مخيم عين الحلوة تحت رحمة السلاح و«مطلوبين»... والمرجعية السياسية الموحدة غائبة
الثلاثاء، 10 كانونالثاني، 2012
مع اقتراب ساعات الليل، تخلو الشوارع والطرقات في مخيم عين الحلوة من المارّة، الأم توصي ابنها بالعودة مسرعاً بعد شرائه حاجات ضرورية. السوق (مسرح الجريمة الثانية) كان يعج بالمشترين حتى وقت متأخر، يكاد اليوم ينعدم من زواره، فالمحال أصبحت تغلق باكراً والمسلحون منتشرون في «مربعاتهم» الأمنية.
من السهل ربط ما جرى أخيراً ويجري عادة في مخيم عين الحلوة بالأحداث السياسية في لبنان والمنطقة، لكن من الصعب إثبات ذلك على أرض الواقع. وفي الرقعة الصغيرة من الأرض تدور صراعات بين منظمات وقوى فلسطينية لها امتدادات خارج حدود المخيم.
قبل 3 أسابيع اغتيل مرافق لمحمد عيسى قائد الكفاح المسلح والمعروف بـ «اللينو»، وكانت التهم موجهة نحو مجموعات اسلامية مسلحة من بقايا «جند الشام» و «فلول فتح الاسلام». وغضب حركة «فتح» ترجم إلى إطلاق النار على مناطق محسوبة على تلك المجموعات وفي الهواء وباتجاه بعض المباني والأحياء.
بعد ثلاثة أيام اغتيل عامر فستق، مرافق ثانٍ للينو، الذي تحدث عن وجود معطيات وبصمات جديدة توصله إلى الفاعلين متوعداً بالكشف عنها، من دون أن يتهم بقايا «جند الشام» كما فعل في المرة الاولى.
وبعد أسبوع على اغتيال فستق تمت تسمية متهم، هو عبدالله الغزي المحسوب على العميد منير مقدح قائد المقر العام لفتح، بأنه الفاعل، فيما استمر الغموض يكتنف ملابسات الاغتيال الأول، وجرى تسليمه الى استخبارات الجيش اللبناني بعدما سلّم نفسه إلى الكفاح المسلح، وقال اللينو إنه اعترف بمسؤوليته عن الاغتيال.
إلا أن استخبارات الجيش أفرجت عنه بعد التحقيق معه وتبين أنه بريء من التهمة. ويقول ابو بسام مقدح، مسؤول لجنة المتابعة في هذا الصدد، إن الغزي تعرض للضغط والتعذيب وأجبر على الاعتراف، الامر الذي نفاه اللينو.
أعادت تبرئة الغزي الأمور إلى الصفر من الناحية القضائية، لأن القاتل لا يزال مجهولاً في الاغتيالين، لكن الصراع في المخيم بين التنظيمات أخذ مساراً آخر، اذ اتجهت الأنظار إلى ما يحدث داخل حركة «فتح» والتنافس الحاصل فيها، بعدما كانت تترقب صراعاً آخر بين الحركة وإسلاميين بغض النظر عن الفاعل والمستفيد. لا شك في أن اتهام عنصر فتحاوي أراح القوى الإسلامية المسلحة، ومن بينها بقايا «جند الشام» التي وُجهت الاتهامات اليها في البداية، لتبدو المشكلة وكأنها تنافس على مناصب تنظيمية داخل حركة «فتح»، ما أدى إلى صرف النظر عنها ولو لفترة وجيزة.
لكن منير مقدح أكد لـ «الحياة» أن القوى والفصائل الفلسطينية تعرف الفاعل، وتساءل لماذا لا يقومون بالكشف عنه، قائلاً «إنهم عاجزون عن القيام بما يلزم». ويضيف أن أطرافاً خارجية تعمل على استغلال أي توتر يجري داخل المخيم لجرّه الى فتنة بين أبنائه.
وأكد اللينو لـ «الحياة» أن هناك من يريد إزاحته بل واستبعاده من المناصب القيادية بعد تسلّمه منصباً سيادياً في الحركة، هو قيادة الكفاح المسلح. ويتوافق تصريحه مع ما تتوقعه قيادات فلسطينية من أن «في حركة فتح من يرى أن اللينو غير مؤهل لتولي تلك المناصب الحساسة بسبب سنّه وخبرته ويعملون جاهدين على تعريته». لذلك يعمل اللينو على حل داخلي، مشيراً «إلى أنه سيرفع ما لديه من أدله وادعاءات وشهود إلى قيادة الحركة على مستوى لبنان، تاركاً القرار لها».
لكن هل من أراد «إضعاف موقف» اللينو قام باغتيال مرافقين له في ثلاثة أيام؟ أم أنه قام باغتيال فستق مستغلاً حادثة الاغتيال الاولى التي لا تزال لغزاً أيضاً؟
البداية: حادثة فردية
يلفت مصدر ميداني إلى أن الاغتيال الأول لـ «أشرف القادري» جاء على خلفية حادثة ثأرية، متهماً القادري بأنه صاحب سوابق لا علاقة لها بالصراع الدائر بين التنظيمات، وأن الاتهامات التي اطلقت باتجاه مجموعات «جند الشام» من دون دليل جاءت للتغطية على الحادثة.
كذلك تجمع القيادات داخل المخيم على أن صوت الرصاص والقذائف التي تبعت الاغتيال لم يكن جراء اشتباك بين طرفين، بل بسبب رد فعل «خاطئ» لعناصر من حركة فتح عندما فتحوا النار عشوائياً غاضبين على مقتل المرافقيْن. وعدم الرد على مطلقي النار جنّب المخيم معركة حقيقية. ويوضح مسؤول أحد التنظيمات الكبيرة، أنه تم إطلاق قذيفتي «آر بي جي» باتجاه مسجد الصفصاف التابع لعصبة الأنصار من حاجز لحركة فتح على المدخل الشمالي يليه حاجز للجيش اللبناني. فلو تم الرّد على الحاجز الفتحاوي، فإن ذلك سيصيب حاجز الجيش الذين يبعده بأمتار قليلة. ويعترف المقدح بأن الإسلاميين هم من استوعب انجرار حركة فتح نحو الاقتتال، بعدم الرد بعد تصويب البنادق عليهم. أما اللينو فأقرّ بوجود تيار داخل «فتح» خارج عن السيطرة يتهمه البعض بأنه مدعوم من محمد دحلان القيادي السابق في الحركة.
لدى «فتح» مرجعيات متعددة. ففي عين الحلوة أربع أذرع تنظيمية منفصلة على الارض، وكلها لا تتبع قيادة الحركة في ساحة لبنان، وهي: الكفاح المسلح وقوات الأمن الوطني وتنظيم حركة فتح والمقر العام الذي انبثق عنه كتائب شهداء الأقصى.
حرب أمنية مستمرة
يعيش المخيم على وقع حرب أمنية تدور رحاها في حدود كيلومتر مربع واحد يوجد فيه 18 فصيلاً معظمهم مسلّح، فتارة تسمع عن استنفار أمني وتارة إطلاق رصاص وإلقاء قنابل كان آخرها في 29 كانون الأول (ديسمبر) على منزل عدي عثمان وهو مرافق للعميد صبحي أبو عرب قائد قوات الأمن الوطني.
وكان شهرا تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الاول الماضيان شهدا نحو 20 حادثة اطلاق نار ووضع عبوات وإلقاء قنابل ليلاً من دون معرفة الفاعلين.
وهناك أيضاً تربص بعض التنظيمات بأخرى، وبعض المطلوبين من جند الشام ينحصر وجودهم في منطقة الطوارئ وهم ممنوعون من التوجه إلى داخل المخيم لأن الكفاح المسلح سيعمل على إلقاء القبض عليهم وتسليمهم إلى السلطات اللبنانية. من جهة أخرى، لا تؤمن «عصبة الأنصار» بمبدأ تسليم المطلوبين إلى الدولة باعتبار أن هناك ظُلماً في السجون ولا يوجد أدنى حق من حقوق الانسان كما أفاد أبو شريف الناطق باسم العصبة لـ «الحياة»، لافتاً إلى أن العدد الأكبر من المطلوبين هو من الحركات الوطنية الأخرى، من ضمنهم قيادات.
ففي ظل الاحتقان الذي ساد المخيم كان لا بدّ من تقديم كبش فداء لتنفيس توتر عمّ المخيم، «فهل كان منير مقدح هو الفداء وعنصره الكبش؟»... يتساءل أحد المطلعين الذي يعتقد «أن اللينو شعر بالخطر على نفسه بعد اتهامه لبقايا جند الشام ودخول منطقتهم وإطلاق النار داخلها، فذهب باتجاه مقدح الخصم والرفيق في الحركة».
أما السلاح الذي كاد أن يشعل المخيم وجواره فهو ما زال فتيلاً بأيدي قوى منها متنافس ومنها متناحر، في حين تغيب عنه الحلول الجذرية حتى اللحظة ويستظل بعباءات تنظيمات ومسميات كثيرة.
ماذا بعد؟
عودة عبدالله الغزي إلى المخيم، واستقباله استقبال الأبطال، خلطا الأوراق من جديد، الأمر الذي جعل المراقبين ينتظرون الحدث المقبل، نظراً لعدم اقتناع بعض الأطراف ببراءة الغزي، واعتبارهم أن تبرئته موجهة ومرتبة من بعض الجهات.
لا يسأل المتابعون الآن هل الوضع سيتأزم مجدداً، بل يسألون كيف سينفجر؟
المصدر: عمر وهبي – دار الحياة