القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

من عين الحلوة إلى بلجيكا.. أن تكون لاجئًا مرتين 1/2

من عين الحلوة إلى بلجيكا.. أن تكون لاجئًا مرتين 1/2

هل ما زال المخيم مدرسة في الصمود والمقاومة كما السابق في ظل تساقط دور منظمة التحرير الفلسطينية بعد أوسلو وسقوط حق العودة في حياة المفاوضات؟ لا مكان لكي تحاصر حصارك في المخيم، فالفدائي أصبح "شقفة عسكري" اليوم، ولا مفر من الدولة اللبنانية والطائفية السياسية في هذا البلد، ولا أُفق يلوح في الأفق في ظل انقسام الإخوة.. عندها تقرر أن تصبح لاجئا مرة أخرى بعد فعل النكبة عام 1948 : قصة محمد خطيب لاجئ من عين الحلوة إلى بلجيكا.

اللجوء الأول

أصبحت ظاهرة الهجرة عند الشباب الفلسطيني في المخيمات ظاهرة عادية ومنتشرة وإحدى الأفكار الشاغلة الرئيسية بعد التخرّج من المدرسة الثانوية، في ظل الظروف التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات لبنان، فغالبية الوظائف تمنعها الدولة اللبنانية على الفلسطيني بحجة "عدم التوطين" بالرغم من قانون جنبلاط الأخير، ومنظمة التحرير الفلسطينية لم تعد تعكس تطلعات الفلسطينيين بعد تهاوي دورها الريادي إثر اتفاقية اوسلو عام 1993 وبعد اتساع الانقسام الفلسطيني، فأصبح اللجوء والهجرة الأفق الوحيد أمام الشاب الفلسطيني.

من وإلى المخيم

محمد خطيب، شاب في أوائل العشرينات أصله من قرية الملاحة، بالقرب من الحولة قضاء صفد، استشهد والده عندما كان عمره عشرة أشهر، بعدما عاد من تونس حيث كان مرافقًا لأبو العباس في جبهة التحرير. يرى محمد ان حياته لم تبدأ في مخيم عين الحلوة، بل بعد خروجه من المخيم إذ لم يعد هذا العالم يتسع له.

بدأ محمد دراسته في مدرسة "عائشة الزهراء" في مدينة صيدا خارج مخيم عين الحلوة حيث يصف خروجه من المخيم يوميًا والعودة إليه بخروجك من عالم ودخولك عالمًا آخر، ففي المخيم "أنت في جيتو محاصر" يقول محمد، أما خارج المخيم "لا أشعر بالانتماء بسبب التعامل الذي يتلقاه الفلسطيني..ففي مدرستي في صيدا لم نكن نعطل على ذكرى النكبة، وذكرى الاستقلال اللبناني لا يعنيني".

ترك محمد مدرسته الأولى بعد أن سأل نفسه "لماذا اترك المخيم؟"، وعاد إلى المدرسة الابتدائية التابعة للأنوروا في المخيم ليكمل تعليمه بالرغم من الفارق بين المدرستين، إذ أنّ "المعلمة في مدرسة المخيم التابعة للأونروا كانت تكتب لنا الامتحان مع الأجوبة قبل يوم الامتحان بيوم، لم نتعلم.. كننا نمضي الوقت في المدرسة.. لا تجد ذاتك في التعليم، لا يعلموننا عن فلسطين كما كان في السابق كما أنّ الفلسطيني لا يتدخل في مناهج التعليم الخاصة به..لا أجد ذاتي ولا تاريخي ولا هويتي في المدرسة فأصبحت أهرب وأتسرب إلى الشارع حيث بدأت اكتساب خبرات الحياة من هناك حتى لو أضرني الامر في إحدى المرات حيث كسرت يدي من أجل ذلك".

لم ينجح محمد في اجتياز امتحانات الدولة مما أضرّه ليلتحق بكلية لبنانية خاصة التي تؤهله للتعليم الجامعي، لكن مع بدأ الاعتصامات لفريق 8 آذار اللبناني أمام مجلس النواب والمشاكل التي جرت في المخيم فيما يتعلق بقضية "جند الشام"، وبسبب التمييز الذي يتعرض له الفلسطيني ترك الكلية وعاد إلى المخيم ليكمل في كلية تابعة للاونروا .

لا أُفق

يقول محمد إن ظاهرة التسرب "منتشرة جدًا وهنالك أيضًا التسرب المبكر، مع أنّ المدرسة الثانوية في المخيم تفوز بالمرتبة الأولى في الجنوب، إلا أنّ المشكلة الحقيقية هي ما بعد التخرج إذ أن التعليم الجامعي مكلف جدًا لابن المخيم وقلائل هم الذين يلتحقون بالتعليم الجامعي.. وحتى بعد الجامعة تواجه المشكلة الأكبر، لا يوجد لك عمل بسبب القانون اللبناني، لذلك معظم الشباب يسافر للإمارات للعمل لأنها أسهل شيء، لكن حتى السفر إلى الإمارات أصبح صعبًا في الآونة الأخيرة،.. يبقى لك أن تعمل سائق سيارة أجرة مع شهادة مهندس".

يضيف محمد "ترى الشباب في المخيم جالسون على الطرقات، يدخنون طوال اليوم، يجلسون بدون سبب.. لا يوجد لهم أُفق.. حالة من الفراغ والضياع والحصار".

"شقفة عسكري"

"مؤسسات المجتمع المدني أصبحت دكاكين، ترفع شاعرات مثل "لا عنف، السلام والمحبة"، وأصبحت مرتبطة بمصالح شخصية كما الأحزاب، فمثلا الاتحاد العام لطلبة فلسطين تسيطر عليه حركة فتح اذ تعطي كل شخص منتسب إليه 20 دولار شهريًا، ناهيك عن حالة الانقسام المخيفة" يقول محمد.

"غياب المقاومة داخل المخيم يؤثر على نفسية الناس، هناك أشخاص أُصيبوا بالجنون مع خروج الثورة من لبنان عام 1982، فصورة الشاب الذي يحمل بندقية اليوم لم تعد مثل السابق، الناس لم تعد تحترمه، فمن يحمل البندقية اليوم يحملها لأجندات داخلية بنظر الناس وليس من أجل أن يقاوم، حتى اسم الفدائي تغير ل "شقفة عسكري"، ويضيف "حتى عندما يأتي مسؤول لزيارة المخيم ينظر الناس له على أنه صاحب مصلحة.. فذاك المسؤول لديه مشروع سوري في المخيم وذاك مشروع أردني أو لبناني وغيره مشروع إسلامي، تجار لديهم مصالحهم على حساب القضية".

الشباب يريد الرحيل

حالة عامة تسويد بين الشباب ألا وهي الرحيل عن المخيم نحو عالم جديد مجهول المعالم، لكن يبقى بالنسبة لهم أفضل من هذا الواقع في المخيم؛ بطالة، حصار، تفتيش على الحاجز، مشاكل بين الفصائل وغياب مقومات أسباب الحياة تجعلك على الرحيل.. فيقرر محمد الرحيل في رحلة لجوء شاقة توازي لجوء النكبة عام 1948.