مخيم جباليا.. شاهدون على المأساة
ينتظرون العودة
جباليا-المركز الفلسطيني للإعلام
يغمر مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع
غزة، مزيج من العراقة والحداثة، أعماق التاريخ الأولى تفوح على أعتابه، لتخبر عن
قصص معاناة وآمال اللاجئين الأوائل الذين هجّرهم الاحتلال من بلادهم عام 1948.
تتهافت أقدام الزائرين للمخيم على شوارع وأزقة
مكتظة بالسكان، تجذبهم فيها ملامح اللاجئين التي يشع منها بريق, يتأملون جوانب
الطرقات في المخيم، وتهفو قلوبهم في ذكرى النكبة الـ65 نحو العودة إلى مدنهم
وقراهم.
وتزامن تأسيس المخيم مع سنوات النكبة
الأولى، وتشتت أهل البلاد في مخيمات اللجوء بعيدًا عن أرض الآباء والأجداد، حيث
طُردوا من ديارهم واستقروا في مخيمات صغيرة ما يزالوا يجترون الذكريات فيها، وإلى
جهة الديار تهفو قلوبهم وأنظارهم.
ويقول اللاجئ خليل كتكت إنّ
الفلسطينيين يعيشون داخل المخيم أوضاعا صعبة للغاية بسبب ضيق المخيم وازدحامه،
يروي هذا الحاج تفاصيل المخيم وما يزال يذكر كرم أرضه في بلدته الفالوجة، يُمزّقُ
قلبه الحنين عندما يجلس أمام عتبة منزله لارتشاف فنجان قهوته المرّة، "إلا
أنّ مرارة التهجير لها طعم مختلف عندما تسمع من أجدادك مشاهد تثير في نفسك الألم
وذكريات وقصص الماضي".
مرّت الأيام وتغيرت ظروف سكان مخيم
جباليا، وانشغل كل واحد منهم في همومه وعمله، لكن ذكرى الأيام ومشاهد المخيم
الأولى بقيت راسخة في عقل الحاج كتكت، ولم تُمح قصص التهجير من عقله.
أكبر كارثة
الذكريات والمشاهد لم تزل تشق طريقها في عقل كتكت
منذ سنين طويلة، لجلوسه مع الكثيرين من اللاجئين الذين طحنهم مسلسل القتل والنزوح
والهجرة القسرية، ليصف تلك المشاهد بأكبر كارثة حلت بالفلسطينيين، متأملاً العودة
لبلدته ومنزله الذي ما يزال يذكر معالمه جيدا.
ويقول الثمانيني كتكت لمراسل
"المركز الفلسطيني للإعلام" إنّه يمتلك أكثر من 100 دونم في بلدته
الفالوجة، مزروعة بالشعير والعدس والحلبة وبعض أنواع الخضروات، وإن لم أستطع
العودة إليها والتمتع بها، فسيعود إليها أبنائي وأحفادي".
ويصف تفاصيل التهجير بالقول
"تعرضت البلدة لهجوم من قبل العصابات الصهيونية، حيث تشكلت مقاومة شعبية من
أهل القرية، وجهزنا المدافعين عنها، لكن حجم مقاومتنا مقارنة بعتاد العدو كان
ضعيفا، فهاجر الأهالي خوفا على أنفسهم من القتل والذبح، وكنت من أواخر من خرجوا من
القرية".
ويُعد مخيم جباليا أكبر مخيمات
اللاجئين الثمانية في قطاع غزة، ويقع المخيم إلى الشمال من غزة بالقرب من قرية
تحمل ذات الاسم، ويقطن فيه حوالي 108,000 لاجئ مسجل يعيشون في المخيم الذي يغطي
مساحة من الأرض تبلغ فقط 1,4 كيلومتر مربع، وهو مكتظ بالسكان بدرجة كبيرة، وذلك
يعد أحد الهموم الرئيسة للقاطنين فيه.
ويعاني مخيم جباليا الأمرّين، تهجير
سكانه من أراضيهم عام 1948، والازدحام السكاني في البقعة الصغيرة التي يقطنون
فيها، يقضون سنوات عمرهم في مستنقعات من وحول البؤس، طُمست معالمُهم على أركان
المخيم التي تأكل وتفتك بما تبقى من أجسادهم، لكنّهم ينتظرون العودة في كل وقت.
وما يزال الحاج ذرعان الوحيدي يذكر
تفاصيل المعاناة التي حلت بقريته "المخيزن"، حيث رحل منها إلى المسمية،
"ثم بعد أن هجم اليهود على المسمية هاجرنا تحت التهديد، وكان المصريون يقومون
بتأمين طريق المجدل، حتى وصلنا جباليا فاستقررنا فيها".
ويؤكد الوحيدي (83 عاما) في حديث
لمراسلنا تمسكه بحق العودة رغم كبر سنه، مبينًا أنّ مقولة الاحتلال "الكبار
يموتون والصغار ينسون" باطلة لأننا نزرع كل يوم في روح أبنائنا حب الوطن
والمقاومة من أجل الدفاع عنه.
ويأمل الوحيدي وكتكت كآلاف اللاجئين
أن تنتهي آلامهم داخل مخيم جباليا الذي ترتفع فيه أعداد اللاجئين تباعًا وتتقلص
فيه محطات الإيواء كل يوم، وألا تشرق شمس العام القادم على مخيماتهم؛ وفيها بيت
لاجئ فلسطيني ينتظر المصير.