مشروعات صغيرة..
مبادرة لتشغيل شباب غزة
الإثنين، 22 حزيران، 2015
بخفة يد مصحوبة بابتسامة
خفيفة، يجهز الشاب الفلسطيني سيف الدين عمر (29 عاماً) علبة بلاستيكية وأكياساً ممتلئة
بمشروب الخروب البارد، لأحد زبائنه العائد لتوه من عمله، لكي يأخذها إلى بيته ويروي
عطش أفراد عائلته عند موعد الإفطار بعد يوم طويل من الصيام.
ويتخذ عمر من نهاية شارع
الجلاء، الواصل بين وسط مدينة غزة وشمالها، مكانا دائما لعربته الصغيرة، يبيع من خلالها
المشروبات الباردة بأنواعها وتحديدا الخروب الشامي، لعلها تكون عونا له في اكتساب الرزق
ومجابهة قسوة الظروف المعيشية في قطاع غزة المحاصر إسرائيلياً منذ نحو تسع سنوات متواصلة.
وبدأ عمر العمل في مختلف
المهن المتاحة في أسواق مدينة غزة، منذ عام 2008 بعدما ترك تعليمه المدرسي مبكرا، من
أجل مساعدة عائلته المكونة من ستة أفراد، وتوفير مصدر دخل مالي لها، عقب استشهاد شقيقه
ووفاة شقيقتيه بسبب مرض مزمن أصابهما، فضلاً عن إصابة شقيقته الثالثة بداء السكري.
ويقول الشاب عمر لـ"العربي
الجديد" إنه لجأ للعمل على عربة لبيع المشروبات الباردة والخروب الشامي، بعدما
انسدت في وجهه كافة فرص العمل الأخرى في المجالات المهنية التي يتقنها، كتصليح الأدوات
الكهربائية والبطاريات القابلة للشحن، رغم تدني الأجور الشهرية في تلك المهن".
وافتتح عمر عربته الصغيرة
قبل بضعة أسابيع من حلول شهر رمضان، لكي يغتنم فرصة زيادة إقبال المواطنين على مشروب
الخروب الشهير خلال أيام الصوم، والذي يعد المشروب المفضل للمئات من العائلات الغزية
على مائدة الإفطار، نظرا لمذاقه الرفيع وتأثيراته الإيجابية على المعدة.
وينطلق بائع الخروب الشامي
إلى عمله الشاق في رمضان بعد ساعات العصر، ليبدأ فور وصوله بتنظيف المكان المحيط بالعربة
وترتيب العلب والزجاجات الفارغة، بطريق جذابة تلفت أنظار المارة، على أمل بيع بعض العبوات
المثلجة، مقابل أربعة شواكل لعبوة متوسطة الحجم، (الدولار يساوي 3.80 شواكل).
ويضيف: "أجمع بعد نحو
تسع ساعات من العمل المتواصل يومياً في غير رمضان، قرابة 50 شيكل، يذهب نصفها لشراء
مستلزمات العمل، وما يتبقى يخصص لدفع ثمن إيجار الشقة التي أعيش فيها برفقة عائلتي،
والبالغ 300 دولار شهرياً"، مبينا أن كافة مساعيه للزواج فشلت نتيجة المردود المالي
الضئيل الذي يحصله.
ولم يكن سهلاً على الشاب
سيف الدين تجهيز عربة بيع الخروب والأدوات التي تحتاجها تلك المهنة بنفسه، بل توجه
نحو إحدى الحملات الخيرية المحلية، من أجل مساعدته في ذلك، حيث تعمل الحملة على إعالة
الأسر الفقيرة وتوفير مصدر دخل مالي ثابت لها.
وترتكز الحملة، والتي تتخذ
من المثل الصيني الشهير "لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطادها" شعاراً لأنشطتها
الخيرية، على مساهمة مالية شهرية يقدمها المتطوعون في الحملة بمقدار 30 شيكل (نحو
8 دولارات)، تستغل بعد تجميعها في تأسيس مشاريع صغيرة للأسر المحتاجة بواقع مشروع أو
اثنين شهرياً.
بدوره، أوضح منسق الحملة
الخيرية، زكي مدوخ، أن الهدف الأساسي لنشاطهم التعاوني، هو ضمان العيش الكريم للعائلات
الفلسطينية المستورة في مختلف أحياء قطاع غزة، من خلال إقامة مشروع صغير لأحد أفرادها،
بنظام القرض الحسن بدلاً من التسول ومد اليدين.
وقال مدوخ لـ"العربي
الجديد" إنّ الحملة انطلقت في منتصف العام الجاري، بعدما اتفق ثمانية موظفين حكوميين
يعملون في مكان واحد على التبرع بشيكل يومياً، من أجل تأسيس مشروع تجاري، يساهم في
الحد من تداعيات الحصار الإسرائيلي المشدد وارتفاع معدلات الفقر والبطالة بشكل مخيف
بين الشباب".
وتستهدف الحملة في أنشطتها
رب إحدى الأسر الفقيرة أو أحد أفرادها من فئة الشباب، والذين أجبرتهم ظروف قطاع غزة
الصعبة على الجلوس في البيت من دون مصدر رزق أو معيل يلبي احتياجاتهم المتعددة، في
حين تبلغ كلفة تجهيز عربة واحدة بكافة مستلزماتها ما بين 350 إلى 400 دولار.
وبيّن منسق الحملة الخيرية
أن الشاب عمر ليس حالة فريدة، بل يعد نموذجاً للمئات من شباب غزة الذين دفعهم تردي
الأوضاع المعيشية والاقتصادية إلى العمل على عربات صغيرة تجر يدوياً، لبيع المشروبات
الباردة والساخنة أو ما شابههما، رغم المتاعب الجسدية المرافقة لذلك العمل وتدني الناتج
اليومي.
ولاقت فكرة المبادرة التعاونية
ترحيباً كبيراً من رواد مواقع التواصل الاجتماعي ومن المهتمين بالعمل الخيري، الأمر
الذي أدى إلى زيادة حجم التبرعات المالية وبالتالي أتاح للقائمين على الفكرة افتتاح
المزيد من المشاريع الصغيرة، والتي تضمن إبعاد العديد من العائلات الغزية عن شبح الفقر
والبطالة ولو بشكل جزئي.
المصدر: العربي الجديد