مخيم بلا مقبرة.. لا مكان للأموات في نهر البارد
الثلاثاء، 10 نيسان، 2012
لا تكفي معاناة أهالي مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان. فهذه المعاناة تشمل الطوق الأمني اللبناني الرسمي وعدم بناء منازل، وترك المهجرين في مكعبات حديدية، والتضييق على المؤسسات.
واليوم برزت معاناة أخرى تمثلت بعدم وجود مقبرة لدفن موتى المخيم، وهو ما دفع الأهالي إلى تنظيم اعتصامات وتحركات، وقاموا بمناشدات لحل هذا الموضوع.
أزمة مستمرة
أُصيب مخيم نهر البارد إصابة بليغة في 2007/5/20، في الأحداث المدمّرة والدامية بين الجيش اللبناني وتنظيم فتح الإسلام. انتهت الحرب رسمياً في 2007/9/3، لكن الألم الذي نتج منها وأصاب سكان المخيم لم ينته بعد.
ثمة مشكلات كبرى يعانيها سكان مخيم نهر البارد؛ فالبطء المريب في عمليات الإعمار، والحالة الأمنية التي تلف المخيم، وحالة الركود الاقتصادي والبطالة والمشاكل الاجتماعية الناتجة من كل ذلك، كلها قضايا تصيب إنسانية سكان المخيم في الصميم.
من المشاكل الجديدة في المخيم، مشكلة المقابر. في مخيم نهر البارد ثلاث مقابر: المقبرة القديمة، مقبرة الشهداء الخمسة، ومقبرة خالد بن الوليد. المقبرة القديمة ومقبرة الشهداء الخمسة امتلأتا، ولم يعد بالإمكان دفن أي ميت فيهما. مقبرة خالد بن الوليد تكاد تمتلئ بالقبور، لم يبق إلا مكان لعشرة أموات فقط، أي عشرة قبور. وقد وصلت القبور إلى مكان التعازي. ومن المتوقع أن تمتلئ هذه المقبرة خلال شهرين في أبعد تقدير.
في القضية بعض التفاصيل المهمة. قديماً تركت منظمة التحرير الفلسطينية مساحات وعقارات واسعة لدائرة الأوقاف الإسلامية السنّية. اليوم يحتاج الفلسطينيون إلى قطعة أرض صغيرة لدفن موتاهم. رفعت فاعليات المخيم السياسية ومنظمات المجتمع المدني رسالة عاجلة إلى دائرة الأوقاف الإسلامية للمساعدة في إيجاد قطعة أرض. وقد وعدت دائرة الأوقاف "بمنح” قطعة أرض بمساحة 1000 متر مربع من العقار رقم 36. لكن بما أن مخيم نهر البارد لا يزال يُعَدّ منطقة عسكرية، فإن إذن قيادة الجيش اللبناني بالسماح لاستخدام قطعة أرض لدفن موتى سكان مخيم نهر البارد أمر حاسم في القضية. وثمة اتصالات سياسية رفيعة المستوى يقوم بها مسؤولون فلسطينيون مع قيادة الجيش اللبناني بشأن هذه القضية.
أما مقبرة الشهداء الخمسة، فإنه بعد المسح الهندسي، تبين أنه يمكن الاستفادة من مساحة 670 متراً مربعاً تقريباً هي في الأصل جزء من مساحة المقبرة الأصلية. ويدفن بعض السكان موتاهم فوق رفات أموات سابقين.
إن الحلول الواردة أعلاه هي حلول جزئية وترقيعية، وتحل المشكلة لبعض الوقت. إن الحل الأمثل يكون بشراء قطعة أرض تكون مساحتها مقبولة تتعدى 3000 مربع، تكفي لعدة سنوات لحين عودة اللاجئين الفلسطينيين، ومنهم سكان مخيم نهر البارد إلى قراهم ومدنهم إن شاء الله تعالى.
هكذا يرى مدير مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان محمود حنفي.
متاهات إدارية
في التاسع والعشرين من شهر كانون الثاني من عام 2009، استملك مجلس الإنماء والإعمار التابع لوزارة الأشغال اللبنانية العقار رقم 36 المحاذي للمقبرة الوحيدة في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، أي بعد انتهاء معارك مخيم نهر البارد التي اندلعت بين تنظيم «فتح الإسلام» والجيش اللبناني فجر يوم الأحد 2007/5/20.
تقول اللجنة الشعبية للمخيم إن مؤسسة أبناء شهداء فلسطين «صامد» هي التي ملَّكت العقار لمجلس الإنماء والإعمار، بعد أن كان ملكاً للأوقاف ولمنظمة التحرير الفلسطينية، ولم تنجح المساعي التي قامت بها اللجنة الشعبية باتجاه دائرة الأوقاف الإسلامية لثني قيادة الجيش اللبناني عن الاستفراد باستخدام العقار، على اعتبار أن مقبرة مخيم نهر البارد الحالية ضاقت بموتاها ولم يبق سوى تسعة قبور فقط لاستيعاب الموتى. بعد ذلك، تبلغ المشكلة الإنسانية ذروتها بعدم وجود أماكن إضافية لدفن الموتى، الأمر الذي سيرفع من وتيرة الاحتقان لدى اللاجئين الفلسطينيين، لا على مستوى نهر البارد فقط، بل أيضاً على مستوى التوزيع الجغرافي والديموغرافي للوجود الفلسطيني في لبنان.
ويبقى أن نشير إلى أن منهجية الحكومة اللبنانية في استملاك الأراضي ليست بالجديدة؛ إذ عملت على استملاك أرض مخيم نهر البارد القديم الذي يشاد عليه الآن المخيم الجديد مباشرة بعد انتهاء المعارك في عام 2007، وبعد ذلك عملت الحكومة على تأجيره إلى الأونروا ليشاد عليه المخيم الجديد. وتسعى الدولة إلى استملاك الاراضي في البقعة المحيطة بالمخيم؛ إذ تعدّها الدولة (توسعات غير نظامية) ينبغي احتواؤها على قاعدة بناء المخيم النموذجي في المستقبل الذي سيمثّل حالة ستُعمَّم على بقية المخيمات، وما كان استملاك العقار رقم 36 إلا ليأتي في هذا السياق، وما يجري هو عملياً تطبيق لما ذكرته لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني على موقعها الإلكتروني بأنه «تم الاتفاق بين جميع الأفرقاء المعنيين على وضع مخيم نهر البارد تحت سيادة الدولة اللبنانية، فلأول مرة منذ أربعة عقود ستمارس الحكومة سلطتها على مخيم فلسطيني، الأمر الذي يمهد الطريق أمام بسط السلطة على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الأحد عشرة الأخرى؛ إذ إن الحكومة تنوي تحويل برنامج استنهاض وإعادة إعمار مخيم نهر البارد إلى نموذج لباقي المخيمات»، وكذلك تطبيقاً لما ورد في «مؤتمر الدول المانحة لاستنهاض وإعادة إعمار مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين والمناطق المتضررة من المعارك في شمال لبنان» في فيينا في حزيران/ يونيو 2008؛ إذ أشارت إحدى الفقرات حرفياً إلى «أن العلاقات التكافلية للتجمعات التي تعيش في «المخيم الجديد» خلقت توسعات غير نظامية لمخيم نهر البارد؛ فكثيرون من سكان المخيم الذين انتقلوا إلى المخيم الجديد يتمسكون بادعاءات ضعيفة بحقهم في الأرض وفي مرافق سكنية وأصول أجتماعية أخرى موجودة خارج حدود أراضي المخيم، والقانون اللبناني منذ سنة 2001 يمنع اللاجئين الفلسطينيين من امتلاك أراضٍ أو انتقالها اليهم بالوراثة. واستناداً إلى هذه القضايا، فإن إعادة تأهيل المرافق السكانية والاتصال بخطوط الخدمات ومصادرة الأراضي والتعويض عن الأملاك المتضررة والمفقودة في منطقة «المخيم الجديد» تطرح تحدياً معقداً، وبهذا تُعَدّ مشكلة استملاك العقار رقم 36 أبعد من حرمان اللاجئ الفلسطيني أن يجد مكاناً يدفن فيه موتاه، ليتعداه وفق خطة منهجية إلى احتواء جميع الأراضي المملوكة للفلسطينيين في منطقة البارد وتسخيرها لحاجات المخيم النموذجي في المستقبل.
يقول علي هويدي مدير مؤسسة ثابت في لبنان «إن المقبرة هي حق إنساني لأهالي المخيم، ولا بد من توفير مكان للدفن، ولا يجب إيجاد أعذار أو مبررات».
رأي حماس
أسباب الموت في نهر البارد كثيرة ومختلفة عن غيرها، في الوقت الذي تمتلئ فيه المقابر بكبار السن. يشهد مخيم نهر البارد عدداً كبيراً من الوفيات من فئة الشباب، فمن بين سبع عشرة جثة دفنت في شهر واحد، هناك جثتان فقط بين الخمسين والستين سنة من العمر، والبقية لا يتجاوز أي واحد منهم الأربعين سنة. وبات متوسط أعمار الوفيات في المخيم 35 سنة.
وفي ظل تسارع وتيرة الوفيات، فإن التفكير بمقبرة جديدة ضروري، فكيف إذا كان الدفن في مقبرة المخيم قد بدأ في القبور القديمة؟!
وهذه القضية هي عامة في المخيمات الفلسطينية في لبنان، ولكن حساسية موقع مخيم نهر البارد، وسيطرة الجيش اللبناني على الأراضي التي يمكن استخدامها لهذه المهمة عقّدت الأمر، وبات يجب البحث عن حلول أخرى.
يقول ياسر عزام مسؤول ملف اللاجئين في حركة حماس:
«نحن في حركة حماس تحركنا في أكثر من اتجاه، وتواصلنا بالتحديد مع لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، الموكلة إليها متابعة الشأن الفلسطيني في لبنان، وتوصلنا إلى أن الجيش اللبناني الذي يضع يده على أرض صالحة لتكون مقبرة المخيم، وهي ملك لدائرة الأوقاف الإسلامية التابعة لدار الفتوى، وبالتالي فإن دار الفتوى يمكنها المطالبة بها أو المطالبة بأرض بديلة».
أضاف: «وقد قدمنا عدة اقتراحات وبدائل في مختلف المستويات، وبالتالي فإننا نتابع القضية على مستوى الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني ودائرة الأوقاف الإسلامية. وقد بات من الضروري والملحّ حلّ هذه المشكلة عبر إيجاد أرض بديلة، وأن يتم الاتفاق بين الجيش والحكومة ودار الفتوى على إعادة الوقف وتخصيصه لأموات المسلمين من أهالي منطقة نهر البارد والجوار. فكما أن قانون الأحوال الشخصية للأحياء هو مسؤولية دار الفتوى، فإننا سنلجأ إلى دار الفتوى لإيجاد حل لأحوال الأموات أيضاً».
المصدر: رأفت مرّة – مجلة العودة العدد الـ55