاجيء لا يفرقون بين رجل وإمرأة أوشيخ مسن أو حتى طفل، يأمرون الجميع بالوقوف بجانب الحائط وبعد ذلك يتم قتلهم جميعاً، كنت قد رأيت مشهداً لن أنساه طيلة عمري، رأيت إمرأة مقتولة وإبنتها طفلة صغيرة ترضع من ثديها، هذا المشهد آلمني كثيراً، لا أنساه لغاية الآن، وهذه الطفلة بقيت على قيد الحياة، وأيضاً كان هناك رجلان مسنان عمرهما ما بين الثمانون والتسعون سنة، وضعوا على وسطهما عبوات متفجرة وطلبوا منهم أن يمشوا في الشارع.
بعد المجزرة بقيت الجثث في الشوارع لأيام عدة وأصبحت طعاماً لبعض الحيوانات.
باختصار كل جدران وشوارع مخيمي صبرا وشاتيلا تروي لنا حكايات مختلفة لم نقرأ عنها من قبل وكل حكاية اصعب من الأخرى، من شدة المناظر االمؤلمة التي رأيتها أثناء المجزرة بقيت شهراً كاملاً لا أذوق الطعام رغم أنني موصوف بالشجاعة، عشت على شرب القهوة والدخان لهول ما رأينا في المجزرة.
لن ننسى جميع الشهداء في صبرا وشاتيلا ويجب محاكمة من قام بهذه المجزرة، تاريخنا الفلسطيني مليء بالمجازر ولم يحاسب جانٍ قط، فإسرائيل تعتبر نفسها فوق القانون.
الشاهد الثاني هو محمد سرور من سكان شاتيلا، يخبرنا محمد: " والدي وأربعة من إخوتي استشهدوا في المجزرة، أنا كان عمري 20 سنة وقتها، المجزرة حصلت في الليل وفي النهار وقبل المجزرة عملوا على تفقد المخيم، والدتي وأختي اصيبتا، أختي سعاد كان عمرها حين ذاك 18 سنة أصيبت برصاص في ظهرها بقيت فترة طويلة وهي تنزف ولم يوجد من يسعفها مما سبب لها شلل نصفي ولا تسطيع المشي الآن وهي في بلجيكا للعلاج، حالتها النفسية سيئة جداً، فهي دائماً تتذكر المشاهد المؤلمة من المجزرة.
وأخيراً وبعد مرور عشرات السنين على مجزرة صبرا وشاتيلا ما زالت سياسة التمييز , وسياسة الحرب مستمرة حيث يسقط يومياً ضحايا أبرياء من المدنيين أطفالا ونساء وشيوخ ورجالا في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فإلى متى تستمر المأساة الفلسطينية والاجرام الصهيوني وسط صمت بعض العالم وتواطئ بعضه الآخر...
ـــــــــــــــــ
المرجع : كتاب صبرا وشاتيلا للكاتبة بيان نويهض الحوت
مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
المصدر: سمية مناصري - ياصور