مركز الزيتونة يناقش التحركات الشعبية المطالبة بحق العودة ومستقبلها
الجمعة، 27 أيار، 2011
عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات حلقة نقاش في مقره في بيروت أمس، بعنوان «اللاجئون الفلسطينيون وحق العودة.. 15/5/2011 نموذجاً»، تناول فيها التحركات الشعبية الفلسطينية الأخيرة للمطالبة بحق العودة، والتي نُظّمت في ذكرى نكبة 1948 في عدة دول بشكل متزامن. وذلك بمشاركة نخبة من الباحثين والمتخصصين في الشأن الفلسطيني، إلى جانب عدد ممن أسهموا في التحضير لمسيرة العودة التي انطلقت في لبنان باتجاه بلدة مارون الراس على الحدود مع فلسطين المحتلة.
وقد ناقشت الجلسة الأولى من الحلقة أبعاد التحركات الأخيرة ودلالاتها ودوافعها، مع التركيز على التحركات التي جرت في لبنان وسوريا، والتي سقط خلالها أكثر من عشرة شهداء ومئات الجرحى، وردود الفعل المختلفة التي أثارتها في «إسرائيل»، وعلى المستويين العربي والدولي كذلك.
في ما ركزت الجلسة الثانية على مناقشة السيناريوهات المستقبلية المحتملة للتحركات الشعبية الفلسطينية المطالبة بحق العودة، وإمكانية البناء على هذه التحركات وتطويرها واستثمارها، والآليات والإجراءات المقترحة لذلك.
الجلسة الأولى:
في بداية الجلسة، رحب مدير عام مركز الزيتونة محسن صالح بالمشاركين، وقال إن ما جرى في ذكرى النكبة هذا العام شكّل تحركاً «استثنائياً»، مضيفاً أن شكل تغطية هذا التحرك والتفاعل معه أظهر أنه مثّل «نقطة تحوّل». وطرح سؤالاً لمناقشته والبحث فيه، عما إذا كان هذا التحرك يمثّل حالة عابرة أو مؤقتة، أم أنه يعكس روحاً جديدة يمكن البناء عليها مستقبلاً.
ثم تحدث ياسر علي، بوصفه أحد المسهمين في التحضير لمسيرة العودة في لبنان. وقال إن التحرك كان يهدف لتحقيق مشاركة 20 ألفاً في المسيرة، إلا أن عدد من وصل فعلياً إلى الجنوب قُدّر بنحو 55 ألفاً، قال إن نحو 10% منهم كانوا من اللبنانيين. ووصف مشهد آلاف المشاركين الذين اضطروا للسير على أقدامهم من بنت جبيل إلى مارون الراس سيراً على الأقدام، نظراً لازدحام الطرقات، وفي خطوط متصلة بين التلال، بأنه «يشبه مشاهد نكبة 1948، إلا أنها هذه المرة كانت في الاتجاه المعاكس».
كما تحدث عبد الملك سكرية، أحد المسهمين أيضاً في التحضيرات، عن بداية انطلاق الفكرة كتحرك شبابي عبر موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، وتطورها بعد أن تلقت الفكرة دعماً من جهات عدة.
من جهته، أوضح علي بركة ممثل حركة حماس في لبنان، والذي كان حاضراً في المسيرة، أن السبب الأساسي الذي شجّع الشباب للاندفاع نحو السياج الحدودي هي الأنباء الواردة من الجولان عن اجتياز السياج الحدودي هناك، حيث لم تقع أي مواجهات في مارون الراس قبل ورود هذه الأنباء. وتابع أنه أسف لعدم استثمار الحدث أو إعطائه حقه على المستوى الرسمي اللبناني، لناحية كون ما جرى اختراقاً للسيادة اللبنانية والقرار 1701، من خلال قتل مدنيين فلسطينيين على أرض لبنانية.
ومن جهة أخرى، رأى بركة أن أحداث ذكرى النكبة أظهرت أن الشباب الفلسطيني أخذ زمام المبادرة من الفصائل والقيادات الفلسطينية، حيث أن جميع الشهداء كانوا من الشباب صغار السن، كما أنها وجهت رسالة للعالم بأسره أن حق العودة مقدس وغير قابل للمساومة، وأن الفلسطيني يرفض التوطين رفضاً قاطعاً، وأن مطالبته بنيل حقوقه المدنية بعيد كل البعد عن هذا السياق.
أما حلمي موسى، الصحفي والكاتب المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، فأشار إلى استثنائية فعاليات إحياء النكبة التي كانت عالمية هذا العام، مشدداً على أهمية التحركات في «دول الطوق»، لافتاً الانتباه إلى أن القيمة الحقيقة لما جرى تمثّلت في التطورات غير المتوقعة وغير المخطط لها، من خلال اندفاع الشباب نحو الحدود، وهو ما أدى لتسليط الضوء على تلك الفعاليات نتيجة سقوط شهداء وجرحى برصاص قوات الاحتلال. وأضاف أن هذه التحركات أشعرت «إسرائيل» بأنها عادت إلى سنة 1948، حيث باتت في مواجهة الشعب الفلسطيني بكامله.
ورأى صقر أبو فخر، الكاتب والباحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، أن التحرك الأخير هو حدث تأسيسي وليس حدثاً عابراً، مشيراً إلى أن الشباب الفلسطيني في لبنان كان يشعر بحالة تهميش كبير، كما أوقعته الثورات العربية الأخيرة في حيرة، وجاء ردّه على هذه الحيرة من خلال مسيرة العودة. ودعا أبو فخر إلى أن تتم، في أية فعالية مقبلة مشابهة، صياغة بيان رفيع المستوى وتوجيهه للرأي العام العالمي، لتحقيق الاستغلال الأمثل لهذه الفعالية والاهتمام الإعلامي الذي تستقطبه.
وقال علي هويدي، أمين عام المنظمة الفلسطينية لحق العودة (ثابت)، إن المواجهات التي جرت في الجولان ومارون الراس قد تكون اختصرت 40 سنة من العمل لقضية اللاجئين وحق العودة، ورأى أن التحركات الأخيرة تمثّل «فرصة ماسية لتفعيل هذا الشكل من العمل والحراك».
وفي ما يتصل بالاعتداء الإسرائيلي على المتظاهرين السلميين في لبنان، أبدى محمود الحنفي، المدير التنفيذي للمؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)، استغرابه من برود رد الفعل الدبلوماسي اللبناني والفلسطيني، والموقف السلبي لقوات اليونيفيل التي قال إن عليها مسؤولية في حماية المدنيين، مشيراً إلى أن مؤسسته التقت بقوات اليونيفيل وبعدة أطراف لبنانية لبحث ما جرى، من بينهم مسؤولون في وزارة الخارجية اللبنانية.
بدوره دعا صلاح صلاح، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، الفصائل الفلسطينية لدعم التحركات الشبابية السلمية، ولكن دون محاولة السيطرة عليها. كما دعا القيادات الفلسطينية للتخفيف من ظهورها الإعلامي، وإفساح المجال أمام الشباب للحديث أمام الرأي العام ووسائل الإعلام، لإيصال رسالتهم والتعبير عن أهداف تحركاتهم بأنفسهم.
أما أحمد خليفة، الباحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، فنبه إلى أنه على الرغم من أهمية اعتماد التحركات الشعبية كأحد أساليب مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنه لا بد من دراسة هذا الخيار ملياً، والنظر في نتائجه المتوقعة وإمكانيات نجاحه، مضيفاً أن دور الباحثين والأكاديميين هو تحليل الثورات والتحركات الشعبية والنظر في كيفية تجاوز العقبات التي تواجهها، وتوجيه الشباب وتوعيتهم للخطوات المطلوبة لتحقيق ذلك.
ورأى الباحث سهيل الناطور أن تحركاً واحداً لا يُعدّ كافياً ليفرض على الرأي العام الاستماع لقضية اللاجئين ولتسليط الضوء عليها في الإعلام الغربي، وذلك في دعوة منه لتكثيف هذه التحركات. ونبه إلى أن الإعلام الغربي لم يركز في تغطيته لتحركات 15 أيار/ مايو الأخيرة على قضية اللاجئين وحقهم في العودة، وإنما ركز على الجانب الأمني للحدث، في حين استغله البعض للحديث عن الخطر الديموغرافي الذي قد تشكّله عودة اللاجئين على وجود «إسرائيل».
من جهته، رأى النائب العميد وليد سكرية أن هذه التحركات جاءت كتأكيد على تمسك الفلسطينيين بحق العودة وبالأراضي المحتلة سنة 1948، ولكنها ليست هي ما سيعيد الفلسطينيين إلى أرضهم؛ حيث إن تحقيق العودة يستلزم استخدام القوة العسكرية وإلحاق الهزيمة بـ«إسرائيل» أولاً.
وحذّر الباحث حسين أبو النمل من خطورة ما سماه «تقديس العفوية»، بمعنى التعويل على الأعمال العفوية كمنهج عمل، مشدداً على ضرورة استخدام منهج تفكير سليم في دراسة هذه التحركات بعيداً عن التفكير الرغائبي، وضرورة أن يكون أي عمل يتم بهدف تحقيق نتائج على الأرض، لا أن يكون بهدف سقوط شهداء فحسب، حتى لا يكون الدم الفلسطيني رخيصاً.
ورأى وليد محمد علي، مدير عام مركز باحث للدراسات، أن التحرك الأخير أعاد القضية الفلسطينية إلى أصلها، وصحح النظرة التي سادت في السنوات الأخيرة عنها على أنها قضية إقامة دولة في حدود سنة 1967.
وتوقع معين مناع، الباحث في مركز الزيتونة، أن تلاقي هذه التحركات مصيراً مشابهاً للثورات العربية، التي قال إن بعضها تم حرفها عن أهدافها في ما يتم توظيف البعض الآخر أو محاولة احتوائه.
الجلسة الثانية:
ركزت الجلسة الثانية على طرح السيناريوهات المحتملة لمستقبل التحركات الشعبية المطالبة بحق العودة، وتقديم الاقتراحات بهذا الخصوص. وتراوحت السيناريوهات التي تم تداولها بين احتمال أن يبقى التحرك الأخير مجرد تجربة مضيئة وحيدة دون استثمارها والاستفادة منها كما ينبغي، واحتمال تبني الظاهرة وتحويلها إلى عملية ساخنة سياسياً ضمن ضوابط واعية، واحتمال الدفع باتجاه تجييش شعبي واسع في دول اللجوء، خارج إطار الحسابات التقليدية، وهو احتمال مرتبط بحدوث نوع من ارتخاء القبضة الأمنية على الحدود. مع الإشارة إلى أن من شأن حدوث أمر كهذا دفع سلطات الدول المضيفة للاجئين للتعامل بجدية أكبر مع التحركات الشعبية للفلسطينيين.
أما بخصوص مستقبل التحركات الشعبية الفلسطينية في لبنان تحديداً، فقد أشار العميد أمين حطيط إلى أن الزيارة الأخيرة لمساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان خُصص قسم كبير منها للاستيضاح من المسؤولين اللبنانيين عن كيفية السماح بوقوع أمر كهذا، من خلال السماح للاجئين الفلسطينيين بالوصول إلى الحدود، مؤكداً أن ضغوطاً كبيرة مورست على السلطات اللبنانية لمنع أية تحركات مشابهة في المستقبل، ولأن يتولى الجيش اللبناني مسؤولية عدم السماح لأي فلسطيني بالانتقال إلى جنوب خط نهر الليطاني، وهو الأمر الذي أشار العميد أنه كان معمولاً به في فترات سابقة.
وطرح العميد حطيط أربعة سيناريوهات محتملة لهذه التحركات مستقبلاً: أولها أن يتم العمل فعلاً بمنع هذه التحركات مع استجابة فلسطينية لهذا المنع، وثانيها أن يُقرّ المنع ولكن مع عدم استجابة فلسطينية، قد تؤدي إلى مواجهة أمنية بين السلطات اللبنانية والتحركات الشعبية الفلسطينية، وثالثها أن تضغط أطراف سياسية لبنانية على الحكومة لعدم الانصياع للضغوطات الأمريكية، مع احتواء التحركات الشعبية لتصبح تحركات رمزية ضمن أعداد محدودة، أما الاحتمال الرابع فهو عدم الاستجابة للضغوط الأمريكية، والدفع باتجاه تكثيف التحركات الشعبية على الحدود، وهو ما سيثير رعباً إسرائيلياً وستكون له تداعيات كبيرة على المنطقة.
أما الاقتراحات فقد شملت الدعوة لاستمرار هذه التحركات، ومأسستها من خلال توحيد جهود مختلف الهيئات والمؤسسات العاملة في مجال حق العودة والتنسيق في ما بينها، وإخراجها من السياق العفوي مع العمل على ضبط حماسة الشباب إلى حد ما، وضرورة استثمار هذه التحركات بالشكل الصحيح، وأن تتم ضمن سياق نضال شامل من داخل فلسطين وخارجها، والاهتمام بإبراز قضية حق العودة في الإعلام العربي والأجنبي بشكل أكبر وتحويلها إلى قضية ساخنة في الرأي العام، وتعزيز ثقافة العودة لدى الشباب من خلال تدريسها.
المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات