مخاطر تسييس وكالة الغوث "الأونروا" ومخططات مشبوهه تهدد قضية اللاجئين
الأحد، 24 تموز، 2011
إذا كان تقليص خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين من الأمور التي أعتاد عليها اللاجئون منذ 63 عاماً، فإن ذلك يأتي اليوم مترافقاً مع عدة مؤشرات أبرزها: تراجع عدد من الدول عن تقديم مشاركتها بتمويل موازنة الأونروا، تزايد الحديث عن فساد يطال مختلف برامج الصحة والتعليم والإغاثة خصوصاً في لبنان الذي يشهد أكبر موجة تحركات ضد سياسة تقليص الخدمات والفساد، إضافة إلى بعض الرسائل التي تتضمنها تسريبات معينة ترفض إدارة الوكالة تبنيها كالحديث عن تدريس مادة خاصة بالـ"الهوكولوست" في مناهج التعليم في الضفة الغربية أو قرار تغيير اسم الوكالة من "وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" إلى "وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين"، وذلك تحضيراً لتغيير بعض الأهداف المتعلقة باللاجئين وحقوقهم باعتبار أن ذكر "الغوث والتشغيل" يدل على حالة مؤقتة إلى حين العودة، أما على الصعيد الخدماتي فإنه وبالرغم من الإعلانات المتكررة عن رفع مستوى الخدمات الصحية خصوصاً، فإن التقديمات لا تتناسب مع متطلبات اللاجئين المتزايدة خصوصاً في لبنان، حيث إن الاعتماد الأكبر على خدمات الوكالة في ظل الحرمان من الحقوق الإنسانية والارتفاع الكبير في نسبة الفقر.
منذ بداية الخمسينات واجه اللاجئون العديد من المخططات المشبوهة مع "الأونروا"، وكان الخوف دائماً من إمكانية تحولها إلى أداة سياسية بيد الممولين وصانعي القرارات الدولية تستخدم ضد حقوق ومصالح اللاجئين، فقد اعتبر الفلسطينيين أن إنشاء الأونروا جاء ليخدم هدفين أساسيين: اجتماعي متمثل بتقديم الخدمات، وسياسي بإبراز مشكلة اللاجئين، من هنا يكرر الفلسطينيون مطالبتهم ببقاء الأونروا كشاهد على مأساة اللجوء والتشرد حتى إيجاد حل عادل لهذه المشكلة.
إن أخطر معنى في تسييس الوكالة يتمثل بتصفيتها قبل إيجاد حل عادل وشامل لقضية اللاجئين، وهذا الأمر إن حصل سيكون مؤذياً لا تتوقف سلبياته عند حدود الضرر الاجتماعي والاقتصادي بحرمان اللاجئين من تقديمات الأونروا المتواضعة، بل يتعداه إلى الإضرار بالحقوق الوطنية وفي مقدمتها حق العودة.
وكانت قد بدأت تنكشف طروحات الأونروا الملتبسة والمسيسة مع مشاركة الأونروا في جميع الأنشطة التي تقودها لجنة اللاجئين في إطار المفاوضات المتعددة الأطراف وفي إطار اللجان المنبثقة عنها، تمهيداً لإنهاء أعمالها، وإذا كان من المنطقي أن يكون للأونروا نهاية، فهذه الخاتمة يجب أن ترتبط بانتهاء المشكلة التي وجدت من أجلها وهي حل قضية اللاجئين، أما غير ذلك فلا يمكننا إلا أن نحمل الأونروا مسؤولية التحول في مهماتها من نشاط خدماتي وإغاثة، إلى نشاط سياسي داعم لمسيرة التسوية التي ليست موضع إجماع فلسطيني، لأن محاولة دخول الأونروا كطرف في التسوية وحتى لو كان ذلك من جانب تنموي واقتصادي، فهذا سوف يغري العديد من الأطراف السياسية لدفع الأونروا للمساهمة في الجانب الاقتصادي للسلطة الفلسطينية وانحصارها لاحقاً بها دون الاهتمام بجميع اللاجئين، وهو الجانب الرئيسي المعول عليه دولياً لإنجاح عملية التسوية، من هنا نفهم الحملة الأميركية والأوروبية لدعم برنامج تطبيق السلام وبتركيز مباشر على الضفة الغربية وقطاع غزة.
ما يعزز هذه الاستنتاجات هو أن الجزء الأكبر من موازنة الأونروا يأتي من أطراف دولية لها مصلحة فعلية في إنهاء قضية اللاجئين عبر إلغاء الأونروا.. ونفهم أيضاً الاندفاع التي سرعان ما توقف بالهبات والتبرعات السخية للمشروعات السياسية، في وقت تعاني فيه موازنة الأونروا من عجز مالي يهدد وجودها ويضع المشاكل الصحية والاجتماعية والتعليمية في مهب الريح.
كذلك فإن الإعلان عن الخطة المستقبلية للأونروا بتسليم خدماتها للسلطة الفلسطينية وللدول العربية المضيفة بهدف إلغاء الوكالة لذاتها، عبر طرحها منذ عام 1996 برنامج مواءمة الخدمات بين الطرفين لتصل إلى درجة التماثل في الخدمات، يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول بدائل تسعى الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة ومن خلفها الكيان الصهيوني.
إن تنمية مجتمع اللاجئين تحتاج لتمويل مشروعات تحسين البنية التحتية، خصوصاً في الضفة والقطاع لاستيعاب النازحين العائدين إليها، وتطوير شروط حياة اللاجئين المقيمين فيها، إضافة إلى إيلاء الأهمية الملائمة لمخيمات اللجوء خصوصاً في لبنان، لذا إن المطلب الأكثر واقعية وسهولة هو الدعوة لدمج موازنة برنامج تطبيق السلام في موازنة الأونروا، كونها تستحوذ على كل ما تقدمه الدول المانحة من هبات وإنفاقها على التقديمات الاجتماعية للاجئين وليس على مشاريع سياسية لا تمت للاجئين بصلة من نمط المساعدات المقدمة لأجهزة سلطة الحكم الذاتي، وذلك على حساب الموازنة العامة للأونروا.
إن المعيار الحاسم بالنسبة للاجئين هو مسؤولية المجتمع الدولي عن هذه القضية ويجب أن يتكرس ذلك بتخصيص مبلغ ثابت لوكالة الغوث من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة كبقية هيئاتها، كي لا تتأثر بالمزاج السياسي والظروف السياسية، وتخرج وكالة الغوث من دائرة التجاذبات التي تتعرض لها دائماً.
إن تسييس برامج وعمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" يتخذ منحاً خطيراً اليوم بعد الضغط الغربي لإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وإلغاء حقهم بالعودة.
المصدر: القدس نيوز (سامر السيلاوي)