مخيم اليرموك على خط النار.. الحصار والواقع المعيشي
المنهار
العودة / مخيم اليرموك خاص
لم تكن المخيمات الفلسطينية في سورية عامة، ومخيم
اليرموك جنوبي دمشق خاصة، بمنأى عن الأحداث الجارية على الأراضي السورية، فطوال سنتين
من الثورة السورية، قدّم الفلسطينيون ـ كما إخوانهم السوريون، مئات الشهداء والجرحى
والمعت قلين والمفقودين، وتعرضت المخيمات الفلسطينية للقصف والاقتحامات، وكانت ساحات
للمواجهات المسلحة بين قوات النظام السوري وكتائب المعارضة السورية المعروفة بالجيش
السوري الحر.
الحدث الأبرز الذي أسهم في دخول المخيمات الفلسطينية،
وتحديداً اليرموك، على خط الأزمة السورية، كان اختطاف 16 مجنداً من عناصر جيش التحرير
الفلسطيني في منطقة مصياف عام 2012، وإعدامهم ميدانياً، وهم من سكان مخيمي النيرب وحندرات
في حلب شمال سورية.
حينها خرجت تظاهرات عدة في مخيم اليرموك، تنديداً
بهذه الجريمة المروّعة التي تأتي في إطار دعوات مستمرة لتحييد المخيمات الفلسطينية
عن الصراع الدموي في سورية، وتبادل النظام السوري وخصومه الاتهامات حينها بارتكاب هذه
المجزرة.
وكان اليرموك قد شهد قبل ذلك عدة تظاهرات بفعل الخليط المكوّن للنسيج
الاجتماعي لسكان المخيم، الذي يضم آلاف السوريين المناهضين للنظام السوري، فضلاً عن
مشاركة بعض الفلسطينيين في هذه التظاهرات.
أعقبت حالة الغليان هذه في مخيم اليرموك، وتحديداً
في بداية شهر تموز 2012، نزوح مئات الأسر السورية والفلسطينية، من مناطق ملتهبة ومجاورة
للمخيم كالتضامن ويلدا والحجر الأسود، وقد انتقلت من التظاهرات اليومية إل ى المواجهات
المسلحة بين الجيشين النظامي والحر، فتعرضت للقصف بالطائرات وقذائف الهاون.
شكل حينها مخيم اليرموك ملاذاً آمناً للنازحين،
حيث استقبلوا في المساجد ومدارس الأونروا، ومنازل الفلسطينيين، الذين سارعوا إلى جمع
التبرعات من مواد غذائية وأغطية وملابس، كذلك سعت المؤسسات الفلسطينية إلى تجهيز مراكز
الإيواء بكل ما يلزم من وسائل المعيشة، واستمرت هذه الفترة حتى تاريخ 17/12/2012، حيث
قصفت طائرات الميغ السورية مركز إيواء مسجد عبد القادر الحسيني، ومدرسة الفالوجة وسط
مخيم اليرموك، فراح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى، و حصل تدمير كبير في المسجد والمدرسة،
إثر مجزرة مروعة كانت سبباً رئيسياً في نزوح غالبية سكان مخيم اليرموك بهذا الشكل الكبير
إلى مناطق أخرى.
اليرموك تحت النار
شهدت الفترة من 17/7/2012 وحتى بداية شهر كانون
الأول من العام الماضي، سلسلة من عمليات القصف من قبل النظام السوري لمخيم اليرموك،
حيث ارتقى عشرات الشهداء بعد سقوط القذائف والصواريخ على مناطق سكنية بحتة، أبرزها
كانت ولا تزال منطقة حارات الجاعونة وشارع فلسطين، وحي دير ياسين ومنطقة التقدم، ما
أحدث دماراً هائلاً في المباني السكنية والبنى التحتية، والمراكز التعلي مية والمشافي،
ومنها مشفى الباسل وفلسطين وفايز حلاوة.
أعقب ذلك مواجهات مسلحة بين الجيش السوري الحر من
جهة، وعناصر اللجان الشعبية الفلسطينية التابعة للجبهة الشعبية ــ القيادة العامة من
جهة أخرى، في منطقة دير ياسين جنوب المخيم، وحي التقدم، حيث استمرت المواجهات ليومين
أدت إلى سيطرة الجيش الحر على مخيم اليرموك، واحتلال مقر القيادة العامة التابع لأحمد
جبريل في المخيم، وترافق ذلك مع قصف عنيف من النظام السوري على المخيم، أعقبته حالة
نزوح كبيرة لأكثر من نصف سكان المخيم باتجاه المخيمات الأخرى، بعد أن كانت عمليات النز
وح السابقة داخلية بين مناطق اليرموك.
حصار اليرموك
تفرض قوات النظام السوري للشهر الثاني على التوالي
حصاراً خانقاً على مخيم اليرموك، حيث تمنع إدخال الطحين والمازوت والغاز والمواد الغذائية،
ما أدى إلى تدهور في الحياة المعيشية لمن بقوا داخل المخيم، حيث يعاني ا للاجئون نقصاً
كبيراً في مادة الخبز، ونقصاً في المواد الغذائية، وشحّ في المحروقات للتدفئة، حيث
يُجبَر سكان اليرموك على إشعال الأخشاب للتدفئة في ظل البرد القارس وموجة الثلج التي
ضربت سورية خلال الأيام الماضية.
كذلك سُجِّلت عشرات حالات القنص بين الفلسطينيين،
عند مدخل المخيم وفي شارع اليرموك وفلسطين، أدت إلى استشهاد العشرات، وانفجرت سيارة
مفخخة في منطقة ساحة الريجة أحدثت أضراراً مادية كبيرة في المنازل والمحال التجارية،
وسيارة أخرى في منطقة محكمة اليرموك.
ويمكن تلخيص الواقع الذي يعيشه مخيم اليرموك اليوم،
وفي ظل استمرار الحصار الأمني والاقتصادي، من خلال الآتي:
قصف واشتباك يومي
يشهد مخيم اليرموك مواجهات يومية بين الجيشين الحر
والنظامي، وخاصة في منطقة شارع الثلاثين، وبداية المخيم من جهة الجسر ودوار البطيخة،
حيث تُغلَق المداخل من المخيم وإليه، ما يشكل خطراً على حياة الفلسطينيين، وقد أدى
ذلك إلى استشهاد العشرات نتيجة أعمال القنص، كالشهيد عمر عدنان مصلح، الذي أُصيب برصاصة
قناص تابع للأمن السوري عند مدخل المخيم بتاريخ 9/2/2013، بالإضافة إلى إصابة 5 آخرين،
بينهم نساء.
كذلك عمليات القصف بقذائف الهاون وراجمات الصواريخ،
مستمرة يومياً تجاه منازل الفلسطينيين، حيث لا تخلو منطقة في المخيم من آثار القصف
والدمار، فضلاً عن ارتقاء عشرات الشهداء، منهم عائلة الريان التي استشهد خمسة من أبنائها
بقذيفة هاون حولتهم إلى أشلاء بتاريخ 6/2/2013، وهم من سكان منطقة التقدم شارع العروبة
جادة 15.
و من أبرز المناطق المستهدفة بالقصف، حيّ المغاربة
وشارع الجاعونة، ومنطقة الـ 15، وحيّ دير ياسين، ومحيط مسجد الوسيم، وحيّ التقدم، وشوارع
اليرموك وفلسطين والمدارس. وهذه المناطق ذات كثافة سكانية كبيرة، حيث تقطنها غالبية
العائلات المقيمة في المخيم.
وشهد مخيم اليرموك أيضاً قصفاً عنيفاً أدى إلى استشهاد
أكثر من 8 مواطنين بتاريخ 6-2، إثر عملية عسكرية "لجبهة النصرة"، أدت إلى
تدمير حاجز الأمن السوري في شارع الثلاثين ومقتل 22 جندياً يتبعون للنظام السوري. وعرف
من شهداء المخيم أحمد الريان ووالدته وشقيقته وابنته، والشقيقان أحمد وبسام مصرية.
الواقع المعيشي
نتيجة للحصار الخانق المفروض على مخيم اليرموك من
قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، واللجان الشعبية العائدة للقيادة العامة،
يعيش أهالي المخيم أوضاعا مأساوية نتيجة النقص الحاد في المواد الغذائية، ومستلزمات
التدفئة من الغاز والمازوت، فضلاً عن ارتفاع أسعار هذه المواد إن وجدت، ما يثقل كاهل
اللاجئ الفلسطيني في ظل انعدام فرص الأعمال الحرة وانقطاع المدخول الشهري للعائلات.
والخبز من أهم المواد غير المتوافرة داخل المخيم،
حيث توقفت جميع الأفران عن العمل، بسبب منع النظام السوري إدخال الطحين والمازوت إلى
المخيم، ما ينذر بكارثة إنسانية في مخيم اليرموك، بسبب استمرار الحصار الجائر، وارتفع
سعر ربطة الخبز من 15 ليرة سورية إلى 100.
أما بالنسبة إلى الخُضار، فقد ارتفعت أسعارها، ويعاني
المخيم مع بداية شهر شباط نقصاً حاداً في الخُضار نتيجة إغلاق مخيم سبينة للاجئين الفلسطينيين
جنوبيّ مخيم اليرموك، الذي يشكل المنفذ الوحيد للمخيم مع الخارج.
وتعاني معظم مناطق المخيم انقطاعاً تاما في الكهرباء،
نتيجة تضرر الكابلات بسبب القصف اليوم، وتقوم ورش العمل والصيانة بإعادة التيار الكهربائي،
رغم ضعف الإمكانا ت، حيث أعيدت الكهرباء إلى منطقة التقدم، فيما تعاني منطقة حيّ دير
ياسين انقطاع الكهرباء للشهر الثاني على التوالي.
والأخشاب هي الوسيلة الأكثر استعمالاً لدى سكان
مخيم اليرموك، للتدفئة في ظل البرد القارس، فضلاً عن الأضرار الصحية للأدخنة المنبعثة
منها.
المراكز الصحية
مشفى فلسطين هو المشفى الوحيد الذي لا يزال يعمل
بين المراكز الصحية، والذي لم يتوقف عن تقديم الخدمات الإسعافية والعلاجية منذ اشتداد
الأزمة داخل المخيم. إلا أن الإمكانات المتوافرة في المشفى دون المطلوب، حيث يعاني
نقصاً في الدواء والأوكسجين، بالإضافة إل ى قلة الأطباء، وتوقف قسم العمليات الجراحية
في بعض الفترات بسبب انعدام الأوكسجين، مع استمرار قسم التوليد الطبيعي فقط.
وتعرض المشفى للقصف من قبل الجيش السوري النظامي،
واقتصرت الأضرار على الماديات فقط، وشهدت المباني المجاورة له قصفاً أكثر من مرة.
وخلال شهر شب اط، افتُتح مشفى الباسل الذي تعرض
أيضاً للقصف، حيث يستقبل الحالات العلاجية فقط.
كذلك تعرض مشفى فايز حلاوة التابع لجيش التحرير
الفلسطيني للقصف من قبل الجيش السوري النظامي، واستولت جبهة "النصرة" على
معظم المعدات الطبية في المشفى، وهو متوقف كلياً عن العمل.
أما مستوصفات الأونروا، فهي متوقفة عن العمل، وجميع
العيادات الطبية والمراكز الصحية في المخيم مغلقة، وقد غادر غالبية الأطباء مخيم اليرموك.
أما بالنسبة إلى الصيدليات، فغالبيتها تعمل وتقدم
الدواء في ظل نفاد كميات الأدوية، وقلة الإمكانات في إدخال الأدوية نتيجة الح صار.
الخدمات والنظافة
تنتشر القمامة بكثرة في الحارات والشوارع الرئيسية
في المخيم، بسبب توقف بلدية المخيم عن عملها في جمع القمامة والتخلص منها. وقد نفذت
المؤسسات والهيئة الفلسطينية العاملة في المخيم، وهي هيئة فلسطين الخيرية والهيئة الخيرية
لإغاثة الشعب الفل سطيني، حملات نظافة تحت عناوين مختلفة لرفع القمامة بالتعاون مع
سكان المخيم.
الواقع التعليمي
بالنسبة إلى المدارس الحكومية والتابعة للأونروا،
فهي مغلقة للشهر الثاني، نتيجة الوضع الأمني المتردي. كذلك تعرضت كل من مدرسة الفالوجة
ورأس العين للقصف بطائرات الميغ وق ذائف الهاون في وقت سابق.
وافتُتح في مسجد فلسطين خلال شهر كانون الثاني
2013، بمبادرة من مجموعة مدرسين، افتتحت دورات تعليمية لطلبة المخيم.
إحصائيات وأرقام
بناءً على إحصائية خاصة صادرة عن مشفى فلسطين، استقبل
المشفى خلال الفترة ما بين 17/11/2012 حتى 23/1/2013، (514) حالة إسعافية، من مناطق
ومخيمات عدة، منها: مخيم اليرموك، السيدة زينب، الحسينية، السبينة، الحجر الأسود.
المصدر: مجلة العودة، العدد السادس والستون