
تقرير- لاجئ نت|| الثلاثاء، 11 تشرين الثاني،
2025
يشهد مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين في شمال
لبنان منذ أسابيع إغلاقاً جزئياً قاسيا للعديد من مداخله الرئيسية، ما تسبب في شلّ
حركة الأهالي وأدخلهم في دوامة من المعاناة اليومية.
الإغلاق الذي اتُّخذ تحت ذرائع أمنية، حوّل
حياة أكثر من 30 ألف لاجئ فلسطيني إلى ما يشبه الحصار، حيث صارت التنقّلات داخل
المخيم وخارجه مهمة شاقة، خاصة لكبار السن والمرضى والطلاب.
الطرقات التي كانت تعجّ بالحياة والحركة
اليومية باتت شبه خالية، فيما تصاعدت الاحتجاجات الشعبية خلال الأيام الماضية
رفضًا لاستمرار هذا الواقع الذي يصفه الأهالي بـ”العقاب الجماعي”.
أصوات من داخل المخيم: "نعيش في عزلة خانقة”
في مشهد يختصر المعاناة، وقفت الحاجة أم محمود
من حي خليل الرحمن، تصف الإغلاق بأنه "ظلم ما إلو مثيل”: "صرنا نعيش بعزلة تامة. إذا بدنا نروح عالسوق
بدنا نمشي نص ساعة، وإذا حدا مرض بدنا نمشي مسافة كبيرة حتى نلاقي سيارة. المريض
ممكن يموت قبل ما يوصل على المستشفى”.
وتضيف بحزن: "حتى العلاقات الاجتماعية انقطعت،
صار أخوي ساكن تحت وما بقدر أشوفه إلا بالسيارة. بدنا بس طريق صغير نمشي منه.
الحياة لازم تكمل”.
التعليم في دائرة المعاناة
يُعدّ قطاع التعليم من أكثر القطاعات تضررًا
جراء الإغلاق.
فقد أشار عدد من أولياء الأمور إلى أنّ طلاب
مدارس الأونروا والروضات يواجهون صعوبات كبيرة للوصول إلى صفوفهم بسبب الحواجز
والإغلاقات وأشار: "الطريق اللي كانت تاخد دقيقتين صارت ربع ساعة من طريق الجبل،
طريق خطر وصعب خصوصاً على الأطفال. في طلاب صاروا يتأخروا، وأهالي ما بقى قادرين
يدفعوا كلفة نقل إضافية”.
ويضيف بحسرة: "الإغلاق مش بس مأثر على التعليم،
مأثر على النسيج الاجتماعي كمان. بيني وبين جاري صار في حيط، كأننا بعيشين بمنطقة
محتلة”.
بعدٌ إنساني غائب... وتعاطٍ أمني بارد
من جهتهم، يرى سكان المخيم أن التعاطي مع
الأزمة يجري من منظور أمني بحت دون مراعاة للبعد الإنساني والاجتماعي.
يقول أحد الناشطين في المخيم: "صار التعامل
معنا كأننا خطر أمني، مش بشر. الإغلاق مسّ حياتنا اليومية بكل تفاصيلها. ابننا حتى
يروح على المدرسة صار يمشي كيلومتر كامل. واللي بدو يراجع الأونروا أو يروح
عالجامعة صار يتعذب”.
ويتابع بغضب: "نحنا ما ضد الأمن، بس بدنا
إنسانية. بدنا ممر للمشاة. بدنا حلّ ما يخنقنا”.
ويؤكد أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى
انفجار اجتماعي داخل المخيم إذا لم تُتخذ خطوات عاجلة لمعالجة الأزمة.
الأونروا في دائرة الانتقاد
في خضم هذه المعاناة، يوجّه الأهالي انتقادات
حادّة لوكالة الأونروا بسبب ما يعتبرونه "غياباً تاماً” عن المشهد.
يقول ابو احمد وهو لاجئ فلسطيني من المخيم
منتقداً الأونروا:"الأنروا اليوم ما عم تسأل عن الشعب الفلسطيني، ولا سائلين عنا
1%. كأننا مش موجودين. نحنا مش طالبين مصاري، طالبين وقفة إنسانية حقيقية معنا”.
ويطالب الأهالي الوكالة بلعب دور وساطة مع
الجهات اللبنانية لتخفيف آثار الإغلاق وتأمين مرورٍ آمن للسكان، بدل الاكتفاء
بالبيانات الباردة.
تأثيرات اقتصادية واجتماعية عميقة
لم يقتصر أثر الإغلاق على التنقل والتعليم، بل
امتدّ إلى الجانب الاقتصادي والاجتماعي داخل المخيم.
أصحاب المحال التجارية يقولون إن الحركة
الشرائية تراجعت بنسبة تزيد على 60%، فيما توقفت بعض الورش الصغيرة عن العمل بسبب
صعوبة إدخال البضائع والمواد الأولية.
كما انعزلت العائلات عن بعضها البعض، وتراجعت
الزيارات العائلية والمناسبات الاجتماعية، ما عمّق الشعور بالعزلة والانفصال عن
المحيط الخارجي.
إحدى السيدات قالت: "صرنا نحس حالنا داخل جدار،
ما فينا نطلع ولا نشوف حدا. حتى الأولاد صاروا يخافوا يروحوا لوحدهم”.
مطالب واضحة وحلول ممكنة
رغم تفاقم المعاناة، يؤكد الأهالي تمسكهم
بالحلول السلمية وبالحوار.
مطلبهم الأساسي واحد: "بدنا طريق مفتوح للمشاة،
مش أكثر. خلي السيارات تضل مسكرة إذا بدهم، بس الناس لازم تقدر تمشي وتعيش”.
ويرى الأهالي أن الحل ممكن من خلال فتح ممر
إنساني للمشاة بإشراف الجيش، مع تفعيل التنسيق بين الفصائل الفلسطينية والسلطات
اللبنانية لتأمين الأمن دون المسّ بحقوق الناس في الحركة والعيش الكريم.
نداء مفتوح للضمير الإنساني
إنّ استمرار إغلاق مخيم البداوي لا يعني فقط
تعطيل الطرق، بل هو إغلاق للحياة بكل أشكالها داخل مجتمعٍ يعاني أصلاً من ضيق
الحال وتراجع الخدمات.
فالمخيم اليوم يقف أمام مفترق خطير: إمّا أن
تُفتح الطرق ويُعاد الاعتبار للبعد الإنساني، أو أن تتفاقم الأزمة لتتحول إلى
مأساة إنسانية تهدد استقرار المجتمع المحلي.
ويبقى السؤال المطروح: هل ستسمع الجهات المعنية
صرخة الأهالي وتفتح لهم طريق الحياة قبل فوات الأوان؟