من سوريا إلى عين الحلوة: تخفيف معاناة اللاجئين في صيدا
الأربعاء، 22 أيار، 2013
غادر محمود مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بالقرب من دمشق منذ 45 يوماً،
ويعيش الآن في عين الحلوة مع زوجته وابنهما البالغ من العمر ست سنوات في غرفة ضيقة،
قسمت إلى نصفين بواسطة لوح من الخشب لتؤوي أسرة أخرى. يقول: "أشعر بحزن عميق في
داخلي، لكن يجب أن أبدو قوياً ومتماسكاً أمام أسرتي. الأمر بالغ الصعوبة. قتل سبعة
من أقاربي جراء القصف وإطلاق النار في سوريا. شاهدنا أشلاءهم. دفنتهم بنفسي، ودفنت
قتلى من الجيران أيضاً. اختفى ابني. وبعد شهر اختفى شقيقي. أنا متأكد من مقتلهما وهذا
يسبب لي حزناً عميقاً".
تجمعت نحو 60 أسرة أخرى داخل وحول ما كان في السابق مركزاً اجتماعياً وثقافياً
في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا. يتقاسم أكثر من نصفها الإقامة في
19 خيمة مزدحمة، بينما تحتشد البقية في غرف. هذه مجرد إحدى مناطق المخيم التي تؤوي
اللاجئين الفلسطينيين الذين هربوا من الحرب في سوريا. أتى معظم هؤلاء من مخيم اليرموك
وغيره من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.
أصبح مخيم عين الحلوة، الذي أقيم عام 1948 ليستوعب نحو 10،000 شخص، أكبر مخيم
للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويستضيف الآن ما يقدر بنحو 80،000 شخص في المساحة ذاتها.
تمكن سكان المخيم الذين يزداد عددهم باستمرار من التعامل بنجاح إلى حد ما مع الكثافة
السكانية المرتفعة والعثور على مساحات جديدة للسكن عبر بناء طوابق إضافية فوق منازلهم.
لكن في الأشهر الستة الماضية، اتخذ عدد يقدر بنحو 2،400 أسرة هاربة من سوريا،
معظمها فلسطينية لكن بينها سورية أيضاً، ملجأ لها في هذا المخيم المزدحم بسكانه، لتعيش
مع العائلات المضيفة، أو تستأجر منازل، أو تتجمع في ملاجئ جماعية وبعض الخيام. ويحتاج
سكان المخيم والقادمون الجدد على حد سواء إلى التكيف مع ظروفهم المعيشية الجديدة، وهي
حالة تبدت في تنامي الاحتياجات إلى خدمات الصحة النفسية.
الأعراض الأكثر شيوعاً: الاكتئاب والقلق والصدمة
على الجانب الآخر من لوح الخشب، يتقاسم الشاب ربيع وزوجته العيش في المساحة
الضيقة. كانت الزوجة حاملاً لكنها فقدت الجنين خلال الحرب في سوريا. تشرح نسرين مغامس،
العاملة في الخدمة الاجتماعية مع منظمة أطباء بلا حدود بالقول: "يفكر ربيع على
الدوام بشقيقه الذي اختفى. ويشعر بالقلق والاكتئاب لأنه لا يعرف ماذا حل به. يبكى في
أغلب الأوقات، وتلازمه الكوابيس باستمرار. ولا يعرف كيف يتعامل مع هذا الوضع. هذه مجرد
واحدة من قصص عديدة نسمعها كل يوم".
يمثل الاكتئاب والقلق واضطراب ضغوط ما بعد الصدمة الأعراض الأكثر شيوعاً حسب
تشخيص حالات مرضى المنظمة القادمين من سوريا. تقول منال قاسم، المعالجة النفسية التي
تعمل في إحدى عيادات المنظمة: "هنالك مستوى مرتفع من الصدمة. إذ شهد الكثيرون
مقتل أقاربهم وأصدقائهم، وحرق منازلهم، وتعرض بعضهم للتعذيب. وعانى العديد منهم من
نوبات الهلع والنسيان والكوابيس و الأوجاع النفس- جسدية، الخ. وفضلاً عن ذلك كله، يواجهون
ظروفاً معيشية صعبة ويكافحون للحصول على متطلبات الحياة الأساسية".
الظروف المعيشية الصعبة والتوترات داخل الأسر وبينها
تنشأ نزاعات عديدة بين أفراد الأسرة جراء المساحة الضيقة التي يضطرون إلى تقاسم
العيش فيها. يقول أبو صالح، وهو لاجئ فلسطيني يعيش في المخيم منذ عام 2006، ويدير تجمع
اللاجئين الذين يعيش بينهم محمود وربيع: "حين يتقاسم 10 أشخاص أو أكثر من عائلات
مختلفة العيش في غرفة واحدة ويتشاركون في استخدام مرحاض عام واحد، يعانون من نقص النظافة
وإجراءات حفظ الصحة".
زاد العنف الأسري لأن الناس يجدون صعوبة في التكيف مع وضعهم الجديد. في بعض
الحالات، تُعكس أدوار أفراد الأسرة. يضيف أبو صالح: "النساء هن اللواتي يطلبن
المساعدة ويجلبن الطعام والحليب والحفاضات إلى الأسرة، بينما يجهد الرجال للعثور على
عمل ويمنعهم الحرج من طلب المساعدة. في غالبية الحالات، تكون أسباب النزاع داخل الأسرة
تافهة، لكن الخلافات تتفاقم بسبب ظروف المعيشة السيئة". في حالات أخرى، تنشأ النزاعات
بين الأسر جراء التوزيع غير العادل للمساعدات من قبل المتبرعين الأفراد.
في الوقت ذاته، استوعب المخيم المزدحم باللاجئين أصلاً عدداً كبيراً من القادمين
الجدد، الأمر الذي عرض الفلسطينيين المقيمين في المخيم قبل الأزمة السورية إلى ضغط
شديد. تقول المعالجة النفسية في المنظمة: "يشاركونهم في البيوت، ويقترضون المال
لإعالة خمس أو ست عائلات لأنهم لا يستطيعون الرفض. فهم يتبعون تقاليد حسن الضيافة على
الرغم من عجزهم عن تحمل تكاليفها. لكنهم يشعرون بالقلق على مستقبلهم. وكثير منهم لا
يأكلون سوى وجبة واحدة في اليوم".
برنامج منظمة أطباء بلا حدود المعني بالصحة النفسية
تدير منظمة أطباء بلا حدود في صيدا برنامجاً للصحة النفسية المجتمعية منذ نيسان
2011، حيث تعمل في خمسة مرافق صحية وتستهدف بشكل رئيسي اللاجئين الفلسطينيين في عين
الحلوة، إضافة إلى المجموعات السكانية المستضعفة الأخرى التي تعيش داخل وخارج المخيم،
بما فيها اللبنانية.
يقوم محمد زيدان، وهو أحد العاملين في مجال الخدمة الاجتماعية مع المنظمة، بزيارات
منزلية يومية ويوفر المساعدة الاجتماعية والتثقيف النفسي، ويحيل المحتاجين إلى المنظمات
الأخرى للاستفادة من الخدمات غير الطبية، مثل الدعم المالي لدفع الإيجار. ويقول:
"يبلغني بعض اللاجئين: وفر لنا مأوى وستكون حالتنا النفسية على خير ما يرام".
وتضيف المعالجة النفسية منال قاسم: "نحن نوفر على الأقل المساعدة النفسية الإسعافية
والدعم النفسي". في بعض الحالات، قد يتفاقم اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة إلى أعراض
نفسية أشد حدة مع مرور الزمن إذا لم يعالج المصاب في الوقت المناسب.
يقوم العاملون في مجال الصحة المجتمعية والخدمة الاجتماعية مع منظمة أطباء بلا
حدود بتوعية الناس عبر خدمات الرعاية الصحية النفسية، ويؤدون دوراً تمريضياً، حيث يوفرون
التثقيف الطبي، ويتأكدون من أن المرضى المحتاجين إلى العلاج النفسي يحضرون جلسات الاستشارات.
كما توفر المنظمة العلاج المجاني للاجئين الذين كانوا يخضعون للعلاج الطبي واضطروا
إلى وقفه بسبب الحرب والمشكلات المادية.
منذ بداية السنة، سجل فريق الصحة النفسية زيادة مطردة في عدد المرضى القادمين
من سوريا، الذين يمثلون الآن نسبة 43% من مرضى المنظمة الجدد، ومعظمهم من اللاجئين
الفلسطينيين، لكن يوجد بينهم أيضاً مواطنون سوريون. تقول رولا شرقية، المسؤولة عن الأنشطة
الطبية لدى المنظمة في صيدا: "ترتفع أعدادهم باستمرار وتزداد احتياجاتهم إلى الرعاية
الصحية النفسية زيادة كبيرة جداً".
المصدر: جريدة النهار