مخيمات لبنان: رمضان كان أبهى في
فلسطين.. واليوم فقد براءته
الثلاثاء، 15 تموز، 2014
يستذكر الفلسطينيون في المخيمات
الفلسطينية في لبنان أيام شهر رمضان المبارك الجميلة، كيف كانت في فلسطين، مرورًا
بعشرات الأعوام السابقة، وصولاً إلى حالها اليوم، فيقارنون بين عاداتهم الأصيلة
التي تربّوا عليها، وبين العادات الحديثة التي جعلت من رمضانَ شهرًا غريبًا في بعض
المجتمعات.
جلنا على بعض المخيمات الفلسطينية،
وأجرت لقاءاتٍ مع عدد من الفلسطينيين في المخيمات، أدباء وسياسيين ومواطنين،
للاطلاع على أهم المتغيرات التي طرأت على شهر رمضان، من عادات وصيام وشعائر
وعبادات.
الرشيدية:
وصف الحاج أبو محمود غنام، من بلدة
علما (76 عامًا)، الأجواء الرمضانية القديمة في فلسطين والحالية أنَّهُ
"عندما كان يقبل شهر رمضان علينا كنّا نستقبله بالفرحة والمحبّة والاستعداد
لأداء فريضة الصيام، فكانت المحبّة تسود المجتمع في قرية علما، وبين أفراد القرى
المجاورة، وكان الجميع يدًا واحدةً على الخير والعطاء، وكان هناك تعاون وموسمٌ
إيمانيٌّ مفرح، حيث كان مسجد القرية يمتلئ بالمصلين".
وقال: "كانت هناك عادة بين
القرى والبلدان في كل أسبوع، وهي الاجتماع على مائدة الإفطار في منزل أحد أبناء
العائلة، إضافة إلى الزيارات المتبادلة بين العائلات والجيران، فهذه العادات
والتقاليد التي كانت تسود المجتمع في فلسطين لم نعد نشهدها في عصرنا هذا كما كانت
قديمًا، كانت أيامًا مليئةً بالأخوة والتعاون والتكاتف على نوائب الدهر، وما
أحوجنا كمسلمين اليوم إلى هذه العادات والتقاليد".
أما الحاجة أم أحمد سليمان، وهي من
مواليد سحماتا، (82 عاما)، فتقول: "لقد كنا في بلدنا سحماتا نجتمع كل يوم قبل
غروب الشمس، نتعاون على تحضير الفطور سويًّا، وكان هناك تعاون وتآلف ومحبة بين
الجميع، ولم يكن هناك سوى المحبة وحقوق الجيرة التي تجمع الأهل والجيران على الوفاق
والتعاون".
وأضافت: "كنا نتبادل الأطباق
الرمضانية، فكان البيت الواحد يصنع نوعًا واحدًا من الطعام، وكان كل جار يرسل
لجاره أحدها، وما إن ينتهي وقت الصيام وتغيب الشمس حتى ترى المائدة متنوعة
بأطباقها".
عين الحلوة:
وقال المدير المتقاعد إبراهيم شريدة:
"عندما يشرف شهر شعبان على الانتهاء، يستعد الجميع لاستقبال الشهر الفضيل
بالفرحة والتقوى، والتهافت على المساجد للتعبد، وحضور الدروس الدينية، والتواصل
والتراحم، رغم أنَّ الفقر والبساطة كانا يخيمان على واقعنا الاجتماعي، إلا أنَّ
الفرح والسرور في أداء الواجبات واجتناب المحرَّمات، هما شعور كل مسلم
ومؤمن".
وأضاف: "كانت الأوضاع
الاقتصادية غير معقدة، وأكثر الناس كان يكتفي بالقليل، لأن شهر رمضان هو شهر عبادة وتقوى، لا مأكل
وحلوى، وكان التزاور والتراحم بين الأقارب والأهل والعطف على المساكين والفقراء
السمه الأبرز. لقد كنَّا صغارًا نستقبل هذا الشهر بالفرحة والاستعداد، والتنافس في
ما بيننا على الصيام وتحمل مشقَّاته. لقد كنَّا ننتظر مدفع الإفطار بفارغ الصبر،
ونجتمعُ في منطقة مرتفعة لنراقب الشمس خلف الأفق، لقد كنَّا نعيشُ الأمن والأمان،
ونستمتع بصوت المسحراتي
حين يجوب الحارات والشوارع منبِّهًا النيام
للقيام وتناول السحور، والاستعداد للذهاب
للمساجد لأداء صلاة الفجر، هذه الأجواء الجميلة تغيّر الكثير منها، لكن شهر رمضان
لم ولن يتغير، فهو شهر المغفرة والعبادة والتقوى".
وتابع: "فقدنا الأمن والأمان،
وأصبح الوضع المعيشي والحالة الاقتصادية الضاربه يطغيان على البهجة والفرحة، وكنا
نستقبل رمضان بالدعاء والاستغفار والآن جل همنا متابعة الإعلانات التي يروّجها
المنتجون قبل وخلال شهر رمضان، وإقامة الليالي الرمضانية في المقاهي والاستراحات.
ففي رمضان كان الصغار يحاولون تعلَّمَ الصلاة والاستماع إلى الدروس الدينية، لكننا
نستقبل رمضان هذا العام بهموم مثقلة، من أحداث أمنية مؤسفة في مخيم عين الحلوة،
طغت على كل شيء".
ودعا شريدة الجميع إلى "المحبة
والتآلف وتأمين الأمن والأمان لأهلنا، صغارًا وكبارًا، حتى ننعم برمضان ونعيش
نفحاته السامية التي تترفع عن كل الصغائر، لأننا أبناء الإسلام الحنيف، دين المحبة
والإخاء، وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، ولا ننسى أننا أبناء
فلسطين القضية المركزية لأمتنا الإسلامية".
نهر البارد
رأى الأستاذ والكاتب حسين لوباني
أنَّ "أيام رمضان في فلسطين كانت أحلى أيام حياته، فرمضان هو شهر فضيل يعود
فيه الناس إلى دينهم ودنياهم، يقضون الشهر في التصدق والزيارات، وصلة الرحم
والاجتماع على ما يرضي الله، ورمضان مختلف ما بين الحاضر والماضي، وما بين المدينة
والقرية، رمضان في قرى فلسطين كان أجمل
وأبهى وأكثر مصداقية وحقيقة".
وقال: "كانت هناك عادات كثيرة
في شهر رمضان، لقد كانت الزيارات العائلية كثيرة، وكان الأطفال يجتمعون قرب مأذنة
المسجد كل يوم قبل الغروب، وينادون بالمؤذن كي يؤذن، وكان الناس يتبادلون الطعام
في ما بينهم، لتجد أمامكَ مائدةً متعددةَ الأصناف، وكذلك يجول المسحِّر، حاملاً
المشعل، بين الأزقة والأحياء، ينشد بعض المدائح النبوية بصوت عذب وجميل، بمصاحبة
إيقاع الطبل".
وأضاف: "كانت عادات المدينة
تختلف عن القرية، ففي المدينة أنوار الكهرباء التي تشع من مأذنة المسجد كل مساء
وطيلة الليل، وتكثر صناعة الحلويات والعصائر على أنواعها، ومنها الهريسة وأصابع
زينب والعوامة والغريبة وعرق السوس والتمر الهندي والخروب والتوت والبوظة".
وختم: "للأسف رمضان اليوم فقد
براءته السابقة، فقد أصبحَ غريبًا في بعض المجتمعات، وكثيرًا ما نشاهد الشباب
يشربون القهوة على الأرصفة والمنتزهات من غير حياء، وعادة التواصل والزيارات
المتبادلة تلاشت أو كادت، وصلة الرحم بين الأقارب والأهل دخلت مرحلة العناية الفائقة،
وهذا ما يؤدي إلى خطر على القيم والسلوكيات الأخلاقية التي أصبحت غير مشجعة، وهي
في تردٍّ مستمر".
المصدر: نشرة الجهاد