للمرة الأولى منذ 26 عاماً...عائلة عطون خارج
سجون الاحتلال
الإثنين، 07 أيلول، 2015
بعد "عِشرة عمر طويلة" مع حافلات الصليب الأحمر
التي تحمل أهالي الأسرى الفلسطينيين لزيارتهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي، تأمل الحاجة
معزوزة عطون، من قرية صور باهر في القدس المحتلة، ألا تستقل تلك الحافلات بعد اليوم.
فمع خروج ابنها الأصغر، جهاد عطون (26 عاماً) من سجون الاحتلال الإسرائيلي، منتصف الشهر
الماضي، لم يعد لديها أيّ ابنٍ معتقل، للمرة الأولى منذ 26 عاماً.
للحاجة معزوزة وزوجها الحاج محمد عطون، 6 أبناء و4 بنات.
وكان للأبناء الستة تجارب اعتقال مختلفة ومتعددة لدى سلطات الاحتلال. ففي نهاية العام
1987، ومع اندلاع الانتفاضة الأولى، بدأت قصة الحاج محمد وزوجته معزوزة مع تجربة الاعتقال
لأبنائهم. كان الاعتقال الأول لابنَيهما أحمد ومحمود، بتهم المشاركة في مواجهات الانتفاضة.
"ومن ذلك الحين، فَرَطت المسبحة"، كما يقول الحاج محمد. اعتقل في ما بعد
رائد وإياد وعماد. مرت بضعة أشهر، فأصبح الأبناء الخمسة كلهم داخل السجن، فيما كان
جهاد لا يزال رضيعاً. وفي 13 أغسطس/آب الماضي، خرج جهاد من سجن النقب، بعد قضاء فترة
حكمه البالغة 4 سنوات ونصف، ليكون العام 2015، الأول الذي لا يوجد للحاج محمد ولزوجته
أيّ أبناء داخل سجون الاحتلال.
وعلى الرغم من أنّ هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها العائلة
زمناً لا يوجد فيه أيٌّ من أبنائها داخل السجون، إلا أن الشَّمْل لم يلتم بالكامل،
ولم يجتمع السّتة في مكان واحد.
أكبر الأبناء، هو النائب في المجلس التشريعي، أحمد عطون
(47 عاماً)، الذي أبعدته السلطات الإسرائيلية عن القدس إلى الضفة الغربية، بحجة
"عدم ولائه لإسرائيل"، بعد ترشحه عن حركة المقاومة الإسلامية "حماس"،
في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006. ولا يزال النائب حتى اليوم، ينتظر قرار المحكمة
الإسرائيلية العليا في قضية عودته إلى القدس.
أما محمود، الابن الثاني، الذي أُفرج عنه ضمن صفقة
"وفاء الأحرار" في العام 2011 فقد أُبعد إلى تركيا. وكان محمود قد اعتقل
في العام 1993 بتهمة المشاركة في الخلية التي قامت بأسر وقتل الضابط الإسرائيلي، نسيم
توليدانو، في العام 1992، وذلك بهدف مبادلته بالشيخ أحمد ياسين الذي كان معتقلاً حينذاك.
وعن ابنها محمود، صاحب الحكم الأكبر من بين أبنائها، تقول
الحاجة معزوزة، "عندما صدر الحكم بحق ابني محمود بالسجن 3 مؤبدات، أقسمت اليمين
أنّه لن يمكث أكثر من 18 عاماً وهكذا حصل. تمت صفقة "وفاء الأحرار" وأفرج
عنه بعد 18 عاماً". تروي الحاجة معزوزة، أنّها رأت في حلمها ليلة الحكم على محمود
أنّ ابنها أحمد يخبرها بـ "إصابة محمود بـ 18 رصاصة في يده"، فشعرت أن هذه
سنوات حكمه ولن تزيد عليها.
بعد الإفراج عن جهاد، اجتمع في البيت أربعة أبناء للحاجة
معزوزة، هم إياد وعماد وجهاد ورائد. الوالدة التي تزيّن غرفة الجلوس بصور أبنائها في
مراحل تجارب اعتقالهم المختلفة، تبدو صابرة ومتحسّبة. لا يهزّها تعاقب السنين الطوال
في الأسر وعناؤها في كل زيارة. تشير الحاجة معزوزة إلى إحدى غرف منزلها وتقول في حديث
لـ "العربي الجديد"، "أطلقت عليها اسم غرفة المنكوبين"، إذ إنّ
تلك الغرفة أَوَتْ زوجات أبنائها، حين كنّ يزرنها عند اعتقال أزواجهن.
أما عن أصعب تلك السنوات الطويلة والغنيّة بالتنقل بين سجون
الاحتلال، تروي الحاجة معزوزة، أنّ "أصعبها كان في العام 1999. اعتقل حينها زوجي،
الحاج محمد لمدّة عام بتهمة حيازة سلاح. كان مطلوب مني كل شيء؛ الاعتناء بزوجات وأطفال
أبنائي المعتقلين، زيارة زوجي وأبنائي الثلاثة الذين كانوا موجودين داخل السجن في ذلك
الوقت". وتتابع، "كانت مواعيد زيارات الأسرى في مختلف السجون تتزامن أحياناً"،
ما يعني أن الحاجة معزوزة كانت مضطرة للتخلي عن زيارة أحد الأبناء لصالح أخيه.
يكمل الحاج محمد سرد فصول قصة العائلة، قائلاً "لم يكن
من عائلتنا من يستطيع زيارتنا في العام 1999، إلّا زوجتي. فجميع أخوتي سبق اعتقالهم،
وبالتالي فهم ممنوعون أمنياً من الزيارة". عدّد الحج محمد ما يقارب 19 فرداً من
عائلته من أبنائه وأبناء أخوته، ممن مروا بتجربة الاعتقال لدى الاحتلال، آخرهم كان
حفيده محمد (17 عاماً)، ابن النائب أحمد عطون، والمتوقع أن يفرج عنه في الأشهر القريبة.
ويبدو من الأسهل على الحاج محمد أن يعدّ السجون الإسرائيلية
التي لم يدخلها، عوضاً عن تلك التي دخلها. فعلى مدار 27 عاماً، زار ما يقارب 14 سجناً
إسرائيلياً، تنقل فيها أبناؤه الستة. يقول الحاج محمد "أعتقد أنّي لم أزر سجناً
واحداً أو سجنين فقط". كما أنّ الحاج محمد يحفظ بالأرقام الدقيقة تواريخ اعتقال
كلّ من أبنائه، وتاريخ الإفراج عنهم، والسجون التي مكثوا فيها، والتهم التي وُجّهت
إليهم.
من جهته يقول جهاد، الذي بلغت فترة حكمه 4 سنوات ونصف، لـ
"العربي الجديد"، إنّ "من يُحاكم بهذا العدد القليل نسبياً من السنوات
يخجل أن يذكر مدة حكمه أمام غيره من الأسرى، خصوصاً أمام أصحاب الأحكام القاسية".
يستذكر جهاد إحدى اللحظات المؤثرة التي ترسّخت لديه، قائلاً "قابلت أثناء اعتقالي
الأسير محمود عيسى (47 عاماً)، وكان قد قضى في العزل 15 عاماً، ومحكوم بثلاثة مؤبدات،
وقد اعتقل في قضية أخي محمود ذاتها، أسر وقتل الضابط توليدانو". يتابع جهاد
"عندما رآني الأسير محمود حضنني وقال إنّه يتذكرني وعمري 4 سنوات، عندما كنت آتي
مع أمي لزيارة أخوتي المعتقلين". ويضيف جهاد "تلك لحظات مؤثرة، تدرك من خلالها
كيف يمرّ الوقت. قال لي الأسير محمود حينها، إنّ الأسرى كانوا يلهون معي ويجلسونني
في أحضانهم، واليوم أنا كبرت، وهم لا يزالون أسرى".
وكان جهاد قد اعتقل بتهمة "التواصل مع عميل خارجي".
ويشير إلى أنّ هذه التهمة "عادة ما يعاقب عليها قانون الاحتلال الإسرائيلي بعامين
ونصف تقريباً"، إلّا أنّه فوجئ هو ومحامي الدفاع عنه يوم النطق بالحكم، بالقرار
القاضي بسجنه 4 أعوام ونصف، معتبراً ذلك عقاباً لعائلته ذات التاريخ الطويل مع الاعتقال
ومواجهة الاحتلال. وقد استغل جهاد هذه السنوات لدراسة اختصاص التاريخ عن طريق المراسلة
مع جامعة الأقصى، وأنهى 3 سنوات منها.
المصدر: العربي الجديد