لجان الحماية الشعبية الفلسطينية... مواجهة
إرهاب المستوطنين وتقاعس السلطة
الخميس، 27 آب، 2015
كان من المتوقع أن تدقّ محرقة دوما، التي وقعت جنوب
نابلس في نهاية يوليو/ تموز الماضي، وحرق أفراد عائلة دوابشة، جرس الإنذار في كل قرية
أقيمت على أراضيها مستوطنات إسرائيلية. لكن الواقع يقول عكس ذلك، على الرغم من أنه
بات واضحاً أنّ المستوطنين رسخوا استراتيجيتهم للتخلّص من أصحاب الأرض عبر إرهاب الحرق
حياً. وجاء هذا التطور في إرهاب المستوطنين بعد سنوات من جرائم حرق شبه يومية في الضفة
الغربية بحق الأشجار، وحقول القمح، والمساجد، والكنائس والمركبات. واقع جعل الضفة الغربية
تتحوّل إلى دولة مستوطنات إرهابية، في ظل عجز تام للسلطة الفلسطينية عن إصدار أي قرار
يتبنى حماية مواطنيها من إرهاب المستوطنين، على الرغم من الدعوات إلى التبني الرسمي
لتشكيل لجان حماية للمواطنين، وخصوصاً أن هذه اللجان تفرض نفسها كنموذج ناجح لصد اعتداءات
المستوطنين في بعض القرى.
يفترض أن تنحصر الإجابة على سؤال "هل توجد لجان
حماية شعبية ضد المستوطنين؟" إما بنعم أو لا، لكن في الحالة الفلسطينية هناك دائماً
إجابات أخرى، على غرار "يوجد ولكن" أو "لا يوجد بالتحديد".
الناشط الحقوقي ضد اعتداءات المستوطنين، زكريا السدة،
والذي يتحرك في الضفة الغربية بمجملها، يختصر الإجابة لـ"العربي الجديد"،
بالقول "أعتقد أن لجان المقاومة الشعبية الجدية الوحيدة هي الموجودة في قرية قصرة،
جنوب نابلس، وسرّ نجاحها هو الدعم الذي تحظى به من الأهالي ووجود مجلس قروي مساند".
من جهته، يشير رئيس المجلس القروي في قصرة، عبد العظيم
وادي، لـ"العربي الجديد"، إلى التحديات الكبيرة التي تواجهها لجان الحماية
المتطوعة، في ظل تخلٍ رسمي كامل من السلطة الفلسطينية. فقد انخرط عشرات الشبان من أهالي
قصرة في لجان الحماية، لكن العدد يتقلّص منتصف الأسبوع ثم يعود للزيادة مع العطلة الأسبوعية،
لأن اللجان تضم موظفين وطلبة. ومن الصعب على هؤلاء أن يبقوا يقظين حتى ساعات الفجر
يومياً يراقبون تحرك المستوطنين في أربع مستوطنات تحيط بالقرية.
ويقول وادي لـ"العربي الجديد": "نفكر
حالياً بزيادة مبلغ دولار واحد على كل فاتورة كهرباء يجبيها المجلس من الأهالي، ليتم
رصد هذه المبالغ للجان حماية متفرغين نوعاً ما". في أبريل/ نيسان 2014، طالب وفد
من أهالي القرية الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال اجتماع نادر معه، بوجود لجان حماية
شعبية للقرية. وتكرر طلب الأهالي بعد توجيهه إلى أعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة
التحرير ومركزية فتح، لكن جميع المناشدات ذهبت أدراج الرياح، ليبادر الأهالي بأنفسهم
إلى تشكيل هذه اللجان والتسلّح بالعصيّ والحجارة.
على غرار قصرة، هناك تجربة أقل تنظيماً في بلدة ترمسعيا
قرب رام الله، حيث يعاني الأهالي من تخريب أراضيهم وسرقة محاصيلهم وحرقها من قبل بؤرة
استيطانية شرسة تدعى "عادي عاد" اعتاد مستوطنوها على تنفيذ الاعتداءات بحق
ترمسعيا وجارتها قرية المغير، حيث قاموا بحرق مسجد القرية فجراً قبل أشهر ولاذوا بعدها
بالفرار. المفارقة أن بعضاً من المستوطنين الشرسين اتخذوا من كهف لا يبعد عن حقول بلدة
ترمسعيا سوى عشرات الأمتار مقراً لهم ونقطة انطلاق للتخريب والحرق وخلع الأشجار، من
دون أي رادع لهم، سوى صوت مؤذن الجامع وهو يدعو الأهالي ليهبّوا لطرد المستوطنين بالحجارة
والتلويح بالعصي.
في السياق نفسه، كان يمكن أن تشكل محرقة دوما نقطة
تحوّل للجان الحماية الشعبية، لكن القرية التي ذاقت عائلة منها الحرق وهي على قيد الحياة،
تأخرت أكثر من أسبوعين بعد المحرقة حتى قامت بتشكيل لجان حماية خاصة بها. يقول نصر،
شقيق الشهيد سعد دوابشة الذي قضى متأثراً بحروقه الحرجة: "لقد فتحنا الباب أمام
المتطوعين فسجل نحو 43 شاباً أسماءهم". وفي رد على سؤال لـ"العربي الجديد"
حول سبب التأخير، يوضح نصر أنّ "الخطوة كانت تحتاج إلى بعض التنظيم، لذلك لم يتم
القيام بها بعد المحرقة التي قام بها المستوطنون مباشرة، حتى لا يكون العمل ارتجالياً".
يؤكد نصر أنه "حتى الآن، لا يوجد أي دعم رسمي،
وأخذنا زمام المبادرة من دون أن ننتظر الجهات الرسمية التي وعدتنا أن يتم فرز عدد من
شباب جهاز الأمن الوطني على لجنة الحراسة، ولم تفعل حتى الآن"، فضلاً عن
"وجود تسعة شبان من المتطوعين بأعمال الحراسة". كما في بقية القرى والبلدات
المقامة التي استولى عليها المستوطنون وأقاموا عليها مستوطناتهم، يلجأ المواطنون إلى
أساليب بدائية للدفاع عن أنفسهم مثل العصي وسيارة للقيام بجولات ليلية، فضلاً عن هاتف
خلوي للتواصل مع مؤذن الجامع ليحثّ الناس عبر مكبر الصوت للتوجه للتصدي للمستوطنين".
لجان حماية بدعم أوروبي
وفي موازاة التقاعس الرسمي، فإن المفارقة تكمن في
تبني بعض المؤسسات الدولية المدعومة من الاتحاد الأوروبي لفكرة تنفيذ لجان حماية، لكن
على النموذج الأوروبي، أي "لجان حماية ناعمة". وتنفّذ "منظمة الإسعاف
الأولي ـ المساعدة الطبية الدولية" ومنظمة أطباء العالم ـ فرنسا، في الضفة الغربية
منذ أكثر من عامين برنامج "لجان الطوارئ المساندة"، الذي تم تفعيله في
27 قرية أقيمت على أراضيها المستوطنات.
تقول مسؤولة الإعلام والتواصل في مؤسسة الإسعاف الدولي،
ريهام أبو عيطة، لـ"العربي الجديد"، إن "الفكرة تقوم على اختيار 6 أشخاص
(رجال ونساء)، بالتعاون مع المجالس البلدية في القرى المحاطة بالمستوطنات، ويتم تدريبهم
على طريقة التوثيق السليمة لاعتداءات المستوطنين، وجمع المعلومات من الفلسطينيين الذين
تعرضوا للاعتداء من دون أن يعرّضوا أنفسهم للخطر".
وتوضح أبو عيطة أن "أفراد هذه اللجان يخضعون
إلى تدريب حول تصنيف الاعتداءات، ومفاهيم مثل الأزمات والاستجابة الطارئة والإنذار
المبكر ومنهجية التوثيق، إذ يقوم أعضاء لجان الطوارئ المساندة بالتواصل بعد ذلك مع
الجهات الدولية المعنية ومكتب الارتباط الفلسطيني". إضافة إلى ما سبق، تقدّم هذه
المنظمة حماية مباشرة للفلسطينيين تحت ظل القانون الدولي الإنساني وذلك لمنع الترحيل
القسري. وعلى سبيل المثال، تتولّى بناء الأسوار حول منازل الفلسطينيين ووضع سياج فوق
الأسوار لصد اعتداءات المستوطنين، أو إقامة الأسوار حول المدارس، كما جرى مع مدرسة
اللبن، شمال نابلس.
وحسب أبو عيطة، فإن منظمة الإسعاف الأولي تحصل على
تمويلها لبرنامج لجان الطوارئ المساندة من الاتحاد الأوروبي، قسم المساعدات الإنسانية
والحماية المدنية. ومن التعليقات اللافتة التي قالها بعض المتدربين في هذه اللجان:
"هذا آخر زمن، السلطة الفلسطينية غير معنية بحماية المواطنين من المستوطنين، والأوروبيون
يريدون أن يبقى الأمر تحت السيطرة". ويضيف أحدهم: "هناك مقولة فلسطينية تفيد
بأنه ما بيحرث الأرض إلا عجولها، لذلك من المستحيل أن تقوم عجول تم تدريبها أوروبياً
بالدفاع عن أرضها".
أمام هذه النماذج المحبطة، يؤكد شبان في قرى قرب
بيت لحم، اشترطوا عدم ذكر أسمائهم، لـ"العربي الجديد"، أنهم يقومون بتنظيم
لجان حماية فاعلة من دون حرقها إعلامياً لحماية قراهم. ويوضح أحدهم: "ننفذ المقاومة
بحدها الأدنى عبر السهر وحماية الأرض والتصدي للمستوطنين، من دون البحث عن شهرة إعلامية
قد تلفت أنظار السلطة إلينا". كما يؤكد أحدهم مفاخراً "لا تبعد قريتنا عن
المستوطنة سوى عشرات الأمتار، وحتى الآن لم يستطع المستوطنون حرق أي بيت أو مسجد في
قريتنا كما فعلوا مع قرى كثيرة"، مضيفاً باللهجة الفلسطينية العامية "لن
نترك المستوطنين يعلّموا علينا" (يتفوّقوا علينا).
تقاعس رسمي
في موازاة ذلك، يبدو التقاعس الرسمي والفصائلي مسيطراً
على المشهد. تقول مصادر في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لـ"العربي
الجديد"، إنّ "عباس يعي تماماً أنه في موقف صعب، وأنّ حماية الفلسطينيين
من الموت حرقاً في القرى والبلدات المقامة عليها المستوطنات، تتطلب قراراً جريئاً،
وعباس لا يملك مثل هذا القرار". وتضيف المصادر "لذلك يذهب عباس نحو توجيه
الأنظار إلى قرارات أخرى مثل عقد المجلس الوطني على الرغم من أنّه لم ينفذ قرارات المركزي
في اجتماعه مطلع العام الحالي، بوقف التنسيق الأمني وإعادة النظر في العلاقة مع الاحتلال".
وتلفت المصادر إلى أنّ "أي قرار بحماية الفلسطينيين
من إرهاب المستوطنين سيترتب عليه إما انخراط أجهزة الأمن الفلسطيني في المهمة أو تسليح
المواطنين". وحسب المصادر نفسها، فإنّ "عباس يرفض كلا الخيارين رفضاً قاطعاً
لأنهما سيقودان للعنف الذي تعهّد بأن لا يكون في عهده، لذلك ستبقى بوصلة قراراته تشير
للخارج من تحركات قانونية ودبلوماسية وغيرها"، على حد قولها.
وتتابع المصادر "لو أن محرقة عائلة دوابشة حدثت
زمن الزعيم الراحل ياسر عرفات، لقام بتفعيل مئات من عناصر الأمن العاطلين عن العمل
في القرى والبلدات وأرسلهم بزي مدني لإطلاق النار على المستوطنات لصدّ إرهابهم بقوة
السلاح وقدم لهم الدعم من تحت الطاولة، أي بشكل غير علني، كما فعل عندما دعم كتائب
شهداء الأقصى في انتفاضة الأقصى". وتضيف المصادر "لكننا لا نعيش في زمن عرفات
اليوم بل في زمن عباس الذي يؤكد مراراً وتكراراً رفضه لأي خيار فلسطيني سواء أكان علنياً
أم ضمنياً للمقاومة". ورداً على سؤال حول سبب عدم وجود تبنٍّ رسمي لتشكيل لجان
حماية للمواطنين ضد إرهاب المستوطنين، يقول الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية،
مصطفى البرغوثي، الذي يشارك في اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إنّ
"هذا الموضوع طرح في آخر اجتماع لما يُسمى اجتماع القيادة في يوم محرقة دوما،
ومنذ ذلك الحين لم يعقد اجتماع لجنة تنفيذية".
ويؤكد البرغوثي لـ"العربي الجديد"، أنّ
"هذا المطلب طرح بقوة وجرى التأكيد على أهمية اتخاذ قرار رسمي بأن تنضوي المؤسسات
الرسمية مع الشعبية في تأسيس لجان حماية ودعم شعبية". لكن البرغوثي يشدد على أنه
"حتى الآن، لم يصدر أي قرار رسمي بهذا الشأن على الرغم من المطالبة الشديدة بوجود
قرار رسمي لتشكيل لجان مقاومة شعبية ضد إرهاب المستوطنين ووقف التنسيق الأمني"،
متسائلاً: "لماذا هذا التأخير حتى الآن في إصدار وتنفيذ كلا القرارين". ويذهب
البرغوثي إلى القول إنه على الرغم من أهمية وجود قرار رسمي لحماية المواطنين من إرهاب
المستوطنين، إلا أنّ "تشكيل هذه اللجان شعبياً لا يحتاج إلى السلطة في نهاية الأمر".
لكن الواقع مختلف، إذ يسود شعور عميق بالإحباط في
الشارع الفلسطيني من السلطة والقيادة الفلسطينية معاً. ويصل إلى درجة الاتهام المباشر
الموجّه من القرى والبلدات المقامة عليها مستوطنات إسرائيلية، وهي تشكل نحو 63 في المائة
من أراضي الضفة الغربية المحتلة ومصنّفة "ج" حسب اتفاقية أوسلو، بأنّ السلطة
أدارت لهم الظهر من جهة، وتُبقي عيونها مفتوحة لمراقبتهم لإحباط أي تخطيط للهجوم على
المستوطنات واعتقال كل من يحمل السلاح لأهداف المقاومة من جهة ثانية.
يقول الخبير العسكري، واصف عريقات، لـ"العربي
الجديد"، إنّ السلاح ممنوع حسب اتفاقية "أوسلو"، وهو يقتصر على الشرطة
والأمن الوطني، وممنوع على السلطة أن تعطي أو ترخّص سلاحاً للمواطنين. يضاف إلى ذلك
أنّ الاتفاقية منعت عمل رجل الأمن الفلسطيني داخل المناطق المصنفة "ج"، وبالتالي
أي قوة شعبية لصد هجوم المستوطنين يجب أن تكون غير مسلحة، والمتاح أن يحمي الشعب نفسه
بالوسائل المتوفرة من عصا وسكين وغيرها.
لكن مصدراً أمنياً، اشترط عدم ذكر اسمه، يقرّ في
حديث لـ"العربي الجديد"، بأنّ المفارقات باتت فاضحة في ما يتعلق بمهمات الأمن
الفلسطيني. ويوضح أنّ "أجهزة الأمن الفلسطينية تقوم دائماً بالتنسيق مع الأمن
الإسرائيلي لدخول مناطق "ج" لاعتقال عناصر من حركة حماس، وينسحب الأمن الفلسطيني
من مناطق "أ" الخاضعة للسلطة إذا تم تبليغه أن هناك نشاطاً أمنياً للاحتلال
في هذه المناطق، وهو نشاط عادة ما يكون تنفيذ عملية اغتيال أو اعتقال".
ويلفت المصدر الأمني إلى أنّه "يوجد جيش من
رجال الأمن الذين يعملون يومين أو ثلاثة في الأسبوع، وجزء آخر يتقاضى راتبه من دون
أن يحضر للمقرات الأمنية، ولا يتم استثمار هؤلاء في حماية القرى والبلدات من هجوم المستوطنين،
علماً أن عدداً كبيراً من هذه العناصر يعيش في مناطق "ج" المقامة عليها المستوطنات".
وفي السياق، يوضح عريقات أنّ "توظيف رجال الحماية
من قبل السلطة بمثابة إخلال بالاتفاقيات، وإسرائيل سوف تحتج على ذلك، والقصد حسب الاتفاقيات
أن يحمي الشعب نفسه من دون تدخل من السلطة". وأظهرت بيانات وأرقام صادرة عن وزارة
المالية، أن نفقات الأمن ارتفعت خلال النصف الأول من العام الحالي بقيمة 36.2 مليون
شيكل، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، أي نحو 10 ملايين دولار.
ويعيد ما سبق تلخيص رؤية إسرائيل لدور السلطة الوطنية
بأن تكون قوية بما يكفي لهزيمة خصمها السياسي أي حركة "حماس" وإحباط المقاومة
على الأرض، وضعيفة بما ينسجم مع عدم تشكيلها خطراً على أمن إسرائيل ومستوطناتها.
على الرغم من ذلك، يتصدى بعض رجال الأمن الفلسطيني
للمستوطنين الذين يهاجمون قراهم، لكنهم يقرّون أنّ هذا التصدي لا يستخدم فيه السلاح
إطلاقاً، مع حرصهم الكبير على عدم تقديم أنفسهم أمام الإعلام خوفاً من عقوبة محتملة
من أجهزتهم الأمنية التي تضيّق عليهم الخناق لو علمت بأمرهم.
يقول مصدر من قرية قصرة لـ"العربي الجديد"،
إنه يوجد "نوعان من رجال الأمن الذين ينخرطون في التصدي للمستوطنين سواء بطريقة
منظمة عبر لجان الحماية أو بطريقة عفوية: النوع الأول يدرك تماماً أنه معرّض لخطر التضييق
عليه وفقدان عمله من جهازه الأمني، فيفضّل العمل بصمت من دون إعلان ذلك. أما النوع
الثاني فيضم الذين يعملون في مجموعات اللجان الشعبية بعلم من رؤسائهم لمعرفة التطورات
على الأرض وحتى لا تخرج الأمور عن سيطرة الأمن في نهاية المطاف".
يورد أحد مواطني القرية، الواقعة جنوب نابلس، مثالاً
لـ"العربي الجديد" عن المضايقات التي تقوم بها أجهزة الأمن لبعض عناصرها
من الأهالي الذين يشاركون بالتصدي للمستوطنين، مشيراً إلى أن التضييق وصل أوجه عندما
شارك عناصر من الأمن باحتجاز وضرب نحو 18 مستوطناً اعتدوا على حقول القرية في السابع
من يناير/ كانون الثاني 2014. في ذلك الحين، عندما احتجز الأهالي المستوطنين وبدأوا
بضربهم، تدخلت عناصر من أجهزة الأمن الفلسطينية لحماية المستوطنين من الأهالي واتصلوا
بالارتباط الفلسطيني الذي تواصل مع نظيره الإسرائيلي، وقام باستدعاء جيش الاحتلال وأجلى
المستوطنين من المكان.
السيناريو نفسه تكرر بعد أشهر قليلة في قرية بورين،
جنوب نابلس، عندما تجرّأ مستوطنون وتجولوا في شوارع البلدة على متن مركبات صغيرة خاصة
للتنقل في الأراضي الوعرة. حينها هاجمهم أهالي القرية وحرقوا إحدى المركبات، قبل أن
يتدخل عناصر من الأمن الفلسطيني ويستدعي الارتباط الإسرائيلي لاستلامهم خوفاً من انتقام
الأهالي. وتحدثت الصحافة الإسرائيلية أخيراً بإسهاب كيف أن اتفاقية "أوسلو"
ألزمت السلطة بحماية المستوطن المستولي على الأرض الفلسطينية، ما يشكل شرخاً كبيراً
بين السلطة ومواطنيها.
... والفصائل متهمة أيضاً
لا تبدو الفصائل الفلسطينية بعيدة عن اتهامها، كما
السلطة بالتقاعس، وخصوصاً أنّ الحملات التي تقوم بها بعض الفصائل من باب محاولة الالتحام
بالهم الشعبي عادةً ما تبوء بالفشل. وعلى سبيل المثال، أطلقت حركة "فتح"
ومجموعة من الفصائل الفلسطينية قبل شهرين حملة "الزحف نحو الجبال" لحماية
الجبال المهددة بالمصادرة لصالح الاستيطان. لكن عقب افتتاح الحملة، الذي حظي بتغطية
إعلامية كبيرة، لم يحدث أي شيء بعد ذلك.
يقول أحد المواطنين في بلدة جماعين قرب نابلس
"لقد حضرت شخصيات معروفة وقامت ببناء غرفة صغيرة من الطوب في الأراضي المهددة
بالاستيطان، وبعد أكثر من شهرين لم يتم بناء سقف الغرفة حتى الآن، التي كان يعوّل عليها
أن تكون مقراً للجان الحماية الشعبية".
الأمر نفسه ينطبق على عدم شق طرق أو تقديم خدمات
بنى تحتية من ماء وكهرباء للأراضي ذاتها المصنّفة "ب"، أي أنها تحت سيطرة
السلطة الفلسطينية. ويقول رئيس بلدية جماعين، عصان ناظم، لـ"العربي الجديد"،
"لا يوجد دعم لتنفيذ ما ذكر".
وفي السياق، يقول رئيس اللجنة التنسيقة للمقاومة
الشعبية، منذر عميرة، لـ"العربي الجديد"، إن الفصائل تبنت المقاومة الشعبية
بشكل نظري، ومنها حركة" فتح"، أكبر الفصائل الفلسطينية على الأرض، مشيراً
إلى أن "عدداً نادراً من أعضاء المركزية أو أقاليم فتح يشارك في المقاومة الشعبية،
وكذلك الأمر مع بقية الفصائل". ويشدد عميرة على أنه "بعد حالة التردي التي
نعيشها في المقاومة الشعبية، وعدم وجود لجان حماية منظمة، أمامنا خياران: إما أن تتبنى
الفصائل المقاومة الشعبية بشكل فاعل، أو أن تنفصل المقاومة الشعبية عن الفصائل حتى
تستطيع أن تحوز على ثقة الناس".
المصدر: العربي الجديد