مخيم اليرموك
الإثنين، 06
نيسان، 2015
ما إن يستفيق مخيم اليرموك جنوبي العاصمة السورية
دمشق من ضربة مؤلمة، حتى يتلقى أخرى، وكأن النكبة والتشرد متلازمين للسكان اللاجئين
في أكبر تجمع فلسطيني خارج فلسطين على الإطلاق.
وتقارب أعداد الفلسطينيين داخل المخيم بحدود ربع
مليون من أصل أكثر من ستمائة وخمسين ألف مواطن فلسطيني مقيم فوق الأرض السورية، منهم
ما يقارب النصف مليون لاجئ منذ العام 1948.
وتأسس مخيم اليرموك عام 1954، بمبادرة من شخصيات
وطنية سورية، عندما قامت الهيئة العام للاجئين الفلسطينيين العرب التي تم تشكيلها عام
1949 لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وبالتعاون مع وكالة أونروا، بإعادة إسكان
اللاجئين الفلسطينيين، بنقلهم من مساجد وجوامع دمشق التي أقاموا فيها لحظة القدوم إلى
سوريا عام النكبة.
ومنذ تسلم حزب البعث السلطة عام ١٩٦٣ مع ما حمله
حينها من أيديولوجيّة ثوريّة حصلت حركات المقاومة الفلسطينية الوليدة على دعم رسمي
ومكشوف، ما شجّع الآلاف من شبان مخيم اليرموك على الانضمام لتلك التنظيمات وفي مقدمتها
حركة فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
واستشهد المئات من شبان المخيم خلال المعارك مع
"إسرائيل" خصوصا خلال اجتياح لبنان عام ١٩٨٢. فقد كان هؤلاء يدخلون الأراضي
اللبنانية بغطاء من الجيش السوري الذي كان يقوم بمهام قوات الردع العربية هناك.
خلاف عرفات والأسد
بعد ذلك وإثر خلاف بين الرئيس السوري حينها حافظ
الأسد وياسر عرفات تعرض اليرموك كما غيره من المخيمات الفلسطينية لضغوط أمنية كبيرة،
حيث اعتقل الآلاف من اللاجئين بتهمة انتمائهم لحركة فتح، وصودرت مكاتب الحركة كما دعمت
دمشق حركات انشقاق قام بها مسؤولون في فتح.
منذ ذلك الحين تراجع دور مخيم اليرموك في العمل
المسلح وكذلك على مستوى الحراك السياسي، لصالح نشاط تجاري انعكس بنهضة اقتصادية لافتة
في أنحائه، وأدى إلى استقطاب عشرات آلاف السوريين للعمل والسكن فيه، وبات تعداد سكان
المخيم يقدَّر بنحو ٨٠٠ ألف شخص غالبيتهم سوريون من سكان الاحياء العشوائية التي اقيمت
على اطرافه.
ورغم كسر الجمود في العلاقات الفلسطينية - السورية
بعد وفاة كل من حافظ الأسد وياسر عرفات إلا أن مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ظلت
ممنوعة من العمل في اليرموك، وهذا ما أتاح المجال واسعاً لنشاط حركتي حماس والجهاد
الإسلامي اللتين انتقلت قيادتاهما إلى دمشق نهاية عام ١٩٩٩.
وانتظم جزء كبير من شبان المخيم في الحركتين خصوصا
حماس التي كان زعيمها خالد مشعل يقطن في مخيم اليرموك قبل أن ينتقل الى مكان آخر نتيجة
تهديدات أمنية إثر اغتيالات طالت قيادات في الحركة داخل دمشق.
ومنذ بدء الثورة ضد نظام الرئيس بشار الأسد واتضاح
التمايز بين حركة حماس والنظام السوري لرفضها دعمَ أسلوبه في التعامل مع الحراك الشعبي،
ما حدا بقيادة الحركة لاحقا إلى مغادرة سوريا، ظل تمثيل اللاجئين الفلسطينيين غير محسوم
سياسيا لجهة أو لأخرى.
القيادة العامة وملء الفراغ
واستغل تنظيم الجبهة الشعبية القيادة العامة
(الذي انشق عن الجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش ولاحقا أحمد سعدات الذي تعتقله إسرائيل)
الداعم للنظام السوري لملء الفراغ في اليرموك ونشر عناصره لحماية المخيم ومنع الجيش
السوري الحر من دخوله على ما يقول في بياناته.
إلا أن ذلك لم يحل دون استهدافه عدة مرات من قبل
القوات الحكومية بعد نجاح الجيش الحر في دخول أطراف المخيم من جهة حي الحجر الأسود
إلى الجنوب وحي التضامن إلى الغرب حيث تنشط مجموعات الجيش السوري الحر منذ شهور، وأدى
ذلك إلى سقوط عشرات الشهداء في مخيم اليرموك، فيما وثقت مصادر فلسطينية استشهاد أكثر
من ٧٠٠ فلسطيني منذ بدء الأزمة في سوريا.
وفي السادس عشر من ديسمبر/ كانون الثاني استُهدِف
المخيم بصاروخين في غارة جويّة وذلك للمرة الأولى على الإطلاق، وقد أنكر النظام السوري
المسؤولية عن قتل وجرح العشرات جرّاء القصف الذي اتهم به تنظيم جبهة النصرة المرتبطة
بالقاعدة، لكن سكان المخيم بدأوا رحلة نزوح جديدة في اتجاهات متفرقة شبيهة بتلك التي
قادت أجدادهم وآباءهم الى مخيم اليرموك.
وفقد المخيم أكثر من ثلثي سكانه الذين فروا لمناطق
أخرى داخل سوريا، أو لجأوا إلى دور الجوار، بسبب الأحداث داخل البلاد، لكن المخيم نفسه
كان ملجأ لكثير من أهالي ريف دمشق وأهالي أحياء العاصمة دمشق التي تعرّضت للقصف، كمدن
ببّيلا ويلدا في الريف وكأحياء التضامن والحجر الأسود والقدم والعسالي وغيرها منذ تصاعد
الأزمة في 2011.
وبعد فترة أعلنت قوات المعارضة والجيش الحر سيطرتها
على شارع الثلاثين، الشارع الواصل بين المخيم وحي الحجر الأسود، ثمّ تعرّضت الأبنية
المطلة على هذا الشارع إلى قصف عنيف من قبل الدبابات دمّر أجزاء منها، خصوصاً أن هنالك
ثكنة عسكرية تابعة لقوات النظام قرب المخيم مقابل جامع سفيان الثوري الواقع في حيّ
القاعة.
ويعود أصل سكان مخيم اليرموك في سوريا إلى مناطق
الشمال المحتل عام 1948 في الجليل وعكا وصفد وحيفا وطبريا ومنطقة غور الحولة، وقليل
منهم يعود إلى مدن يافا واللد والرملة ومناطق قطاع غزة.
ويتمركز اللاجئون الفلسطينيون في ما يعرف بـ(لب
المخيم) بينما يسكن فيه ويحيط به أكثر من مليون مواطن سوري من مختلف مناطق سوريا من
أقصاها إلى أقصاها، مما جعله على احتكاك مباشر بالأوضاع في سوريا، والتي لم يستطع الانفكاك
عنها.
وتأثر المخيم بالأحياء السكانية السورية (الأحياء
الشعبية أو ما بات يُعرف بالعشوائيات) التي تحيط به، وهي كانت ومازالت أحياء مُلتهبة
في سياق الأزمة الداخلية السورية، وتُحيط بالمخيم من كافة الجهات تقريباً عدا الشمال
منه المفتوح على حيي الزاهرة والميدان.
ومنذ اقتحام تنظيم الدولة الإسلامية المخيم الأربعاء
الماضي، وصل الوضع الإنساني في المخيم إلى حد سيئ للغاية في ظل استمرار الاشتباكات
والحصار الذي تفرضه قوات النظام السوري منذ نحو ثلاث سنوات.
المصدر: وكالة صفا