القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

مخيم عين الحلوة في صيدا: الأشد دقة والأكثر تأثيرا بين المخيمات الفلسطينية في لبنان

مخيم عين الحلوة في صيدا: الأشد دقة والأكثر تأثيرا بين المخيمات الفلسطينية في لبنان

النشأة ـ التطور ـ السلاح ـ الحركات والقوى ـ الواقع الديموغرافي والإنساني والقانوني


هيثم أبوالغزلان

إذا كان اللاجئون الفلسطينيون في لبنان يشكلون حالة خاصة، لها خصوصياتها ومميزاتها؛ فإن مخيم عين الحلوة الذي يصفه الكثيرون بأنه "عاصمة الشتات السياسية" تعتبر خصائصه الأشد دقة والأكثر تأثيراً في مجمل حركة اللاجئين.

ورغم الأهمية القصوى والتعقيد الكبير لقضية اللاجئين التي تحتل موقعاً مركزياً في القضية الفلسطينية، فإن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هم الأكثر معاناة، بخلاف اللاجئين الموجودين في دول عربية أخرى. فاللاجئون في لبنان يعانون ويلاقون صنوف التقييد وعدم الحرية، ويعلل المسؤولون اللبنانيون ذلك برفض التوطين!! ويمكن ملاحظة "التمييز الواضح ضد الفلسطينيين بحكم القانون وبحسب الأمر الواقع بالمقارنة مع الأشخاص الآخرين من غير المواطنين فيما يتعلق بحقوق تملك العقار ووراثة الممتلكات العقارية". (1)

كما يمكن "ملاحظة ذلك من خلال القيود الشديدة التي تفرضها الحكومة اللبنانية عل! ى إعادة البناء وتطوير الأبنية في المخيمات، كما يوجد تمييز بحكم القانون وبحسب الأمر الواقع أيضاً فيما يتعلق بالعمل، والحق في الضمان الاجتماعي. وهذا التمييز يخلق بالعلاقة مع حقوق الملكية والإرث، والحق في العمل، أوضاعاً لا يستطيع اللاجئون الفلسطينيون من خلالها التمتع بمستوى معيشة مناسب". (2)

وتظهر تقارير المنظمة الدولية المسؤولة عن رعاية اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" الصادرة في 2004، أن (890,396) لاجئاً فلسطينياً يعيشون في لبنان ويتوزعون على 12 مخيماً معترفاً بها بشكل رسمي، بالإضافة إلى عدد من المدن والتجمعات الأخرى.

نشأة مخيم عين الحلوة

يعتبر مخيم عين الحلوة أكبر مخيمات الشتات مساحةً وسكاناً؛ تكوّن عام 1948، وكان عدد سكانه آنذاك 15 ألف نسمة أكثريتهم من الجليل الأعلى. أما اليوم فيبلغ أقل مجموع لعدد سكانه حوإلى 45 ألف نسمة حسب تقديرات مراكز إحصائية، فيما يقول مسؤولو اللجان الشعبية فيه إلى أن العدد يتراوح ما بين 70 ألف و 75 ألف نسمة. (3)

لا تتجاوز مساحة المخيم الـ0.8 كلم2 كحد أقصى. وإذا كان عدد سكانه هو 45 ألف نسمة يسكنون في مساحة! 0.8 كلم2 فتكون الكثافة السكانية فيه هي 17 نسمة بالمتر المربع الواحد. وهذه نسبة عالية مقارنة بالوجود السكاني في المدن والقرى في لبنان وفي مناطق أخرى من العالم.

ويمنع على الفلسطيني في المخيم التوسع الأفقي والعمودي، رغم حالة التراكم الديمغرافي للفلسطينيين عبر سنوات وجودهم في لبنان. ويبدو من الواضح من خلال مسار طويل للسياسة اللبنانية أن فقدان المرجعية السياسية وضبابية الخطاب الرسمي والإجراءات الإستنسابية التي تضيق على المخيمات تحولت كلها مقومات مثالية لصورة سلبية يظهر بها لبنان في الخارج. وفي الحقيقة يبدو مستغرباً الإصرار اللبناني على التمسك بهذه الصورة كما بسلسلة الإجراءات ذات المردود السلبي. فالسماح بالإعمار وتحسين البنى التحتية ليس انعكاساً لمشروع توطين بقدر ما هو مساهمة فعلية في تنقية البيئة والمجاري المائية والتربة اللبنانية، فالمخيمات ليست مناطق معزولة بل هي متداخلة إعمارياً وبيئياً في الحياة اللبنانية، والأضرار البيئية والصحية المترتبة على أي تلوث في أي مخيم لها مردود وأضرار عامة ليست محصورة ضمن جدران المخيمات. وتحسين ظروف العيش التربوية والصحية بالسماح بالإعمار والحد من الإكتظاظ السكاني داخل المنزل الواحد إنما يجعل من الطبيعي! تغيير نمط العيش في المخيمات... (4)

لكن تبقى الترجمة العملية للكلام المساق مختلفة على أرض الواقع وفي كل النواحي تقريباً؛ لجهة المنع الكامل ومن ثم السماح مؤخراً بممارسة مهن محددة، البطالة المرتفعة، الوضع الأمني، الفقر الشديد، التغيرات الإجتماعية الحادة...

الفقر والبطالة في المخيم

من بين عائلات المخيم تصنّف حوإلى 1400 عائلة (5000 نسمة)، من ضمن حالات العسر الشديد لدى الأونروا، يضاف إلى هؤلاء الفئة المصنفة بفئة (N-R)، وهم النازحون على مراحل بعد النكبة (56،67).

نتيجة لزيادة عدد سكان المخيم، اضطرت عائلات كثيرة إلى البناء العامودي، أو البناء في "الجنينة"، لإسكان ولد متزوج حديثاً، ولتجاوز عن مشكلة الإيجارات وعدم القدرة على شراء منزل جديد في ظل قانون يمنع الفلسطيني من التملك!! وزاد حجم الضغوط على اللاجئ الفلسطيني أكثر في السنوات القليلة الماضية من خلال التوافد الكثيف للعمال السوريين إلى المخيم. وإن كان البعض يقيّم ذلك بإيجابية لناحية تحريك سوق المخيم الاقتصادي، إلا أن العامل السلبي الذي وُجِدَ تمثل برفع سقف أسعار إيجارات المحلات في سوق الخضار، و! كذلك إيجارات المنازل. فأبو عماد صاحب مطعم أداره على مدى خمس سنوات متوا صلة، وبعد حالة الركود الاقتصادي ودخول العامل السوري، قام بتأجير مطعمه للسوريين بمبلغ 450 دولار أميركي، ويقول: "هذا المبلغ آخذه كل شهر بينما عندما كنت أدير المطعم لم أكن في الكثير من الأشهر أحصل عليه".

كما قام الصيدلي أحمد ش، بتأجير صيدليته الواقعة في الشارع التحتاني للمخيم إلى عمّال سوريين بمبلغ خمسمئة ألف ليرة لبنانية شهرياً، وقام هؤلاء بتحويل الصيدلية إلى محل لبيع الألبسة.(5)

هذا الوضع أثّر وبشكل كبير على مجمل الحياة الاقتصادية والأسرية في المخيم؛ فالبعض يقدّر متوسط مدخول الفرد بما يقارب الـ 350 ألف ليرة لبنانية شهرياً أي ما يوازي خط الفقر العالمي. وهذا زاد من معدلات الطلاق وعمالة الأطفال وارتفاع نسبة العنوسة بين الفتيات بسبب ارتفاع سن الزواج لدى الشبان أيضاً. (6)

وفاقم هذا الوضع منع الفلسطينيين من ممارسة أكثر من 70 مهنة، لعدم انطباق قانون المعاملة بالمثل، (7) وعلى مدى عشر سنوات عانى الفلسطينيون من ذلك أشد المعاناة فالبطالة وصلت حد 65% بين صفوف الشباب، وخصوصاً أصحاب الكفاءات الطبية والهندسية وغيرهم. يضاف إلى ذلك تحوّل عدد من الأطباء! والمهندسين عن ممارسة مهنهم إلى ممارسة مهن أخرى "طبيب يعمل سائق تاكسي، ومهندس يبيع الخضار...". ورغم صدور قرار وزير العمل طراد حمادة بالسماح للفلسطينيين بممارسة مهن عديدة كانت محظورة عليهم، إلا أن مفاعيل القرار لم تبرز حتى الآن، ولا يعرف مدى التأثير وهل سيكون كبيراً أم ماذا؟!(8)

خياران أحلاهما مر

أمام هذا الواقع يجد اللاجئ الفلسطيني نفسه أمام خيارين: إما البقاء في ظل أوضاع اقتصادية سيئة وظروف صعبة، وإما الهجرة. وفي الحقيقة ورغم الرغبة التي لمستها لدى العديد من الشبان في السفر إلى الخارج إلا أن مشكلة السماسرة و"النصابين" تجعل هؤلاء حذرين من المغامرة. ففي (03/04/2004)، أعلنت وزارة التجارة البحرية اليونانية أن باخرة تركت 18 فلسطينياً مهاجرين بطريقة غير شرعية، عند جزيرة بلاتي الصغيرة في بحر إيجة القريبة من جزيرة باتموس، وقد تركتهم في ظروف قاسية جداً. كما عثر اليونانيون على مئة مهاجر غير شرعي قبالة شواطئ جزيرة سيتير في بحر إيجة، تخلت عنهم باخرتهم، وجميعهم من الفلسطينيين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 35 عاماً. (9)

ولا يقف الأمر عند هذا الحد ! فقد حصلت عمليات "نصب واحتيال" على العديد من الشبان. والوقائع العديدة ا لتي باتت في كثير من الأحيان معروفة تشير إلى ذلك. فهذا (ع – ر 38 عاماً، متزوج وله 6 أطفال)، أراد السفر إلى بريطانيا فدفع لإحداهن مبلغاً قدره ألفان وخمسمائة دولار أميركي، إلا أنها لم تساعده في السفر، وعندما أراد استرجاع ماله طلبت له الشرطة بحجة أنه يضايقها في منزلها ولا يوجد معها مال لسداده، فأخذت الشرطة تعهداً منه بعدم التعرض لها، وأن تدفع له المبلغ بالتقسيط، أو أن يأخذ من محلها أغراضاً: (براد، غسالة، تلفزيون...).

ورغم ذلك لم يتب، بل ذهب إلى بريطانيا أسبوعاً وعاد لينتهي به الأمر مفلساً وبائعاً للموز في المخيم!!(10)

ولكن الكثيرين من الشبان نجحوا في الهجرة، ويتركّز همُّ هؤلاء في الغالب في تأمين شقة لعائلتهم خارج المخيم.

وفي الحقيقة إن الرغبة الفردية في الرحيل والهجرة التي كانت قد بدأت خلال سبعينات القرن المنصرم قد بدأت بالتحول إلى رغبة جماعية بالهجرة تمارسها فئات متآلفة في أوضاعها وعائلات ممتدة، كما هي الحال بين سكان المخيمات المدمرة في لبنان في ذروة الحرب الأهلية اللبنانية، وفي أعقاب الآثار الكارثية للغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وطرد منظمة التحرير الفلس! طينية من بيروت، وما لحق ذلك كله من مجازر (مجزرة صبرا وشاتيلا كمثال). وقد بدأ اللاجئون الفلسطينيون مغادرة لبنان إلى أوروبا بأعداد كبيرة، متوجهين بالدرجة الأولى إلى ألمانيا، وفيما بعد إلى الدول الإسكندنافية ودول أخرى في أوروبا الغربية، وأيضاً إلى الدول الاشتراكية السابقة في وسط أوروبا وشرقها، أي إلى كل بلد يقبل بهم ويمنحهم ما حُرموه لعقود طويلة: الأمان، والحرية، والعمل وجواز السفر، وحقوق المواطنة الكاملة.(11(

وحسب مسح أجراه معهد العلوم الاجتماعية التطبيقية في أوسلو، المعروف باسم فافو (FAFO)، في نيسان/أبريل 2000، أدت الهجرة من لبنان إلى تقليص عدد الفلسطينيين المقيمين هناك إلى نحو 200,000 شخص. وهذا أقل كثيراً من الأرقام الصادرة عن الأونروا أو عن الدولة اللبنانية (400,000 – 350,000)، أي أن رقم "فافو" يقل بنحو (200,000 – 150,000) عن أرقام الأونروا والدولة اللبنانية..

وبحسب مسح فافو، أيضاً ، فإن لدى كل واحد من عشرة فلسطينيين مقيمين في لبنان شخصاً واحداً من أقرب أقربائه يعيش في أوروبا. (12)

إعادة التوطين!

أكثر ما يخشاه الفلسطينيون هو مفهوم إعادة! التوطين في بلد ثالث، ذلك أنهم سيتعرضون لنقل إجباري إلى جهات بعيدة أبع د من حدود وطنهم الأم، أو أنهم سيبعثرون في مختلف أرجاء الوطن العربي، مثلما حصل مع قوات م.ت.ف، بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982. " وهم يخشون كذلك من أن اللاجئين كأفراد، وليس كسكان، سيتعرضون لعملية مترابطة لدفعهم خارج لبنان، "وسحبهم" بشكل غير مباشر عن طريق ضغط وإغراء اقتصادي منسق إلى تشكيلة متنوعة من البلدان الغربية".(13)

ومن المعروف أن سحق الفلسطينيين وتذويبهم في كيان الأكثرية العربية في المنطقة، او تهجيرهم، هو أساس مشروع طمس فلسطين ومحوها إلى الأبد، وهذا ما لم يحدث. ورغم استماتة الإسرائيليين لتحقيق هذا الهدف إلا أن الفلسطينيين استطاعوا أن يفشلوا ذلك. وعدم محو فلسطين من الوجود بسبب تشبث أهلها بها واستماتتهم في الدفاع عنها وعن هويتهم، هو السبب المباشر في إعطاب المشروع الصهيوني. وما دام الفلسطينيون موجودين كشعب، فإن شرعية الدولة اليهودية ستظل باستمرار في دائرة المساءلة والتآكل، وستظل الفرضيات الأولى للمشروع الصهيوني موضوع مراجعة ونقد مستمرين.

لكن يخشى الفلسطينيون، كما اللبنانيون، من القيام بتوطينهم في لبنان. ورغم الإعلان المتكرر للفلسطينيين برف! ضهم التوطين وأنهم لا يرضون عن فلسطين بديلاً، إلا أن أسهم هذا الخيار تبقى في حالة صعود او هبوط طبقاً للظروف والمتغيرات السياسية، مع إدراك الجميع أن توطين اللاجئين في لبنان يهدد بتفجير التركيبة اللبنانية الحساسة، وأنه عامل تردٍ جديد للوضع السياسي الداخلي فيما لو حصل. إلا أن الخوف اللبناني من مسألة توطين اللاجئين وتأثير ذلك على الوضع الداخلي جعل لبنان يتعامل مع الوجود الفلسطيني منذ العام 1948 باعتباره وجوداً طارئاً معتمداً أساليب أمنية بالأساس في إدارة هذا الملف المعقد.

كما يلاحظ وبشكل متكرر انعكاس أي حدث امني في لبنان على مخيمات الجنوب، وسيما مخيم عين الحلوة. ويستخدم سياسيون لبنانيون هذا الأمر لتحقيق أهداف تعزز مواقعهم لدى أنصارهم. وينعكس هذا الأمر بتعزيز الإجراءات الأمنية المشددة على جميع مداخل المخيم، بحيث تصبح هناك صعوبة بالغة في مغادرة المخيم أو العودة إليه. كما أن جميع السيارات يتم تسجيلها وأسماء أصحابها بعد الساعة العاشرة من كل ليلة. (14)

شباب المخيم

من الواضح أن حالتي «القناعة» و«الطموح» لدى الشباب الفلسطيني في المخيم تتصارعان بشكل كبي! ر جداً. ولعل الرؤية الصائبة الأقرب إلى الواقع تشير إلى أن «القناعة الم تدنية» لديهم قد تغلبت على «الطموح» و«المثابرة». فالأوضاع القاسية التي يعيشها هؤلاء تجعل المستقبل المتداخل فيه السياسي والاجتماعي والاقتصادي ينحو باتجاه رسم صورة قاتمة ويعزز من هذه القناعة المشاريع المطروحة والتي تطرح باستمرار: التوطين، التجنيس...

فالظروف الصعبة التي يعيشها الشباب الفلسطيني، تتفاقم بشكل خاص مع شريحة المتخرجين الذين لا يجدون عملاً، فالكثيرون من هؤلاء قد تخرّجوا أطباء أو مهندسين أو محامين إلا أنهم لم يجدوا عملاً لفترة طويلة مما أوصلهم إلى خيارين اثنين: إما أن يبقى أحدهم عاطلاً عن العمل وعالة على أهله، وإما أن ينسى شهادته، ويعمل في مجال آخر كبائع للخضار أو سائقاً لتاكسي...

كما أنه بسبب البطالة باتت معدلات الأمية أكبر في صفوف الفلسطينيين ويشير المكتب المركزي الفلسطيني للإحصاء والمصادر الطبيعية إلى أن 23 % من الفلسطينيين من عمر 15 عاماً فما فوق هم أميّون، وأنهم أقل تعلماً من اللبنانيين، فحسب التقرير يوجد 12 % من الفلسطينيين أكملوا المرحلة الثانوية من التعليم في مقابل 22% في صفوف اللبنانيين.

هذا الواقع السيئ الموجود إذا لم تت! م معالجته وإعطاء تلك المعالجة الأولوية القصوى الاستمرار سينعكس على الشباب الفلسطيني سلباً: على نفسيّاتهم أولاً، وعلى سلوكهم تجاه المجتمع ثانياً. فاستمرار حالة البطالة المتفشية في صفوف الفلسطينيين، وخصوصاً الشباب منهم له مخاطر عديدة تتمثل بـ:

ـ إضعاف القدرة الإنتاجية للفرد في المستقبل.

ـ قد تعترض حواجز البطالة انتقال الشباب من مرحلة المراهقة إلى الرشد والتي تشتمل على إنشاء منزل وتكوين أسرة.

ـ تؤدي مستويات البطالة العالية، بشكل إجمالي، لإقصاء الشباب من المجتمع ومن الممارسات السياسية الديمقراطية مما قد يسبب حالات اضطراب اجتماعي.

وأمام هذا الواقع المرير يجد الشاب نفسه أمام خيارين: إما البقاء في ظل أوضاع اقتصادية سيئة، وإما الهجرة إلى بلدان قد يجد فيها عملاً إلا أنه سيخسر الكثير جراء ذلك، هذا بالطبع إذا وُفِّق ولم يقع فريسة لسماسرة قد يأخذون منه كل ما يملك ويتركونه بدون شيء كما حصل مع كثيرين.

مقترحات وحلول

توجد لفئة الشباب عموماً خصائص وسمات، ومشاكل وتطلعات، ولعلّ سمات الشباب في مخيم عين الحلوة تعبّر بشكل واضح عن مكنونات شخصية مكبوتة وأ! خرى متفجرة بطريق الخطأ. ونرى هذا التفجر في أحيان كثيرة متوزعاً ما بين القتل، والعنف المدمر، والأفكار المتشددة... ولهذا فإن هذه الفئة الاجتماعية تعاني بشكل مزدوج من مشاكل عديدة ضاغطة لا تخدم هؤلاء الشباب، ولا تبعث على تحقيق طموحاتهم المشروعة. فكثير من هؤلاء يعانون من الإحباط ويسود بينهم شعور عام بالخوف والقلق، وإلى حدٍ ما عدم القدرة على التكيف مع المجتمع. ويشير المكتب المركزي للإحصاء في تقرير صادر عنه إلى أن ربع اللاجئين البالغين من الفلسطينيين فقدوا الأمل بالمستقبل.

وهذا بدوره خلق –ومازال- أفراداً يعيشون حالة (اتكالية) كبيرة، ما يضطرهم إلى الانخراط في التنظيمات الفلسطينية من دون قناعة للحصول على بعض المال لتسديد بعض الاحتياجات، وما أكثرها.

أمام هذا الواقع الذي يحياه الشباب لابد من وضع بعض المقترحات التي قد تساهم في جعل واقع حياة هؤلاء أفضل، وتجعل من وجودهم أكثر إنتاجية وقدرة على التأقلم مع المجتمع عبر:

ـ تنمية وتطوير قدرات الشباب لتأهيلهم للاندماج في مجتمعاتهم، وتعزيز قدرات المندمجين وجعلهم يعملون على خلق واقع أفضل لهم ولشعبهم.

ـ غرس روح الانتماء الحقيقي للوطن وزرع قيم الحب والخير والعدالة في نفوسهم، وتعزيز روح! العمل التطوعي لخدمة مجتمعهم وقضيتهم، بدل تعزيز روح الفرقة والانقسام الحاد والمصالح الفئوية الضيقة.

ـ تبادل الخبرات والتجارب وتعزيز التواصل بين الشباب الفلسطيني في دول الشتات المختلفة بما يسمح بتبادل المهارات الاجتماعية والتقنية، ويعزز التواصل الاجتماعي بينهم.

ـ العمل على تنظيم مخيمات صيفية توفر للشباب فرصة تأدية الخدمات بأنفسهم، وتدربهم على حل مشاكلهم بأنفسهم، من خلال تحديد المشكلة/ المشاكل، وأولويات القرار الصائب لحلّها، مما يعني خلق قيادات شابة وواعية وقادرة على إنشاء جيل جديد وخلق واقع أفضل، والتطلع لبناء مستقبل زاهر يحيا فيه الفلسطينيون كبقية الشعوب.

وبناء على ذلك فإن الشباب الفلسطيني في المخيم يمرّ بأوضاع مأساوية تجعله على مفترق طرق صعب وخطر في الآن نفسه، فالظروف الاقتصادية السيئة تجعله لا يستطيع إكمال مسيرته التعليمية، وإن استطاع وتغلّب على تلك الظروف فإن المستقبل أمامه مجهول من حيث عدم توافر فرص العمل والظروف الصعبة التي تواجهه... ورغم أن البعض من الشباب يسعى لتفجير مكنوناته بحيث يوجهها نحو ما يفيده والمجتمع «كالقراءة، الكتابة، الإنترنت...»، ومواص! لة بناء قدرات النفس لعل هؤلاء يلتقطون فرصة هنا أو هناك، فيجدون فيها أ نفسهم، ويشقّون فيها طريقهم. إلا أن البعض الآخر يغرق في همومه الذاتية حتى الكآبة وبعض الأحيان العدوانية تجاه نفسه والآخرين.

الواقع التعليمي في المخيم

توجد في المخيم ثماني مدارس هي: "الفالوجة، قبية، المنطار، عسقلان، السموع، مرج بن عامر، حطين، بيسان". وهي موزعة على الشكل التالي: خمس مدارس ابتدائية، ومتوسطتان وثانوية واحدة". ويبلغ عدد التلامذة نحو 6200 تلميذ ـ حسب مصدر في اللجان الشعبية ـ يتوزعون بمعدل 40-45 تلميذاً في الصف الواحد. كما أن بعض هذه المدارس تعمل بنظام الدوامين؛ دوام صباحي وآخر مسائي.

أما بالنسبة لظاهرة التسرب من المدارس فقد بدأت تتفشى وتتفاقم حالها لدى الطلاب الفلسطينيين حتى وصلت نسبتها إلى 18%. ويعزز هذا الأمر الصعوبات الجمة في إيجاد وظيفة في سوق العمل اللبنانية أمام المتخرجين الجدد. بالإضافة إلى حالة الفقر المنتشر بين الفلسطينيين ما يصرف الطالب إلى العمل الحرفي/ المهني ليساعد أهله.

يقول محمد ع (23 عاماً، نجار باطون): "... لم أكن أفكر بمتابعة الدراسة، بل كان همي الوحيد أن أساعد أبي بمصروف المنزل، ولذلك تركت المدرسة و! أنا في الصف الخامس ابتدائي. ولو كانت ظروفنا الاقتصادية أفضل لكنت تابعتها. فقد كانت أمنيتي أن أكون مهندساً ولكن الظروف عاندتني فأصبحت عامل باطون..".

وفي غمرة الظروف الصعبة والسيئة التي يعيشها الفلسطيني، يجد الطالب نفسه عند انتهاء المرحلة المتوسطة أو الثانوية أمام خيارين:

ـ متابعة الدراسة وهذا الأمر سيرتب على العائلة عبئاً إضافياً، ولن يجد أمامه في هذه الحالة إلا الالتحاق بالجامعة اللبنانية ذات الرسوم الرمزية، ولكن لا توجد فيها إلا اختصاصات محدودة لا تلبي في معظمها طموح الطالب.

ـ التحول للجانب المهني.

والذين يختارون الأمر الثاني يعتبرونه خياراً سريعاً للدخول إلى سوق العمل غير المضمون والموصل في كثير من الأحيان إلى البطالة.

ويتجه كثير من الطلبة إلى مركز سبلين للتعليم المهني التابع لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين أو إلى أحد المراكز المهنية التابعة لمؤسسات خيرية واجتماعية.

يستوعب معهد سبلين 600 طالب بدوام كامل. وتقوم المنظمات المحلية الحكومية والخاصة بتوفير أنواع مختلفة من التدريب لبضع مئات من الطلبة سنوياً بدوام جزئي؛ " معهد السلام، مركز ال! تدريب المهني، مؤسسة النجدة الاجتماعية..."

فهذا بسام تخرج من سبلين م ساعد مهندس "مسّاح"، وكان في الوقت نفسه الذي يدرس فيه في سبلين منتسباً للجامعة اللبنانية قسم أدب عربي. وقد وفرت له سبلين فرصة عمل في شركة إماراتية، وكل آخر عام دراسي يأتي ليقدم الامتحانات، ثم يعود إلى عمله.

أما لجهة مشكلة التسرب من المدارس فتعود للأسباب التالية:

• عدم اهتمام الأهل بمتابعة التحصيل العلمي لأبنائهم، وذلك نتيجة للظروف العديدة الضاغطة التي ليس أقلها الوضع الاقتصادي المتردي.

•غياب الاستقرار الأمني ـ السياسي في المخيم، ويضاف إلى ذلك انعكاسات الوضع السياسي الإقليمي في فلسطين والعراق وغيرهما..

•الترفيع الآلي للطلبة بحسب قانون الأونروا.