من «بحرها» لـ«نهرها»: في الذكرى الـ«64» للنكبة... غزة ترسم أكبر خريطة لـ«فلسطين»
الإثنين، 04 حزيران، 2012
«أزيح الستار في غـزة عن أكبر خريطة لفلسطين في العالم، وقد دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية بحجم 720 متراً مربعاً، وعرض نموذج منها بمساحة 200 متر مربع تقريباً، وكان النموذج بطول 20 متراً وعرض 9 أمتار».
هـذا الخبـر الذي تصدّر نشـرات الأخبـار أخيراً ضمن فعاليات إحياء الذكـرى الـ»64» لـ»النكبـة» لم يكـن صـانعوه وأبطـاله يـريدون منه أن يكـون رقمـاً يدخـل موسوعة الأرقام القياسيـة وأن تدون تلك الموسوعة الشهيرة أن أكبر خريطة في العالم هي لفلسطين في عملٍ استغرق إنجازه ثـلاث سنـوات متتالية.
لكن أطلّت هذه الخريطـة على العالم في ذكرى النكبـة لتؤكد أن فلسطين ليست خريطة منقوصـة أو جزئية، وليست هي غـزة أو الضفة أو هي الخريطة الصغيرة التي تتصدر معظم الفضائيات العربية.
ليست مجرد خريطة
وقـد تميزت الخريطة بإبراز جميع قرى فلسطين ومدنها من بحرها إلى نهرها، وخاصة تلك التي حاول الاحتلال أن يطمس هويتـها ومعالمها.
وقـد أسدل الستار على أكبر خريطة لفلسطين في أرض الكتيبة بغـزة بتنظيم ورعايـة دائرة شؤون اللاجئين ضمن فعاليات إحياء الذكرى الـ»64» للنكبة، بإشراف مختصين في الجغرافيا وبحضور عدد كبير من الوزراء والمسؤولين والعديد من وسائل الإعلام.
ويحيي الفلسطينيون في الخامس عشر من مايو/أيار من كل عام الذكرى السنوية لاغتصاب عصابات الاحتلال المدعومة من الدول الغربية أراضيهم عام 1948، وإقامة كيانهم عليها والذي حمل اسم «دولة إسرائيل»، فيما يحيي الاحتلال ما يسميه «يوم الاستقلال»، وهو اليوم الذي أنهت فيه القوات الإسرائيلية حربها ضد العرب بعد احتلال المدن الفلسطينية وتدمير القرى وإقامة دولتها على أنقاض المدن والقرى المُهجّرة.
عبد الله بشير حمد (22 ربيعاً) هو صاحب فكرة صنع خريطة لفلسطين من النهر إلى البحر وبحجم 720 متراً مربعاً لتدخل موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، الذي أكد لـ»العودة» أن لحظة إسدال ستائر الخريطة هي لحظة ميلاده من جديدة ومصافحة حلمٍ نسجه ليل نهار على مدار ثلاث سنوات متواصلة.
«اعرف بلدك.. ومدينتك.. وبلدتك.. وقريتك» هو عنوان الخريطة التي ولدت ودخلت موسوعة «غينيس» في تاريخ 2012/5/9, حاملةً شعار «جسر العودة.. يوم العودة.. فلسطين في كل بيت».
محفورة بالأذهان
وعن فكرة صنع الخريطة، قال عبد الله بحروفٍ من ثقة: «جاءت الفكرة من والدي «أستاذ الجغرافيا والتاريخ» الذي لاحظ أن الطلاب في المدرسة لا يعرفون معلومات عن بلداتهم وقراهم الأصلية التي هُجروا منها.. فبدأ بإعداد بطاقات لكل قرية ومدينة فلسطينية مسلوبة وعرف كل طالب بقريته وأعطاهم المعلومات الكاملة عن مدنهم وقراهم وبلداتهم».
ومضى يقول: «لم يتوقف والدي عند هذا الحد، بل تطورت الفكرة لكي يصمم خريطة لفلسطين ويضعها بالفصل وتكون أمام الطلاب طوال فترة وجودهم بالمدرسة لكي تحفر في عقولهم وذاكرتهم ويبقى لديهم الحافز لاسترجاعها مهما طال الزمن».
وأشار إلى أنه بعد أن علق الخريطة في الفصل صنع العشرات وعلقها في كافة فصول المدرسة وصنع أخرى ووضع في الواجهة على الجدارية. ولم يكتف بذلك، بل صنع أخرى كبيرة جداً ووضعها خارج المدرسة على السور لكي يراها كل من يمر من أمام المدرسة ويتمعن فيها وترسخ في العقول والأذهان.
ومضى يقول: «ومع مرور الأيام وجد والدي أنّ من المهم تصميم خرائط كبيرة وتوزيعها على المدارس في غزة.. وبالفعل قمنا بتصميم المئات من الخرائط بمختلف الأحجام والمقاييس لتوضع داخل الفصول والجدران في المدارس.. وتتطور الفكرة أكثر لنقوم بعمل خرائط حجهما كبير وتعليقها في أحياء المنطقة والشوارع والأزقة حتى تبقى فكرة العودة إلى المدن الفلسطينية حاضرة في القلوب والعقول».
وأوضح حمد إلى أنه أشد ما كان يحزنه ويوجع قلبه أن خريطة فلسطين من النهر إلى البحر كانت غائبة أو مغيبة من الأطلس الأوروبي الجديد ومن خريطة قطر، الدولة العربية الشقيقة، ومن خريطة وكالة الغوث واللاجئين «الأونروا» وكتبوا بدلاً من فلسطين «إسرائيل».
فلسطين التاريخية
وبألم ملأ صوته استدرك قائلاً: «وعندما يُشار إلى فلسطين لا يذكرون إلا جزءاً من قطاع غزة والضفة الغربية، وكأن فلسطين التاريخية اقتصرت على غزة والضفة وتناسوا القدس وباقي المدن والقرى الفلسطينية التي سرقتها واحتلتها إسرائيل».
وبقوة تابع: «من هنا بدأت الفكرة وبتّ أحدث نفسي لمَ لا أصمم خريطة كبيرة وعملاقة لأدخلها في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية لأعرّف العالم أجمع بأن فلسطين هي حق لأهلها الفلسطينيين المهجرين في كل بقاع العالم وأنها لهم من بحرها لنهرها ولا تقتصر على مدن وبلدات معينة».
وأكد أنه تواصل مع المسؤولين عن الموسوعة في لندن وسألهم عن أكبر خريطة صُنعت ودخلت الموسوعة، وكان الردّ بأنها «خريطة كرواتيا»، ودخلت الموسوعة بحجم 66 متراً مربعاً، مضيفاً: «وأخبرتهم أني أود صنع خريطة لفلسطين لتدخل الموسوعة بحجم 720 متراً مربعاً، ومن لحظة حصولي على الموافقة بدأت رحلة العمل».
وأوضح أن هدفه الأول من صنع الخريطة هو أن يعرف كل العالم أن فلسطين من شرقها وغربها إلى شمالها وجنوبها هي للفلسطينيين وحدهم وأن الإسرائيليين سرقوها واستولوا عليها بعد أن هجروا وقتلوا أهلها.. وأيضاً أن تدخل خريطة فلسطين الكاملة إلى كل بيت فلسطيني ليبقى رسمها محفوراً في العقول والأذهان.
وأضاف: «ولكي يعرف الطفل والشاب والعجوز بلداتهم وقراهم المسلوبة ويبقى على وعد أجدادهم بأنهم سيعودن يوماً إلى الدار وسيسترجعون حقهم مهما طال الزمن».
لن نتنازل عنها
وشدد على أن دخول خريطة فلسطين في موسوعة غينيس للأرقام القياسية هو رسالة لإسرائيل في ذكرى النكبة، وأن العودة حق كالشمس ولا يمكن أن نتنازل عنه بأي ثمن ومهما طال الزمان سنرجع إلى ديارنا وسنفتح باب الدار.
واستدرك: «هي رسالة إلى كل فلسطيني في المهجر والشتات، أن يدخلوا الخريطة إلى بيوتهم ومؤسساتهم ويلقنوها لصغارهم وأطفالهم ليحفظوها كاسمهم؛ لأنه عندما يموت الكبار سيبقى الصغار يذكرون أرضهم ووطنهم المسلوب».
وعن العقبات والصعوبات التي واجهته في رحلة صنعه للخريطة قال: «أثناء صنعي للخريطة واجهت العديد من العقبات، وكانت في أغلبها مادية؛ لأنّ تكلفة الخريطة وصلت لأكثر من عشرة آلاف دولار.. وأنا كطالب في الجامعة لا أملك هذا المبلغ على الإطلاق لأني ما زلت أتلقى مصروفي الشخصي من والدي».
ونوه إلى أنه رغم المبلغ الكبير إلا أنه لم ييأس، وطرق الأبواب طلباً للمساعدة في تحمّل جزء من نفقات الخريطة، إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل، فلم يساعده أحد، مستدركاً بأسف: «كل الأبواب أوصدت في وجهي، والجميع دعمني نفسياً فقط وشجعني على المضي في طريقي وتنفيذ الفكرة».
وأردف بالقول: «بعد أن أصابني اليأس، تحمّل والدي جميع النفقات على حسابه الشخصي وشجعني على المضي في تنفيذ الفكرة وتحقيق حلمي بدخول الموسوعة بشيء يشرف بلادي. وبالفعل، مضيت بطريقي وبدأت بالعمل الشاق والمتواصل على مدار ثلاث سنوات».
المصدر: مجلة العودة العدد الـ57