مبنى غزة للاجئين الفلسطينيين في بيروت... مسكن أو مدفن؟
الخميس، 07 تشرين الثاني، 2013
للوهلة الأولى عندما ننطق بكلمة غزة،
يترواد إلى أذهاننا أننا نتكلم عن قطاع غزة المحاصر في جنوب فلسطين، والمنهك من
الحصار ومن قيد الاحتلال ومن تكالب العرب على معابر القهر والذل، ولكن مهلًا
فحديثنا اليوم سيذهب باتجاه آخر.... نحو غزة ولكن ليس القطاع انما المبنى المتواجد
في لبنان في منطقة صبرا القريبة من مخيم شاتيلا والذي يقطن به عائلات بشكل جماعي.
مبنى غزة ليس مبنى آثريًا، فتعود
قصته إلى السبعينات عندما كان المبنى عبارة عن مستشفى تتلقى دعمها من منظمة
التحرير الفلسطينية، وكان من أهم المستشفيات التي يلجأ إليها اللاجؤون الفلسطينيون
في بيروت وبالأخص لاجئي مخيمي صبرا وشاتيلا، وهو الذاكرة التي تحكي قصة مجزرة صبرا
وشاتيلا، حيث يحتوي على المشاهد الأليمة التي ارتكبت أيلول من عام 1983، وهو
المكان نفسه الذي احتوى جثث الضحايا لهذه المجزرة.
ولكن الجدير بالذكر أن هذا المبنى لم
تتبدل وظيفته بل كان مستشفى للألم والجراح وأصبح الآن مأوى للقهر والحرمان
وللمجروحين الذين لا دواء لهم سوى الصبر.
واجه المبنى ظروفًا صعبةً أدت إلى انهاء الخدمة
الطبية فيه، بعد قيام المقاتلات الإسرائيلية بقصف المنطقة، مما أدى لتحطيم زجاج
الشبابيك والجدران، وبعدها واجهت المستشفى فقدان العناصر الطبية مما جعل من ظروف
العمل فيه سيئة جداً، وكذلك عدم تلقيه تمويلاً يساعده على المضي بمشواره الإنساني،
مما دفع القائمين عليه لإنهاء الخدمة فيه.
وسمي المبنى بغزة تخليداً لقطاع غزة،
وهنا نرى التشابه الكبير بين القطاع المحاصر والذي يقطنه مليون ونصف المليون لاجئ،
وبين هذا المبنى المحاصر والمقيد في الظروف اللإنسانية والذي يسكنه العديد من
العائلات بشكل مكدس.
تملك كل عائلة قاطنة بهذا المبنى غرفة مرفقة
بحمام ومطبخ صغير، ولا يمكن للشمس أن تدخل غرفهم ولا أقسامهم، وكل ما يدخله
الرطوبة والروائح الكريهة التي تؤكد أن هذا المبنى هو مدفن وليس مسكن.
العائلات فلسطينية الساكنة بهذا المبنى لم تجد
لها مآوى أفضل منه بسبب الظروف المادية الصعبة التي يعانوها، فاضطروا للسكن فيه
ليس حبًا، بل هرباً من الظروف التي تمنعهم من استئجار منزل كباقي البشر، فعاشوا في
المبنى رغماً عنهم، يناضلون معًا من أجل البقاء والصمود حتى يرحلوا منه إما
لفلسطين أو للقبور التي تنتظرهم كما يقول أحد القاطنين فيه، ليضيف:" كل ما من
يدخل هنا يعلم حجم معاناتنا ومآساتنا فمن باب المدخل يشتم عبق اللجوء والنزوح الممزوج
بصرخات أطفال حرموا من أبسط حقوقهم، وكل هذا على مرأى ومسمع أولياء أمورنا – قيادة
الشعب - الذين قرروا أن ينضالوا بالسياسة ويبتعدوا عن هموم وشجون اللاجئين الذين
كلوا من وجودهم.
وكلما لجأ هؤلاء للجهات المعنية في لبنان،
اصطدموا بحائط العنصرية، بل أكثر من هذا فالبعض يقول لهم "عليكم أن تحمدوا
الله بأنكم قاطنين على أرضنا، وعليكم أن ترضوا بهذا المسكن فلا يوجد لدينا علاج
وحل لمشاكلكم اذهبوا لمنظمة التحريرممثلكم أو للأونروا المسؤولة عنكم".
وهكذا يبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر
اللجوء إلى الله لأن القضاء يفتقد إلى العدل، ولا يمكن اللجوء إليه في هذه الدولة.
وما الصبر الذي اكتوى به الشعب
الفلسطيني منذ 65 عاماً إلا الكفيل الوحيد على صبر هؤلاء وعلى مرارة عيشهم، فما هو
الفرق بين الذي يشرب البحر وبين الذي يشرب الساقية ؟َ!.
ولكن السؤال الذي نود أن نوجهه
لأصحاب الضمائر العربية والذين يسكنون في قصور أشبه بقصور المماليك، ألم تتعبكم
ضمائركم بعد، أليس للمسلم على أخيه المسلم حقٌ أم أن اللاجئين هم غير مسلمين ولا
حق لهم.
ففي هذا الزمن لا مكان لفقير ولا
لمظلوم ولا للاجئ، وقدره الوحيد أن وطنه سلب منه رغماً عنه أمام أين الجميع، سلب
أمام جحافل الأمة العربية التي ساقت بنا لننام ونفترش الطرقات ونفترش المشافي
المنتهية الصلاحية، ولنسطر معًا... أمجاد أمة غابت عنها الإنسانية.
فكم وكم سندق أبوابكم ونحملكم وزرنا،
فبكل زاورب من زواريب المخيم ألف قصة وقصة تنتظر من يقرأها ويصدقها.
المصدر: رابطة الإعلاميين الفلسطينيين