مخيمات الشمال: لجنة تحقيق للتحري عن المقاتلين في سوريا
النشرة-عمر ابراهيم
تفاعلت قضية المقاتلين الفلسطينيين الذين كانوا انتقلوا من مخيمي البداوي والبارد للانضمام إلى صفوف «المجاهدين في سوريا»، بعد العاصفة التي كانت أثارتها في أوساط أبناء وقيادات المخيمين، وأدت إلى خلق حالة من الإرباك والخوف بعدما لامست بتداعياتها الأمن الاجتماعي والاستقرار العام، خصوصا في ظل حملات التحريض والاتهام المتبادل اللذين سادا في الآونة الأخيرة.
هذا الواقع جعل الفصائل الفلسطينية أمام استحقاق جلي لا يحتمل التأجيل او الوقوف عند الخلافات السياسية والتباين القائم في وجهات النظر حيال الأحداث في سوريا، انطلاقاً من مصلحة ذاتية ومن حرص على عدم الدخول في الصراع الذي تشهده سوريا انسجاماً مع موقفها المعلن بضرورة النأي بالنفس عن أي مسألة غير فلسطينية.
وبعد اتصالات ولقاءات وبيانات توضيحية صدرت عن «مجلس الأئمة والخطباء في مخيم البارد» تنفي فيه أي علاقة بالشباب الذين توجهوا إلى سوريا، اتخذت الفصائل الفلسطينية قراراً بتشكيل لجنة تحقيق أوكلت إليها مهمة التحري عن هؤلاء الشباب ومعرفة الجهة التي أرسلتهم، وإن كانت خطوتهم نابعة عن مبادرة فردية او من خلال عمل جماعي وتنظيمي.
ووفق المعلومات، فإن اللجنة التي باشرت عملها، تضم ممثلين عن أربعة فصائل فلسطينية وهي: حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركتا فتح اللجنة المركزية وفتح الانتفاضة، ومهمتها لن تتوقف عند التحقيق في هذه القضية، بل ستتواصل لمنع تحول هذه الظاهرة الى واقع يهدد امن المخيمين.
وبحسب المعلومات، فقد التقت اللجنة عددا من رجال الدين في مخيم البارد، وعرضت عليهم ما كان يشاع عن دور لهم في انتقال الشباب، حيث كان تأكيد من رجال الدين على عدم علاقتهم لا من قريب او بعيد، وعلى ان بعض الشبان كانوا يتلقون دروساً دينية عندهم فقط ولم يطلب منهم الذهاب إلى سوريا.
وأشارت المعلومات، إلى ان اللجنة طلبت من رجال الدين عدم الحديث في المسائل السياسية التي لا تعني الشعب الفلسطيني من على منابر المساجد، حتى لا يفهم البعض الأمر على انه تحريض او دعوة للمشاركة في القتال في سوريا.
وتشير المعلومات إلى ان اللجنة اجتمعت مع أهالي بعض الشبان، والذين أكدوا عدم علمهم بذهاب ابنائهم الى سوريا، ومنهم من أوضح ان أبناءهم توجهوا إلى سوريا للعبور إلى تركيا ومنها إلى اوروبا بحثاً عن فرصة عمل كما ابلغوهم قبل سفرهم.
وعلمت «السفير» ان اللجنة بصدد إصدار بيان يوضح طبيعة ما حصل من خروج لبعض الشباب بشكل فردي، ويؤكد موقف الفصائل الرافض للتدخل بالشؤون الداخلية السورية واللبنانية، ويحذر من أي سلوك يضر بمصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته.
وأشارت مصادر فلسطينية لـ«السفير» الى ان ما تردد من معلومات عن مقتل عدد من الشبان الفلسطينيين الذين خرجوا من مخيمات الشمال لم يتم التأكد منها، مشيرة إلى ان اثنين من الشباب على الأقل تم توقيفهما من قبل الجيش السوري النظامي، من دون معرفة اسباب توقيفهما او ان كانوا بين المقاتلين.
هل ينخرط االسلاح الفلسطينيّي في الصراع الداخلي في لبنان؟!
الثلاثاء 30 تشرين الأول 2012، آخر تحديث 09:46 ناجي س. البستاني - مقالات النشرة
للفلسطينيّين في لبنان، شعباً ومنظّمات، القدرة على التأثير على الوضع اللبناني الداخلي، من حيث الثقل الشعبي والمذهبي، وحتى من حيث عدد المقاتلين(1)! وبالأمس القريب، ومع إندلاع أعمال الشغب التي تلت عمليّة إغتيال رئيس فرع المعلومات السابق وسام الحسن، كثرت الأصوات التي تحدّثت عن ضلوع مباشر في العمليّات القتاليّة من جانب مسلّحي المخيّمات الفلسطينيّة. وصار من المكن قراءة مقالات وتحاليل تسأل عن مخاطر السلاح الفلسطيني في لبنان على القوى المؤيّدة للنظام السوري فيه، وذهب البعد إلى حد وصف سلاح فلسطينيّي لبنان بأنّه "سلاح السُنّة". فإلى أي مدى هذا الوصف أو الإتهام صحيح؟
بداية، لا بد من الإشارة إلى أنّ واقع المخيّمات الفلسطينية غير متشابه على الإطلاق، فمنها "المسالم" مثل مخيّم الضبيّة، ومنها الصغير مثل مخيّم "مار إلياس". لكن الكثير من المخيّمات الأخرى تثير جدلاً واسعاً، وأكبرها يتمثّل في مخيّم "عين الحلوة"، حيث تُعتبر كل من حركة "فتح" و"منظّمة التحرير الفلسطينيّة"، الأقوى على مستوى العدد وحسن تنظيم المقاتلين، من دون أن ننسى وجود ثقل لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وتنظيمات أخرى صغيرة ومتشدّدة دينياً، ومنها "جند الشام" في حيّ الطوارئ داخل المخيّم. وبالتالي، إنّ أيّ تهديد فعلي لأيّ مخيّم فلسطيني للمحيط اللبناني، مرتبط بموقعه الجغرافي، وبحجمه وعدد سكانه، وخصوصاً بهويّة التنظيمات فيه. فمثلاً مخيّم "نهر البارد" الذي سيطر عليه تنظيم "فتح الإسلام" دون سواه، تورّط إعتباراً من 20 أيّار 2007، في حرب ضارية ضدّ الجيش اللبناني الذي أنهاها لصالحه بعد 106 أيّام من الهجمات، لكن بتضحيات كبيرة في صفوف ضبّاطه وعناصره. أمّا المخيّمات التي يتواجد فيها أكثر من طرف فلسطيني، فإنّ توازن القوى يجعلها محايدة إزاء الصراع السياسي في لبنان، أقلّه ميدانياً!
إشارة أيضاً إلى أنّ المنظّمات الفلسطينيّة التي تسيطر على المخيّمات، غير متجانسة، وبعضها يقف في مواقع سياسية متقابلة. فبعض التنظيمات الفلسطينية، مثل حركة "فتح" و"منظّمة التحرير الفلسطينيّة"، مرتبط مباشرة بالقيادة الفلسطينية المُعترف بها دولياً، بقيادة الرئيس محمود عبّاس. وبعض التنظيمات الأخرى، وفي طليعتها حركة حماس، مرتبطة برئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، وهي بالتالي تعتمد سياسة مختلفة عن تلك المؤيّدة لعبّاس. وتوجد منظّمات فلسطينيّة عدّة موالية للنظام السوري، وأبرزها: "الجبهة الشعبيّة – القيادة العامة" بزعامة أحمد جبريل، و"فتح الإنتفاضة"، و"الصاعقة". يُذكر أنّ "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" لها حضور مسلّح في كل من مخيّمات برج البراجنة وشاتيلا في بيروت، والناعمة قرب الطريق الدولي نحو الجنوب، والبداوي في الشمال، وكفرزبد وكوسايا على الحدود السورية – اللبنانية. وتوجد تنظيمات فلسطينية عدّة نامية، متهّمة بالإرتباط بأصوليات خارجية، وحتى بتنظيم القاعدة، لكن عدد عناصرها محدود، وتواجدها محصور في أحياء محدّدة داخل مخيّمات محدّدة أيضاً. وبالتالي، إنّ وضع "السلاح الفلسطيني" في خانة واحدة هو غير واقعي على الإطلاق، نظراً إلى السياسات والإرتباطات المختلفة وحتى المتضاربة للفصائل الفلسطينية المنوّعة!
في الخلاصة، الأكيد أنّ "السلاح الفلسطيني" في لبنان، تورّط في الحرب بشكل كبير، فقاتل إلى جانب القوى اليسارية إعتباراً من العام 1975، وحتى نهاية الحرب في العام 1990، ضد "الكتائب" و"القوّات" وقوى "الجبهة اللبنانية" وألوية الجيش التي كانت منتشرة في ما عُرف آنذاك بالمنطقة الشرقيّة. وإنخرط هذا "السلاح الفلسطيني" أيضاً، إعتباراً من 7 حزيران 1985، وحتى تموز 1988، في ما عُرف بحرب المخيّمات التي سانده فيها مقاتلو حركة "المرابطون"، ضدّ مقاتلي حركة "أمل"، مدعومين من الجيش السوري، واللواء السادس في الجيش اللبناني. لكن ومع إنتهاء الحرب، تغيّرت الأمور، وفي السنوات القليلة الماضية تغيّرت التحالفات أيضاً! وبالأمس القريب، أكّدت قيادة الفصائل الفلسطينيّة في لبنان، في ختام لقاء موسّع عقدته في بيروت، حرصها على وحدة لبنان وأمنه وإستقراره، ورفض "توريطنا في الأزمة اللبنانية مجدداً". وهذا الموقف ليس للمناورة ولا للإستهلاك التجاري. بل هو الموقف الفعلي لأغلبية المنظّمات والفصائل الفلسطينية، باستثناء بعض الخلايا الصغيرة التي تعمل وفق توجيهات إستخباريّة، ولكن التي لا تملك القدرة على التسبّب بمعارك واسعة، بل فقط القدرة على تنفيذ عمليّات إرهابية محدودة. والسبب أنّ التباين في الموقف الفلسطيني إزاء الصراع السياسي المفتوح في لبنان، وإزاء الأزمة السورية المستمرّة، يشكّل "صمّام أمان" لعدم إنخراط "السلاح الفلسطيني" في الصراع الداخلي اللبناني. وعلى الرغم من التحوّل في مواقف منظّمات فلسطينية كانت حتى الأمس القريب محسوبة على النظام السوري، مثل حركة حماس التي دعا رئيس مكتبها السياسي، خالد مشعل، منذ أيّام، إلى أن تُرفع "اليد الآثمة عن أبناء شعبنا الفلسطيني في سوريا، وإلى أن تُرفع اليد الظالمة عن الشعب السوري الشقيق الذي يبحث عن حرّيته وكرامته ودولته الآمنة المطمئنة"، فإنّ هذا التحوّل لم يبلغ المستوى الذي يدفع إلى إنخراط ميداني واسع من قبل الفلسطينيّين ضد النظام السوري، وضد كل من يسانده في لبنان، أقلّه وفق المعطيات الحالية!
(1) لا يوجد إحصاء دقيق بشأن عدد المقاتلين الفلسطينيّين في لبنان، لكنّهم يقدّرون بنحو 5000 مقاتل محترف على الأقل، بعضهم مزوّد بأسلحة حديثة، وخاضع لدورات تدريبيّة قتالية، يضاف إليهم نحو 10000 شاب يصنّفون بحملة الكلاشينكوف، ولا خبرة قتالية أو تدريب مهم لهم. يُذكر أنّ عدد اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان يبلغ، بحسب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين (الأونروا)، أكثر من 450000 شخص، لكن عدد المقيمين فعلياً في لبنان، أي من دون أولئك الذين تمكّنوا من الحصول على تأشيرات هجرة إلى الخارج، يقلّ عن 250000 لاجئ.