القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

تقارير إخبارية

لاجئو لبنان: نعرف أننا تُركنا

لاجئو لبنان: نعرف أننا تُركنا

الإثنين، 07شباط، 2011
 
 
 
بالنسبة إلى مناصري حركة فتح، فإن وثائق الجزيرة «مفبركة ومجتزأة» (أرشيف ــ هيثم الموسوي)
 
حين يفجّر المفاوض الفلسطيني جسر العودة

الوثائق التي نشرتها قناة الجزيرة عن كواليس المفاوضات الفلسطينية ــ الإسرائيلية، التي ألغت عملياً حق العودة، لم تصب المخيمات بالذهول، ولو أن مرارة اللاجئين زادت بعدما أصبح لديهم إثبات مكتوب لما كانوا يدركونه عملياً ويرفضونه

قاسم س. قاسم

تحت صورة كبيرة للرئيس أبو عمار، جلس رجل ستيني في مخيم برج البراجنة. بمجرد ذكر وثائق المفاوضات الفلسطينية ـــــ الإسرائيلية، تتبدل ملامح أبو محمد. يطلب منك أن تغيّر الموضوع وتحدثه عن «مصر وتونس بكون أحسن، خلينا نحس بشرف»، يعلّق ابن قرية الكويكات ساخراً.

بخلاف التظاهرة التي أطلقتها حركة فتح دعماً للرئيس المنتهية ولايته، محمود عباس، وتنديداً بقناة الجزيرة لنشرها وثائق خفايا المفاوضات الإسرائيلية ـــــ الفلسطينية التي أظهرت تخلّي السلطة عن اللاجئين وحق العودة والقدس، لن تجد في مخيم برج البراجنة ما يشير إلى أي مظاهر استياء أو ذهول من مضمون ما نشر. لا جديد في أزقّة المخيم إلا مرارة أهلها من خيانة ذوي القربى. يرفض «أبناء فتح» الجالسون أمام مركزهم التعليق. لكن الصمت ليس سمة عامة في المخيم. لا بل إن الحدث ما زال، برغم مضي شهر تقريباً، يهز اللاجئين. أمام أحد المحال تجمّع بعض الشبان. «من سمح لهؤلاء بأن يفاوضوا باسمنا، وأن يحددوا الأعداد التي ستعود الى فلسطين أو من سيعود إليها؟»، يقول إبراهيم عكاوي ابن قرية صفد. الشاب العشريني الغاضب وجد نفسه أمام سؤال لم يكن يفكّر بطرحه: «ما هو مصيرنا إذاً؟ توطيننا؟ من يحدد أسماء من سيعودون وإذا كانوا ألفاً سنوياً على عشر سنوات؟». يصب جام غضبه على زميله الجالس بقربه: «انت الفتحاوي، كيف ممكن تقبل هادا الحكي؟». «ألا تريد العودة إلى ترشيحا؟ هل تعتقد أن بإمكانك العيش في رام الله أو غزة؟». يصمت الجميع بانتظار الإجابة. والشاب، الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تنظيمية، يلوذ بالصمت. ينسحب بهدوء موجهاً شتيمة «يلعنهم، فضحونا، مش قادرين ننظّف وسخهم».

أغلب اللاجئين لم يطّلعوا على ما ورد في الوثائق، بل اكتفوا بما لخّصته لهم المحطة من نقاط. في أحد دكاكين المخيم، يرفض صاحبه التعليق على موضوع الوثائق، لكنه يستفسر عن مضمونها. الملخّص: استعداد فريق المفاوضات والرباعية إقناع الدول العربية باستقبال اللاجئين أو دفع تعويضات مالية لهم. محاولة سلام فيّاض إقناع الإسرائيليين بعدم فتح معابر غزة لئلّا يعدّ ذلك نصراً لحماس... يتدخّل الرجل كمن لن يتحمل المزيد: «اتكل على الله يا ابني، روح كمّل شغلك».

في شاتيلا، الانقسام أكبر، فحركة فتح أقوى هنا.

انعكس الانقسام على الآراء، فرأى البعض أنها «مفبّركة» كما يقول محمد ياسين صاحب إحدى الصيدليات. ياسين لم يرتح لتوقيت نشر الوثائق خصوصاً أن هناك «أزمة بين أبو مازن ومحمد دحلان». بالنسبة إلى الرجل فإن ردود الفعل على نشر ستهدأ بسرعة. «مررنا بأزمات كثيرة واستطعنا أن نجتازها» يقول. يبدأ الرجل الثلاثيني بتعداد الأزمات: «منذ فترة نشبت أزمة بين أبو مازن وفاروق القدومي، وبين أبو مازن ودحلان، ونشبت أزمة بعد رفض السلطة تقرير غولدستون، أما ما تبثّه الجزيرة الآن فهو مرحلة وسنجتازها».

بالنسبة إلى مناصري حركة فتح، فإن وثائق الجزيرة «مفبركة ومجتزأة». أما دليلهم على ذلك فهو ما قاله... صائب عريقات على قناة «الجزيرة»، من أن «الوثائق الصحيحة معه وهو مستعدّ لإعطائها للمحطة متحدياً إياها أن تنشرها». ويعتقد ياسين أنّه لو كان لدى السلطة ما تخفيه لما تحدّى «عريقات المحطة أن تنشر الوثائق التي بحوزته».

إلى المخيم القريب، مار الياس. هنا، في أصغر مخيمات بيروت، نزع البعض صور أبو مازن من محاله. أمام أحد الدكاكين تجلس مريم عباد السيدة السبعينية التي هُجّرت من مدينة عكا. ترفض عباد أن تنتهي معاناتها بأن «أموت في لبنان». «أعرف أنني قد أموت وأنا لاجئة، لكنني أخاف أن أموت ولديّ علم بأن المسؤولين الفلسطينيين يسعون إلى توطيننا في أماكن لجوئنا». تصمت السيدة لتسأل بصوت متهدّج: «دفعنا شهداء لنعود إلى فلسطين، تحمّلنا عيش المخيمات على أمل العودة إلى بيوتنا، هل يريدوننا أن نكمل ما بقي من عمرنا في المخيمات؟».

في مخيم مار الياس لم يخجل مسؤولو حركة فتح من إعلان استيائهم من قيادتهم في رام الله، لكن شرط عدم ذكر أسمائهم: «أبو مازن يعيش في فلسطين، أما المفاوضون الفلسطينيون فهم إما من غزة أو من الضفة الغربية. لذلك فهم غير مهتمين بنا نحن اللاجئين عدنا إلى أراضي 1948 أم لم نعد»، يقول أحد مسؤولي فتح في مار الياس. الرجل الذي تظهر آثار شظايا اجتياح عام 1982 على يديه، يقول: «لن نقبل بأي حل على حسابنا حتى لو اتفقت كل الدول على توطيننا». وبالرغم من أنه «فتحاوي، إلا أنني ضد ما يفعله محمود عباس، لكن حركة فتح أكبر منه ومن غيره، ولا يمكن أحداً أن يتخلى عن الثوابت التي وضعها الختيار».

صادم هو حجم «الانفتاح» الفلسطيني على المفاوض الإسرائيلي. مفاجئة تلك الراحة وذاك التواطؤ في الحديث كما لو أنه يجري بين أصدقاء. كل ما ذكر في الوثائق كان معروفاً بالنسبة إلى أبناء المخيمات، أو كان يُعدّ مجرد شائعات يتداولها المنضوون في تحالف القوى الفلسطينية في غياب الإثباتات. هكذا، ترتسم الابتسامة على الوجوه تلقائياً مع قراءة طلب تسيبي ليفني، رئيسة وزراء الحكومة الاسرائيلية السابقة، من أحمد قريع، إسماعها رأيه، للتعلم منه عن كيفية التعامل مع ملف اللاجئين الفلسطينيين. أبو علاء لا يبخل ويسدي لليفني نصيحة «تعجب خاطرها»، لكن لا تعجب خاطر ستة ملايين فلسطيني في الشتات، فهي عملياً لا تؤدي إلّا إلى... التوطين.