القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

لا.. لمخيمات الفلسطينيين فى سيناء

لا.. لمخيمات الفلسطينيين فى سيناء
 
 
تحقيق: فكرية أحمد
 
موقف مصر الشعبى من القضية الفلسطينية ثابت وتاريخى، فشعب مصر الذى بذل ابناؤه فى حرب 48 من اجل فلسطين ، وفى حربى 67 ، و73 من اجل مواجهة الكيان الصهيونى الذى نهب ارض فلسطين وتغلغل فى الجسد العربى بالضفة الغربية من الأردن والجولان فى سوريا، وشبعا فى لبنان، لا يزال هذا الشعب لديه الاستعداد لبذل المزيد، من أجل إعادة الارض الى اصحابها وعلى رأسها الحق الفلسطينى، ولن تقبل مصر المزيد من تهجير أصحاب الأرض وتحويلهم إلى لاجئى شتات، خاصة فى أرض سيناء، فما يجرى الآن من محاولات لإقامة مخيمات للفلسطينيين فى سيناء أمر يرفضه شعب مصر ، ليس تنصلا من مسئولياته أو فراراً من واجبه العربى القومى ، ولكن لان استقبال مصر للاجئين تحت زعم الأوضاع أو الظروف الاقتصادية والإنسانية، ليس الا مطلب حق أريد به باطل، فاسرائيل ترغب فى تهجير كل الشعب الفلسطينى خارج أراضيه، خاصة اهل غزة «قلب المقاومة «لتقصى حركة حماس بعيدا عنها أو تقضى عليها، كما تضع فى مخططها الصهيونى توطين الفلسطينيين فى سيناء، لانها تعتبر أرض سيناء بلا شعب، وهو نفس المبدأ الذى اعتمدته أوروبا فى تهجير اليهود الى فلسطين. الوفد تفتح ملف اللاجئين الفلسطينيين فى الدول العربية، وترصد الحصاد المر وراء هذه المخيمات، وتطرح الأسباب التى تجعل الشعب المصرى يتمسك برفض أى مخيمات للفلسطينيين فى سيناء.

«يتوزع فى جميع انحاء العالم ما بين 9 و11 مليون لاجئ فلسطينى يطلق عليهم فلسطينيو الشتات، فمنذ الوعد الملعون لوزير خارجية بلفور عام 1917 لاقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين، وبدأت عصابات اليهود فى الاستيطان بفلسطين مع شن حروب دامية على اصحاب الارض لطردهم ، أو إجبارهم على بيعها بثمن بخس للنجاة بحياتهم، ومنذ حرب 48، عانى الشعب الفلسطيني عدة موجات من النفي، وكما انهم عانوا فى البلدان المضيفة فقد تسببوا أيضاً فى العديد من المشكلات بهذه البلدان منها الاجتياح الاسرائيلى للبنان عام 82 ، وأيلول الأسود الدامى فى الأردن، والمشكلات الطائفية فى سوريا.

مخيمات الفلسطينيين فى سوريا

مما لاشك فيه أن الحرب الصهيونية عام 1948 كانت السبب الأساسي في تهجير الفلسطينيين، ثم تلاها افواج اخرى عام 56، و67، ولا يمكن ان نعترض على حقوق اللاجئين الدولية، إلا أن معاهدة اللاجئين لعام 1951 الصادرة عن المفوضية السامية لشئون اللاجئين، أعطت للاجئين بمن فيهم الفلسطينيون بالطبع، اعطتهم حقوقاً تشكل خطرا على الدولة المضيفة وممتلكاتها، منها منح الدولة المضيفة للاجئين حق المعاملة بما يتعلق بالملكية المنقولة أم غير المنقولة، السماح لهم بكسب العيش والعمل في ظل شروط اكثر من الميسرة للأجانب، وفي حال اتخاذ تدابير لحماية العمالة المحلية بوجه المنافسة الأجنبية فإن اللاجئ يستثنى من هذا المبدأ، معاملتهم كمعاملة المواطنين عبر الحق في تلقي التعليم العام، والحق في المساواة مع المواطنين بالنسبة لتشريعات العمل والضمان الاجتماعي، اى من حق الفلسطينيين الفقراء الحصول على معاش الضمان الاجتماعى الذى تقدمة الحكومة المصرية لفقرائها، وقد وقعت مصر على هذه المعاهدة، وبالتالى فهى مطالبة بتطبيق بنودها، كما وقعت عليها كل من المغرب، تونس، الجزائر، السودان، الصومال، اما باقى الدول العربية فلم تصادق عليها.

وظلت الدول التى لم تصدق على معاهدة اللاجئين تتعامل مع الفلسطينيين بموجب قرارات ومعايير الجامعة العربية، ومن منطلق الخوف من ضياع هويتهم ورفض توطينهم، إذ ترى ان الفلسطينى إذا حصل على كل الحقوق التى يتمتع بها مواطن البلد المضيف فسوف يفقد هويته الوطنية، وتنعدم لديه الرغبة بالعودة الى وطنه اذا أتيح له ذلك، ومن اهم الدول العربية المضيفة هي سوريا ولبنان والأردن ومصر والعراق، وتقدر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بنحو نصف مليون ، ويبلغ عدد اللاجئين في الأردن ولبنان والضفة الغربية وغزة بنحو 5 ملايين لاجئ.

ورغم أن الفلسطينيين في سوريا يتمتعون إجمالاً بحقوق هي الأفضل بين الدول العربية التي يحتفظ بها الفلسطينيون بهويتهم الوطنية، إلا أنهم ينقسمون إلى فئات مختلفة الحقوق وفقاً لعام القدوم أو الظروف التى قدموا فيها، وأكثرهم تمتعاً بحقوق اللاجئين منذ عام 48، والغالبية العظمى من اللاجئين بعد هذا التاريخ لا تملك وثائق إقامة، بعد إلغاء أو انتهاء صلاحية جوازات السفر الأردنية التي كانوا يحملونها، وبعضهم يحمل وثائق سفر مصرية لأبناء قطاع غزة ، ويجب على من يحملون الوثائق المصرية ، تجديد إقامتهم في سوريا كل سنة، وهناك قيود على دخولهم سوق العمل، ويثير الفلسطينيون فى سوريا انقساما طائفيا بين سنة وشيعة، يتماشى مع الانقسام الطائفى فى سوريا نفسها.

الاجتياح الإسرائيلى للبنان

يعيش كثير من اللاجئين الفلسطينيين القدامى فى لبنان حياة الرفاهية والقصور، ولهم الأماكن الخاصة التى لا يقترب منها اللبنانيون أنفسهم، وذلك بعيداً حتى عن اماكن المخيمات نفسها لاخوتهم من اللاجئين، وتسمى بعض الأحياء اللبنانية بأسماء مدن وقرى الجليل وهي المناطق التي أتى منها هؤلاء اللاجئون، وقد تم التعاطى مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بالتقلب وبعدم الثبات، تبعا لطبيعة القوى المؤثرة في الشارع وفي السلطة، وشهدت الفترة الأولى من قدوم الفلسطينيين للبنان تسامحاً من الدولة، تجاه العاملين في المؤسسات الخاصة، لكن تغلغلهم فى الاعمال على حساب اللبنانيين أدى الى اصدار وزارة الشئون الاجتماعية، قانونا «طلبت فيه من اللاجئين التوقف عن العمل إلا فى مشاريع محددة على غرار العمران في المدن، والزراعة في الريف».

واستمر وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، على هذا النحو لكن لك لم يمنع وقوع صدامات بين المقاومة الفلسطينية والسلطة اللبنانية، بسبب محاولة الفلسطينيين ممارسة أنشطة سياسية هددت الاستقرار اللبنانى، بجانب قلق لبنان على مستقبل المعادلة الطائفية في البلد، حيث انضم المسيحيون الفلسطينيون الى الموارنة، واليسار الفلسطينى انضم لليسار اللبنانى، وهو ما دفعها إلى التعاطي الأمني معهم، وتنفيذ حملات اعتقالات لضمان أمنها القومى، وهو ما أدى الى تدخل مصر بالوساطة لتهدئة الاوضاع الساخنة بين الجانبين، وتم عقد اتفاق القاهرة عام 1969، وشكلت هذه الاتفاقية متغيرا بارزاً في حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث سُمح لهم بالتنقل بين مختلف المناطق بدون أذون مسبقة، وسُمح لهم (مبدئياً) بحرية العمل، إضافة للانتماء للمقاومة الفلسطينية المسلحة.

وكان انتماء اللاجئين الفلسطينيين فى لبنان الى المقاومة المسلحة سبباً فى الاجتياح الاسرائيلى للاراضى اللبنانية عام 1982، وكان الاجتياح سبباً فى خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان، لتصنع منعطفا بارزا في حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بحيث «امتلأت السجون اللبنانية بالمعتقلين الفلسطينيين تحت دواعى الأمن القومى للبلاد ،وتوالت الإجراءات المناوئة للفلسطينيين، وصدر قرار لإغلاق باب العمل في لبنان أمامهم في مجالات عديدة، ولم يسكت اللاجئون ويتنازلوا عما اعتبروه حقهم، وشكلت القيادات الفلسطينية عام 91 لجنة للحوار مع الحكومة اللبنانية حول ما سمي بالحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين في لبنان، لكن لبنان اوقفت الحوار بدون إعلان رسمي، بل أصدرت قانونا عام 2001 قصد من ورائه منع توريث اللاجئين الفلسطينيين لعقاراتهم وممتلكاتهم لابنائهم، بقى هذا القانون كشوكة فى حلق اللاجئين.

أيلول الأسود في الأردن

يعد وضع اللاجئين الفلسطينيين في الأردن هو الأكثر التباساً من وضعهم في أى دولة اخرى، مضيفة لأن الغالبية العظمى منهم اكتسبوا الجنسية الأردنية، وبالتالى أصبح لهم حقوق وواجبات كالأردنيين من مواطني الضفة الشرقية، وقد ظلت العلاقة الأردنية – الفلسطينية تتمتع بالتفاهم النسبى من تاريخ إعلان توحيد الضفتين عام 1950 إلى عام 1967 اى فى هزيمة يونيو، حيث تطورت منظمة التحرير الفلسطينية وبدأت تظهر فى الواجهة، وتطورت فصائل المقاومة، وهنا نشأ الصراع حول الهوية الوطنية في الأردن، وحول ازدواجية الولاء ، وكانت المجموعات الفلسطينية المسلحة قد بدأت تثير القلاقل والمشاكل فى الأردن، وتتصرف بشكل يهدد الحكم الهاشمي من هجمات على قوات الجيش والشرطة، وإثارة الفزع لاثبات وجودهم وقوتهم، حتى وقع اكثر من 500 اشتباك عنيف بين الفصائل الفلسطينية وقوات الأمن الأردنية ما بين منتصف عام 1968م ونهاية عام 1969م. وأصبحت أعمال العنف والقتل تتكرر بصورة مستمرة، حتى باتت تعرف عمان في وسائل الإعلام العربية بـ«هانوي» العرب نسبة الى عاصمة فيتنام الشمالية التى شهدت أقوى عمليات التدريب والتسليح من أجل حرب التحرير ضد المستعمر، وكانت الاردن فى هذا الوقت لا تتمتع بعلاقات جيدة مع الرئيس المصرى في حينه جمال عبد الناصر ، وهو ما وضع الفلسطينيين فى رهان بأن مصر ودولاً عربية أخرى ستقف بجانبهم حال نشوب أى صراع مع الأردن، فزاد اللاجئون من تحركاتهم الاستفزازية من استعراض للقوة، فأعلنت الاردن فى عام 70 حالة الطوارئ، وتحرك الجيش بتعليمات الملك حسين بن طلال لوضع نهاية لوجود المنظمات الفلسطينية في الأردن، وهو ما ادى الى وقوع حادث ايلول الاسود، والذى اصبح خلاله التصارع أكثر حدّة، واجتاح الجيش الاردنى مخيمات اللاجئين ووقعت مواجهات قاسية بين الطرفين قتل فيها الآلاف من الفلسطينيين، ومئات من الاردنيين، وبلغ عدد المصابين 4 آلاف مصاب، وبعد انتهاء المواجهات المسلحة أصدرت الاردن عدة فرارات كان من شأنها تجريد غالبية الفلسطينيين من جنسيتهم الأردنية التى سبق واكتسبوها فى الضفة الغربية، وبالتالي تجريدهم من حقوقهم التعليمية والتموينية والصحية، رغم ذلك لا يزال هناك اكثر من 2 مليون فلسطينى يحملون الجنسية الاردنية، ولم تعد أبداً علاقة الاردن باللاجئين الفلسطينيين كما كانت من قبل حتى الآن.

مخاوف في مصر

ومع كل ما تقدم من مشكلات واجهها اللاجئون الفلسطينيون فى الدول المضيفة، أو تسببوا هم بها امنيا وسياسيا فى هذه الدول، فإن المخاوف الثائرة لدى المصريين من إقامة مخيمات للاجئين الفلسطينيين فى سيناء تعد مشروعة ، لعدة اسباب اولها ان اسرائيل لديها خطة واضحة تم تسريبها إعلامياً أكثر من مرة بالتخلص من مشكلة غزة وتصديرها الى مصر، وتوطين الفلسطينيين فى سيناء، اذ يرون سيناء خالية بلا شعب ومناسبة لاستيطان الفلسطينيين بدلا من إعادة ارضهم اليهم ، ثانيا سيتم استيراد الفصائل المسلحة من حماس والجهاد وغيرها من الفصائل الدينية المسلحة مع قدوم الفلسطينيين فى هذه المخيمات، ثالثا سيشكل هؤلاء عبئا اقتصاديا وامنيا على مصر، وستثور معهم اشكالية القامة والتجنيس، كما سيسمح لهم بحرية الحركة والعمل وفقا لمعاهدة حقوق اللاجئين الدولية، وهو ما سيشكل عبئا لا قبل لمصر بحمله فى وقت يئن فيه الاقتصاد المصرى وتتزايد فيه معدلات البطالة.

رابعاً: سيمكن لهؤلا شراء الأراضى فى سيناء والعقارات، وتوريثها، خاصة من سيحملون منهم الجنسية المصرية فيما بعد، وهو ما يعنى امتلاك الأراضى المصرية لغير المصريين للأبد، خامسا البعد الامنى بينهم وبين بدو سيناء، وخطورة ما يشكلة اى احتكاك سلبى أو مواجهة مستقبلية بين الطرفين، خاصة اذا كان كل منهما مسلحاً، رابعاً ما يمكن ان يجلبه هؤلاء معهم من مشكلات تضع مصر فى مواجهة مباشرة مع إسرائيل، ولا يمكن استبعاد ما حدث عام 82 من اجتياح إسرائيلى للبنان للقضاء على المقاومة الفلسطينية المسلحة بمخيمات اللاجئين.

ويوجد فى مصر 84 ألف لاجئ فلسطينى، حيث بدأت عملية اللجوء إلينا بأعداد كبيرة عام 48 وتجمعوا فى مجمع أو معسكر القنطرة وبلغوا 12 ألفاً، وبعد فترة طلبت بعض العائلات التى خرجت بأموال معها من فلسطين، طلبت السماح لها بترك المعسكر، والإقامة داخل القطر المصري، وبعد الإطاحة بالملك فاروق عام 1952 تمت دعوة الفلسطينيين المقيمين في غزة للدراسة والعمل والتملك في مصر حيث عُوملوا كمواطنين مصريين. ففي عهد عبد الناصر، كان باستطاعة أبناء الفلسطينيين المقيمين في مصر وغزة الالتحاق بالمدارس الحكومية والاستفادة من الرسوم الجامعية المُخفَّضة، ولاحقا شملت هذه المزايا الموظفين والمقاتلين المنخرطين مع منظمة التحرير الفلسطينية والموظفين الفلسطينيين السابقين في الهيئات الحكومية المصرية، وعقب هزيمة يونيو 1967 وبعد احتلال إسرائيل لِما تبقى من فلسطين، ومرتفعات الجولان السورية، وشبه جزيرة سيناء، لم يستطع الفلسطينيون القاطنون في مصر العودة إلى غزة. وبحلول عام 1969 تم إدماج الفلسطينيين في مصر. أما تجنيسهم فلم يكن يومًا أحد الخيارات المطروحة.

وارتبطت معاملة الفلسطينيين في مصر بالشأن السياسي ، فقد شهدوا عصرا ذهبيا فى عهد عبد الناصر، وفى عهد السادات الذى اتجه بقوة إلى الغرب تدهورت معاملتهم في مصر خاصة بعد زيارة السادات للكيان الصهيوني، في نوفمبر 1977، حيث قامت أجهزة الأمن المصرية بترحيل عشرات الطلبة الفلسطينيين، ممن قادوا المظاهرات احتجاجا على هذه الزيارة، واشتبهت اجهزة الامن المصرى فى ارتباط هؤلاء بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وفى يوليو 1978، اصدر السادات قرارا بإلغاء اجراءات معاملة الفلسطينيين معاملة المصريين، ومنذ بداية الثمانينيات تمت معاملتهم معاملة الأجانب الغرباء، لكن فى عهد مبارك، بدأ فتح الابواب بصورة كبيرة امام تجنيس الفلسطينين ، تماشيا مع ضغوط اسرائيلية لاحتضان اللاجئين ، وتخفيف الضغوط عن إسرائيل.

فى النهاية إن ما يجب ان يسعى له الفلسطينيون الآن البحث عن حق العودة، لجمع هذا الشتات وهو حق لا يجوز التصرف فيه أو التخلى عنه تحت أى إغراء أو بأى ثمن، فلا يمكن ان يكون للفلسطينيين مخطط صهيونى لتوزيعهم بين البلاد العربية، وتوطينهم فى سيناء المصرية.

المصدر: جريدة الوفد