من الخيمة إلى الكرفان تتتابع النكبات
الجمعة، 15 أيار، 2015
كان يظن الفلسطينيون المهجرون عام 1948 أن تلك أسوأ
حرب يعاصرونها، حيث حدثوا عن قتل في الشوارع ومرور العربات العسكرية فوق الجثث، بينما
الناس كانوا يهرعون محاولين النجاة بأنفسهم وقليل منهم جلب مفتاح بيته وعقد ملكيته
خلال رحلة الزحف باتجاه قطاع غزة.
المهاجرون أنفسهم يواجهون اليوم واقعا اشد قسوة ومرارة
يتعلق بترحيل آلاف الأسر بسبب هدم مساكنها خلال الحروب الثلاثة على غزة لاسيما الأخيرة
(صيف 2014)، والاقامة على اثر ذلك في مراكز ايواء وكرفانات، وهو أمر يعيد إلى الذاكرة
مشهد النكبة الأولى.
ورغم تتابع النكبات يجد الفلسطيني نفسه مضطرا لتحمل
هذا العبء الثقيل للحياة، على اعتبار أن تلك إحدى محطات الحياة وصولا إلى مرحلة العودة
إلى دياره التي هجر منها. ويقول الحاج جميل جبريل الذي يقيم في كرفان بحي الشجاعية
شرق مدينة غزة على أثر هدم بيته في الحرب الاخيرة، "بصرف النظر عن حجم المشقة
التي يتحملها الفلسطينيون منذ النكبة إلى يومنا هذا، إلا أننا مازلنا نتطلع إلى العودة
إلى ديارنا المحتلة".
ويشير الحاج جبريل وهو ينحدر من النقب، إلى أن قدر
الفلسطينيين أن يكابدوا عناء ووجع النكبة الممتدة منذ العام 1948 وحتى اليوم، غير أنه
عبر عن تفاؤله بأن تحقق حلم العودة قد اقترب.
وبعد أن أوعز الحاج إلى ابنه انزال ابريق الشاي عن
موقد الحطب، راح يحدث عن ألم العيش في الكرفان الذي قال انه لا يقي حر الصيف ولا برد
الشتاء، واصفا اياه بأنه "حقنة تخدير" لأجل التراجع عن المطالبة بإعادة اعمار
غزة.
وينقل الستيني عن والده الذي عاصر النكبة الأولى،
أنهم أقاموا في خيام عند بلوغهم قطاع غزة إبان الهجرة واستمروا على هذه الحال إلى أن
قامت وكالة الغوث الدولية بإنشاء منازل متواضعة من القرميد، مشيرا إلى أن تلك البيوت
كانت تأخذ شكل الخيمة ولكن من الخرسانة.
وتحدث بقهر عن ألم فقدان ابنه شهيدا خلال الحرب الاخيرة،
وتسوية مسكنه بالأرض، ولما اغرورقت عيناه بالدموع، لعن (إسرائيل) وحلفاءها الذين لم
يسمهم.
ووثق مركز الميزان لحقوق الانسان هجرة (34697) امرأة
فلسطينية في قطاع غزة، لمنازلهن خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، فضلا عن مئات
الرجال والأطفال.
أما منظمة العفو الدولية "أمنيستي" فقد
اتهمت الاحتلال الاسرائيلي في ديسمبر الماضي بارتكاب جرائم حرب خلال العدوان الأخير
على قطاع غزة، مطالبةً بإجراء تحقيق دولي في هذه الاتهامات، مؤكدة امتلاكها جميع الأدلة
التي تظهر أن التدمير واسع النطاق جرى بشكل متعمد وبدون أي مبرر عسكري.
وحاول المواطن يوسف عزيز وهو لاجئ يقيم في مركز ايواء
شمال قطاع غزة، أن يتماسك قليلا في حديثه عن ألم فقدان المأوى، متسائلا: "لماذا
يطالب الفلسطينيون وحدهم بأن يدفعوا ثمن النكبة على مدار السنين، دون أن يحرك العالم
ساكناً أو يوقف هذه النكبات؟".
وقال عزيز: لا شيء يمكن أن يغني عن الاقامة في منزل،
رغم أننا نعتبر هذا المنزل محطة مؤقتة للوصول إلى البيت الأول في قرية حمامة التي هجر
منها والدي وأجدادي، معتبرا أن العالم كله مطالب بالإيفاء بالتزاماته تجاه إعادة إعمار
قطاع غزة، وإنهاء معاناة اللاجئين الفلسطينيين سواء في مراكز الإيواء أو الخيام.
ومثلما أن جرح النكبة الأولى مازال حياً على ضوء
فقدان العشرات من المواطنين وتشتيت شمل أسر بأكملها، فإن الحرب الأخيرة مازالت تبقي
مصير نحو 15 مواطنا من غزة غامضاً دون أن يتضح سبب اختفائهم، وأغلب الظن أن الحرب اخفت
اثارهم، حيث لم يعلن عنهم ضمن قوائم الشهداء أو الاسرى.
وعلى ذكر الأسرى فإن رئيس هيئة شؤون الأسرى عيسى
قراقع، قال إن سلطات الاحتلال اعتقلت ما يزيد عن مليون فلسطيني منذ عام 1948، تعرض
خلالها الأسرى لجرائم إنسانية تعد من أكبر النكبات التي يتعرض لها القانون الدولي،
والعدالة الإنسانية.
وأشار قراقع بمناسبة الذكرى الـ67 على نكبة فلسطين،
إلى "أن نكبة الشعب الفلسطيني، واستمرار الاحتلال، وزج الآلاف من الأسرى بالسجون
هو إعلان صريح أن دولة الاحتلال تحتل العالم، وتعطل الشرعية الدولية، وتكرس أطول استعمار
في التاريخ".
المصدر: الرسالة
نت