ماجد الزير فى مؤتمر العودة ومركز دراسات الجزيرة: حق العودة أساس الصراع مع الكيان الصهيوني
كلمة ماجد الزير مدير عام مركز العودة الفلسطيني
سرني باسم أسرة مركز العودة الفلسطيني في لندن، ممثلةً بأعضاء مجلس الأمناء وطاقم العاملين، أن ارحب بكم في مستهل هذه الندوة التي تعقد بعنوان "اللاجئون الفلسطينيون في الوطن العربي، الواقع والآفاق"، التي نعتبرها من الأهمية بمكان، خاصةً لجهة مضمونها وتوقيتها. فهي تطرح موضوع اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة إلى ديارهم ومدنهم التي هُجِّروا منها عُنوة عام 1948.
ونحن اذ نتناول هذا الموضوع الذي يمثل من حيث الأهمية أُس الصراع في فلسطين، بل لا نبالغ إذا قلنا في المنطقة كلها. فالمشروع الصهيوني قائمٌ على استراتيجية: سرقة الأرض وطرد أصحابها الأصليين، وهنا تدخل ضمن هذه الاستراتيجية أراضٍ عربية الى جانب فلسطين، وكذلك شعوبها.
ويعتقد العدو الصهيوني انه لن يستقر له قرار إلا اذا انهى مشكلة الشعب الفلسطيني وخصوصا اللاجئين منهم، وبقاءَه – أي الشعب الفلسطيني - بعيدا عن أرضه في محاولة لإنهاء مطالبته بالعودة إلى دياره المحتلة، فالعدو يعتبر حق العودة يمثل تهديدا مباشرا لكينونة دولته العبرية.
ولهذا توحدت النظرة الصهيونية بكل ألوان الطيف السياسي على محاربة حق اللاجئين في العودة إلى فلسطين. بل تحولت هذه النظرة الى برامج عمل جادة ودؤوبة لضمان إسقاط حق العودة في أي مفاوضات كانت. وبدأت هذه البرامج في إقناع القوى الغربية الداعمة له بأن هناك استحالةً لقبول مبدأ حق العودة بالشكل الذي يطالب به الفلسطينيون وهو عودة جميع اللاجئين بدون استثناء. وقد استطاعت الماكينة الإعلامية الصهيونية تحويلَ هذه الرؤية إلى رأيٍ على المستوى الدولي، وهذا ما تمخض عنه مفهوم "يهودية الدولة العبرية" والتي حصلت على إقرار عالمي بذلك بدأ بمبادرة بوش وتلتها العديد من الدول الغربية.
السيدات والسادة
وبناءً على هذه القناعات لدى الطرف الاسرائيلي، فقد أعمل منظروه الاستراتيجيون البحث في كافة الجوانب النظرية والسياسية والميدانية لقضية اللاجئين الفلسطينيين، ليفككوا نقاط القوة فيها ويعملوا على إسقاطها، والتي تُبقي حق العودة حقا أصيلاً قائماً لا يمكن التنازل عنه حسب القوانين والقرارات الدولية.
فكان أن راهنوا طوال العقود الستة الماضية على عامل التشتت الجغرافي للشعب الفلسطيني وحضور العامل الجيوسياسي باختلاف البيئة السياسية الحاضنة للفلسطينيين. وراهنوا ايضا على عامل الزمن وتعاقب الاجيال لتحقيق نتائج تلقائية بنسيان هذا الحق وانتهائه.
ولكن الايام بما حملت من تجذر وتمسك الشعب الفلسطيني بأرضه، بما يقارب من نصف تعداده في فلسطين التاريخية الضفة الغربية وغزة وفلسطين 48. والاغلبية الساحقة من بقية الشعب تعيش في دول الجوار الفلسطيني في الاردن وسوريا ولبنان، تُضاف إليهم كتلةٌ بشرية فلسطينية في دول الخليج العربي غير بعيدة عن فلسطين. بما يصل مجموعه مع الداخل الفلسطيني الى أكثر من 90% من التعداد العام للفلسطينيين في العالم.
إن أكثر ما أرّق الدولة العبرية هو بقاء المخيم الفلسطيني وصفة اللاجئ حاضرة في القاموس السياسي العربي والدولي، بما يعني حضور القضية الدائم في مختلف التقاطعات القائمة. واللجوء اصطلاحاً يعني حالة مؤقتة لفترة من الزمن إلى حين إيجاد ما يلغي هذه الحالة والعودة بها إلى أصلها الطبيعي، ومن هنا يظهر الصراع بين نقيضين: نضال فلسطيني لتثبيت حق العودة لجميع اللاجئين وتعويضهم حسب ما نصت عليه القرارات الدولية. وعلى الطرف الآخر كيدٌ ومكرٌ في إيجاد بدائل بعيدة عن ما قرره المجتمع الدولي، منها توطين اللاجئين في الدول المختلفة وتعويضهم مادياً فقط مقابل التنازل عن كافة حقوقهم الأصيلة.
وفي طور التحدي الفلسطيني والمطالبة بالحقوق الكاملة وعلى رأسها حق العودة، أوقدت المخيمات شعلة الانتفاضات والثورات التي لم تنطفئ طوال العقود الماضية، وكان حراكها دائماً له الريادة في المشهد الفلسطيني العام. مما جعلها هدفاً دائماً لآلة الحرب والقمع الصهيونية، سواء في الداخل والخارج. وهذا ما نتج عنه سقوط آلاف الشهداء وآلاف الأسرى الذين عانوا في سجون المحتل، ونحن نتشرف هذا اليوم بوجود ثلة من الأسرى السابقين المحررين المبعدين والذين سيعودون، ونستذكر أخوة وأخوات ما زالوا يقبعون في سجون المحتل، ويناضلون وقد أعلنوا عن إضرابهم المفتوح في ذكرى يوم الأسير الذي يصادف في 17 من هذا الشهر مطالبين باطلاق سراحهم وبإنهاء سياسة العزل الانفرادي التي ما زال عدد منهم يقبعون في هذه الزنازين منذ سنوات امثال عباس السيد، وعبد الله البرغوثي وحسن سلامة وابراهيم الحامد، وكذلك السياسة الظالمة بمنع الزيارات لعائلات الاسرى منذ سنوات.
ومع بقاء المخيمات وصمودها في وجه العديد من المخططات طوال هذه المدة، وبوجود رعاية دولية تمثلت في إيجاد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وهو ما شكّل بعداً سياسياً دولياً دائم التذكير بأصل المشكلة ومن المتسبب في إيجادها.
الحضور الكريم
في كل ما سبق من عناوين لقضية اللاجئين يظهر في المشهد الحضور الدائم للبعد العربي سواء بالامر الواقع أو كرؤية مستقبلية لحل الصراع.
فابتداء من العمق العربي القومي للقضية الفلسطينية، واستهداف العدو الاسرائيلي للمنطقة العربية برمتها وليس فقط فلسطين، فإننا نستحضر هنا مناطق عربية محتلة كالجولان الصامد وبعض مناطق في جنوب لبنان، يضاف إليه الانتشار الفلسطيني في كل الدول العربية من دون استثناء مع اختلاف النسب، يعمل الصهاينة على تفكيك قضية اللاجئين في جزء مهم منها بترحيلها إلى الدول العربية.
فالعدو يُحَمّل الدول العربية المسؤولية عن خلق هذه المشكلة عام 1948 بادعائه انهم هم الذين طلبوا من الفلسطينيين الرحيل، وكأن المذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في العديد من المناطق، وخصوصاً أننا نعيش هذه الايام الذكرى الرابعة والستين لمذبحة دير ياسين التي حدثت في التاسع من نيسان عام 1948، لا تعتبر بالمفهوم الصهيوني جريمة إبادة وتطهير عرقي بحق الفلسطينيين أصحاب الأرض، وهذا ما يحاول العدو طرحه على الطاولة في هذه الأيام وهي قضية اليهود العرب الذين تركوا دولهم وهاجروا طواعية لفلسطين لتأسيس وإنجاح مشروع الدولة الصهيونية، لتصبح القضية مجرد مقايضة حق بحق، أي جانب التعويضات المتبادلة، وتوفر المساحات الشاسعة من الأراضي في الدول العربية وضيق المساحة الفلسطينية وهو سبب آخر في تعذر عودة اللاجئين.
اما على الجانب العربي، نجد توافقاً عربياً عنوانه الرئيسي هو الإصرار على التمسك بحق العودة ورفض مبدأ التوطين، بالطبع مع وجود اختلافات حادة في التعامل مع تفاصيل القضية، تصل عند البعض إلى حدّ الخلل.
ولا نجد بأساً في أن نسوق أمثلةً تُعتبر فيما أرى شاهداً على وجود مشكلة حقيقية، بحيث نجحت حملات العلاقات العامة الدولية التي تروج للرؤية الصهيونية في إقناع بعض الدولة العربية بمنطق استحالة القبول الاسرائيلي بحق العودة، وبأن المدخل للحل السياسي الدائم في منطقة الشرق الاوسط هو القفز على هذا الحق والعمل على إيجاد البدائل الممثلة في التوطين والتعويض المادي فقط. ولهذا كانت هناك نسختان للمبادرة العربية قبل قمة بيروت 2002 وبعدها بالاقتراح اللبناني في ضرورة تعديلها بالتاكيد على حق العودة.
ثم هناك نماذج في المعاناة الحقيقية المعاشة للعديد من الفلسطينيين، ونحن هنا نُوصّف ولا نحمّل المسؤولية. من هذه النماذج ما حدث لفلسطينيي العراق ابتداءً بخروجهم مشردين من بغداد الى الصحراء، وإبقائهم في العراء على الحدود مع الاردن وسوريا عدة سنوات، ثم ترحيلهم الى أقاصي الدنيا غرباً في البرازيل وبعدها تشيلي وشرقاً الى الهند واستراليا. ونموذج مخيمات لبنان واوضحها تسوية مخيم نهر البارد بالارض. والواقع السيئ المُعاش الذي يصل الى حد العدم لمخيم جرش او غزة في الاردن. أو الوضع القانوني لحملة الوثائق المصرية من فلسطيني غزة. او الاوضاع المعيشية والتعليمية والقانونية لبعض فلسطينيي الخليج العربي.
كل هذا الظلم الواقع والقائم بحجة أن الفلسطيني يجب ان يبقى في حال معاناة حتى لا ينسى حق العودة. بينما اثبتت تجارب عديدة لشرائح فلسطينية في اوروبا وامريكا، ان الحياة الكريمة والتعليم العالي هو اكثر ضمانة للتمسك بحق العودة. ولعلنا نشير الى تجارب فلسطينيي اوروبا الذين اضحوا اكثر اشتغالا بحق العودة من بعض المقيمين في المخيمات، وهذا يتمثل في مؤتمرهم السنوي الذي يُعقد سنوياً ويجتمع فيه الفلسطينيون من جنبات القارة لاعلان تمسكهم بحق العودة وعدم التنازل عنه، ونحن إذ نعيش هذه الايام التحضيرات النهائية للنسخة العاشرة من المؤتمر الذي سيعقد في الثامن والعشرين من الشهر الجاري نيسان/ أبريل في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن تحت شعار "ربيعنا يزهر عودتنا" وبرعاية الرئيس التونسي المنصف المرزوقي.
كل هذا الحراك المتواصل والمتنوع استدعى فكرة هذه الندوة لإعمال التفكير والبحث في البعد العربي لقضية اللاجئين، على قاعدة تحصين الحق الفلسطيني، والصمود الفلسطيني، في طريق التمسك بحق عودة كل اللاجئين إلى ديارهم ومدنهم التي هجروا منها عام 48.
ولعلنا نقول إن الندوة التي بدأ التحضير لها قبل اندلاع الثورات العربية، قد ازدادت اهميتها بالحراك الجماهيري الثوري العربي لصالح شيوع حال الانتفاض على الظلم في المنطقة العربية. والذي ينسجم مع الحال الفلسطيني الممتد طوال العقود الماضية. فالشعب الفلسطيني كان يحتاج الى هذه الروح وهذا التغيير. فقد كان من معوقات مسيرته الوضع العربي المرتبك في عدد من الدول المحورية. وعليها فاللاجئون الفلسطينيون فيما نرى يستبشرون بمستقبل زاهرٍ لقضيتهم بتحقيق اهدافهم وأكبرها حقهم بالعودة. فما حدث من تغيرات في المنطقة بتفاصيله هو اصعب واعقد من وضوح الحق الفلسطيني والتمايز مع المشروع الصهيوني
الحضور الكريم.
إننا نفخر في مركز العودة الفلسطيني بتقديمنا نموذجاً لتجربة فلسطينية في الغرب حول كيفية التعاطي مع حق العودة والعمل على وضعه بروايته الفلسطينية أمام صناع القرار الغربي، وخصوصاً الأوروبي. وهو يمثل تجربة لحراك الشعب الفلسطيني حيثما حل في طريق استعادة حقوقه المسلوبة.
وهذا المجهود يتضافر مع مجهود عربي رائد في غير مكان ليكون عاملَ إسناد حقيقي للقضية، وتوظيفاً للوسائل والامكانيات لدعمها. ولعل شراكتنا مع الاخوة والاخوات في مركز دراسات الجزيرة لإقامة هذه الندوة يعكس هذا الجهد.
وهنا اسمحوا لي أن اثني على المهنية العالية والاحتراف الظاهر الذي لمسناه من المركز على كافة المستويات، وهذا ليس غريبا لانه يأتي تحت مظلة شبكة الجزيرة صاحبة السمعة الرفيعة عالمياً وعربياً، والتي اخترقت الافاق وقدمت القضايا العربية برؤية احترافية وبنفسٍ عربي. كما يدرك الشعب الفلسطيني قبل غيره في الداخل والخارج أن ظهور قناة الجزيرة ساهم في إزالة اللبس والصدأ الذي ران على عقول وقلوب الكثير، ولأول مرة تظهر حقيقة ما يجري بتجرد على أرض الواقع أمام الملأ في الفضاء العربي والدولي، مما وازن كفة الصراع ليس فقط بالجانب الاعلامي بل بجوانبه السياسية والانسانية، وهذا بالتاكيد يسجل في رصيد دولة قطر راعية هذا المشروع الرائد الذي يعد من أنجح المشاريع الاستراتيجية في العالم العربي خلال الخمسة عشر سنة الأخيرة من تاريخ الصراع العربي الصهيوني، ولا نبالغ إن قلنا إن الجزيرة شاركت في صنع التاريخ الحديث.
وفي الختام، اسمحوا لي أن ادعو زميلي الاستاذ محمد حامد رئيس مجلس امناء مركز العودة الفلسطيني ونائبه الاستاذ غسان فاعور لكي يسلما درعاً تذكارية لشبكة الجزيرة باسم المركز ولعلنا نقول باسم الشعب الفلسطيني تعبيراً عن التقدير والامتنان للمجهود المميز لشبكة الجزيرة ولدولة قطر في الكثير من المجالات التي تدعم صمود شعبنا في كفاحه المشروع لنيل حقوقه.