مسلسل دموي متواصل من كابوس «عين الحلوة»
في لبنان
الخميس، 30 تموز،
2015
يعيش أهالي مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين
في صيدا جنوب لبنان، في قلق متزايد منذ اغتيال المسؤول في حركة فتح العقيد طلال الأردني
يوم الأحد الماضي. يسمع هؤلاء رشقات الرصاص أو إلقاء القنابل اليدوية ليلاً، وقد اضطر
بعضهم للنزوح بعد اشتباكات ليل الثلاثاء ــ الأربعاء. وفي النهار، يتناقل الأهالي معلومات
تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن اشتباكات مقبلة. ويقول مسؤول في أحد الفصائل
الفلسطينيّة في المخيم لـ "العربي الجديد"، أن من يوزّع هذه المعلومات، والتي
يكون أكثر من نصفها خاطئاً، "هو الشخص الذي يدير اللعبة في المخيم".
يقول مسؤول أحد الفصائل الفلسطينيّة في مخيمات الجنوب
اللبناني في جلسة مسائيّة في منزله، إن الأمر المستغرب "في مخيم عين الحلوة هو
عدم سقوط قتلى كل يوم، وليس سقوط قتلى". هذا الواقع المأساوي يأتي في سياق حديث
المسؤول نفسه الذي يُفضّل عدم ذكر اسمه، وهو كان في يومٍ من الأيام من المقربين من
الرئيس الراحل ياسر عرفات. يشرح الرجل الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المخيم، فيشير
إلى نسب البطالة العالية، عن آلاف الشبان الذين لا يخرجون من المخيم لأنهم مطلوبون
لأجهزة الأمن اللبناني في ملفات لا قيمة لها، انتشار المخدرات والمخبرين وشبكات الدعارة،
"والأهم من ذلك غياب الأفق"، بحسب ما يقول المسؤول نفسه الذي يرى أن المسؤوليّة
مشتركة بين الفصائل الفلسطينيّة والحكومة اللبنانيّة.
هذا التقديم، ضروري لشرح ما يحصل في مخيم عين الحلوة،
أكبر مخيمات اللاجئين في لبنان، ويقطنه حوالي 100 ألف فلسطيني وسوري في حدود كيلومتر
مربع واحد. فيعدّ الوضع الاقتصادي ــ الاجتماعي من الأسباب الأساسيّة للانفلات الأمني
في المخيم، إذ إن الانضمام إلى الفصائل هو أحد السبل لتأمين مصدر دخل، "وقد تحوّلت
العلاقة بين بعض الفصائل والشباب إلى مجرد علاقة ماديّة".
في تفاصيل ما جرى، فإن اغتيال الأردني يوم الأحد
الماضي، الذي كان يرأس إحدى المجموعات المقاتلة للحركة، دفع المسؤولين فيها إلى اتخاذ
قرار بالقضاء على حالة بلال بدر وتجمع "الشباب المسلم" الذي اتهم بالوقوف
وراء عمليّة الاغتيال، كما تقول مصادر فتحاوية. لكن أهميّة الأردني، لا تقف عند حدود
موقعه داخل "فتح"، بل إنه كان من المقربين أيضاً من اللواء محمود عيسى (اللينو)،
الذي يُعتبر اليد اليُمنى للقيادي الفتحاوي الأمني المطرود من الحركة، محمد دحلان.
وبعد دفن الأردني في جنازة عسكرية، أعلن قائد قوات
الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب، إن الحركة لن تتقبل العزاء بالأردني
إلا بعد الأخذ بالثأر. ورفع أبو عرب من سقف تهديداته معتبراً أن الأمر لن يمرّ مرور
الكرام. وجاء موقف "اللينو" في السياق عينه. وفي المعلومات إن "فتح"
و"اللينو" قررا القضاء النهائي على بلال بدر، لأن "عدم القيام بذلك
يعني انتهاء حركة فتح في المخيم" كما يقول أحد المصادر في الحركة.
وبدأت عمليّة "الثأر" ليل الثلاثاء ــ
الأربعاء، عندما هاجمت مجموعة من "فتح" مدير خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين (الأنروا) في المخيم فادي الصالح. وتتهم "فتح" الصالح بأن لديه
علاقات مع بدر عبر مجموعة تعمل لديه تحت اسم "مجموعة المقدسي"، وأنه يُقدّم
مساعدات عينيّة إلى بدر من خلال مساعدات وكالة "الأنروا". وقد سُلّم الجامع
الذي يديره الصالح إلى عناصر عصبة الأنصار في القوة الأمنيّة المشتركة، كما جرى توقيف
شابين تابعين للصالح، وتسليمهما للجيش اللبناني على خلفية اتهامهم بالمشاركة في اشتباك
حصل في المخيم خلال شهر رمضان الماضي.
في المقابل، تقول مصادر فلسطينيّة إسلاميّة إن لا
دور عسكرياً للصالح، بل مجرد عمل سلمي، وتُضيف "بات كل شخص يذهب إلى الجامع يُتهم
بأنه إسلامي ــ إرهابي". وتُشير هذه المصادر إن القضاء على الصالح يأتي في إطار
الصراع الداخلي في "فتح" مع اقتراب المؤتمر العام للحركة، "إذ إن والد
الصالح يُعتبر أحد المسؤولين في الحركة".
أمّا ما يخص بلال بدر، فإن هذه المصادر تُشير إلى
أن مجموعته لا تزيد على ثلاثين شاباً، وأنه يُنسّق مع عصبة الأنصار، "وقد أخذ
منها بعض الأسلحة لتنظيم عرض عسكري من أشهر". ولذلك، تُشير هذه المصادر إلى أنّ
القضاء على بدر ممكن وسهل، في حال رفعت عصبة الأنصار الغطاء عنه، أمّا إذا قررت الحركة
حمايته فإن ذلك سيُدخل المخيم في معركة قاسية.
وتلفت هذه المصادر الإسلاميّة، إلى أن عصبة الأنصار
وإن كانت لا تعتبر بدر جزءاً منها، إلا أنه ينتمي إلى الفكر الديني التكفيري عينه.
من هنا، ترى هذه المصادر إن عقل "العصبة" يعتبر أن القضاء العسكري على
"الشباب المسلم" يعني أن هناك ما يُحضر لعصبة الأنصار. لذلك، تُرجح هذه المصادر
أن تقوم العصبة "بإخفاء بلال بدر، كما أخفت أبو محجن سابقاً، وبالتالي تكون قد
أرضت حركة فتح، ولم تفتح الباب أمام القضاء العسكري على الإسلاميين".
بدورها، تُراهن مصادر فتح على تخلي "عصبة الأنصار"
عن "الشباب المسلم" لأن المنتمين لهذا الفصيل الصغير "يُكفرون العصبة؛
لأنها تتعامل مع أجهزة الدولة كما يُردد هؤلاء"، بحسب مصادر "فتح".
وتُضيف هذه المصادر أن الحركة مصرّة على إنهاء "الحالات الشاذة" في المخيّم،
ولذلك سيتكرر مشهد الاشتباكات، وخصوصاً في الليل حتى القضاء عليها.
تجدر الإشارة، إلى أن هذه التطورات تجري في وقت تقول
مصادر "الأنروا" إن العام الدراسي في مدارسها قد يتأجّل إلى بداية العام
2016، وليس في سبتمبر/أيلول من العام الحالي، كما هو معتمد في العادة.
المصدر: العربي
الجديد