من يردّ الروح لسوق البارد؟
الإثنين، 04 آذار، 2013
بعد انتفاضة أحداث 15 أيار الماضي في مخيم نهر البارد
إثر مقتل شابين على حاجز للجيش عند مدخله، ألغت الدولة اللبنانية نظام التصاريح الذي
كان معمولاً به منذ انتهاء معارك الجيش وفتح الإسلام في المخيم. واليوم، بعد مرور أكثر
من 6 أشهر على إلغاء هذا النظام، ما الذي تغير في الواقع التجاري للمخيم الذي كان سوقاً
لكل الشمال؟ وهل أثّر ذلك إيجاباً على الحركة الاقتصادية بعد ركود طال 5 سنوات؟
نهر البارد | «بوابة عكار وسوق الفقراء»، كان هذا
لقب مخيم نهر البارد قبل أحداث عام 2007. هنا، في مخيم نهر البارد، كنت تجد السوق والمصنع
والمستوصف ومحل الذهب وتجارة البلاط ومحالّ السمانة والصيدلية إلخ... كان الازدهار
منعكساً حتى على حياة الجوار الذي كان يعرض منتجاته في سوق المخيم. كان التعامل اليومي
يفوق آلاف الدولارات، لكن لم يبق من هذا السوق اليوم سوى ذكريات جميلة في أذهان أبنائه
الذين ما إن تسألهم حتى يهزون برؤوسهم أسفاً وهم يقولون: «سقى الله أيامك يا نهر البارد».
دام نظام التصاريح لمدة 5 سنوات عجاف، ذاق خلالها
ساكنو المخيم مراره الذل والهوان. واليوم، بعد مرور ما يزيد على 6 أشهر على إلغائه،
ما الذي تغير فعلياً في الواقع التجاري؟ الظاهر لا يدعو إلى التفاؤل. أما التثبت من
الوقائع فليس بحاجة إلا إلى زيارة التجار.
يقول عبد شريف، وهو صاحب محل للأدوات المنزلية:
«والله يا أخي لم يتغير شيء؛ لأن المخيم ما زال مغلقاً بالحواجز. صحيح أُلغي التصريح
للفلسطينيين، لكن اللبنانيين لا يدخلون المخيم الآن؛ لأنهم وجدوا خلال هذه السنوات
بديلاً من سوق البارد خارج المخيم. كذلك انتقل كبار التجار الفلسطينيين إلى خارج المخيم
(مثل محالّ البورسلان، الذهب، إلخ...). وقد كنا نستفيد من زبائن هذه المحالّ، أما اليوم
فلا يدخل المخيم إلا بعض النسوة. أما الرجال فقلة بسبب الحواجز». ويتفق الحاج بشار
نصار (صاحب محل ألبسة) معه، فيقول إن تأثير إلغاء التصاريح «كان بسيطاً جداً لا يتعدى
5%». ويضيف: «بصراحة، إذا بقي الوضع هكذا فستقفل أغلب المحالّ. يا زلمي، نحن نأكل من
لحمنا، أصبحنا لا نجد ما ندفعه بدل إيجار آخر الشهر! فضلاً عن سداد الديون المتراكمة
علينا للتجار؛ فمعظم ما نملكه في محالّنا هو لهم. واقع مزرٍ للأسف». يقلّب الرجل بأوراق
دفتر أمامه ثم يقول: «بصراحة أكثر، إذا بقيت الأحوال على ما هي عليه، فنحن مقبلون على
كارثة اقتصادية. في بداية الإعمار في المخيم، كان الوضع أفضل قليلاً من الآن، حيث إن
غالبية العمال كانوا من شباب المخيم. أما الآن، فقد انصرف العديد من المتعهدين لتشغيل
العمال السوريين بدل الفلسطينيين». في محل النوفوتيه القريب منه، يجلس أبو سمير بدر
الذي كان يمتلك سابقاً أكبر محل نوفوتيه في المخيم. التحسر سمة التجار «سقى الله أيام
زمان. كان مدخولنا اليومي نحو 2500 $، وكان لدينا 4 عاملات، وأحياناً في الأعياد 6
عاملات إضافة إلى ولدَيَّ الاثنين. كان التبادل التجاري مع تجار طرابلس يقدر أسبوعياً
بنحو 20 ألف دولار، وكنا أيام الأعياد نبيع كل ما في المحل من ألبسة. أما اليوم، فمثل
ما أنت شايف، عم نكشّ دبان». أما أبو أحمد العبد عيسى، وهو صاحب محل أدوات منزلية،
فيقول: «الشكوى لغير الله مذلة! والله يا عمي إذا بقيت الأوضاع هيك رح أسكّر المحل».
أسأله عن زبائن الجوار، فيقول بشبه غضب: «وينهم يا ابني؟ ليش في حدا عم يفوت؟ بينعدوا
على أصابع اليد الواحدة. خليها لألله يا زلمة». وماذا عن التعويضات؟ يقول: «الدولة
مش سائلة، مع العلم أنهم عوضوا على محلات (قريتي) المحمرة والمنية بآلاف الدولارات.
لكن إحنا؟».
بعد حرب مخيم البارد تأسست لجنة تجار نهر البارد
لمتابعة موضوع الإعمار والتعويضات وإلى ما هنالك من أمور مشتركة.
يعيش الحاج علي عوض، وهو عضو في الهيئة الإدارية
للجنة، وصاحب محل «نوفوتيه العرايس» المعاناة التي يعيشها زملاؤه. لكن ما هو دور اللجنة
في حلّ الأزمة؟ يقول إنهم رفعوا مذكرات واتصلوا بمسؤولين لبنانيين «إلا أننا حتى الآن
لم نلقَ أي تجاوب، إن كان لجهة التعويض على التجار، أُسوة باللبنانيين الذين لم يخسروا
عشر ما خسره تجارنا، أو من خلال فك الحصار والسماح بدخول أهالي الجوار اللبناني». ويضيف
أنهم تعاونوا مع الأونروا في إحصاء أصحاب المحالّ التي دُمّرت «ودفعت الأونروا هبات
راوحت بين 2000 و4500$ للمحالّ الصغيرة وما بين 5000 و 9500$ للمحالّ الكبيرة، وكان
الشرط الوحيد أن يكون المستفيد صاحب محل سابق، أعاد فتحه بعد الحرب». وأضاف: «ليس لدينا
خيار سوى الصمود، ولو باللحم الحيّ؛ لأننا ندرك أن الحرب التي شُنَّت علينا إنما كانت
اقتصادية أيضاً». وماذا عن الحل؟ يقول: «يجب فتح معابر البارد، ولي عتب كبير على الأخوة
المغتربين؛ فلو دفع كل مغترب من زكاة ماله لعائلة أو أكثر كسوة أو طعام، فقد ينتعش
الاقتصاد في المخيم، وخاصة في الأعياد».
إلى مقر الأخ أبو النمر، أمين السر الدوري للجنة
الشعبية في المخيم الذي قال: «بصراحة، إلغاء التصاريح لم يؤدّ إلى النتيجه المرجوّة،
وذلك نتيجة بقاء الحواجز على مداخل المخيم، ما يعني إبقاء المخيم بنظر الكثيرين منطقة
عسكرية. طبعاً، الدخول للبنانيين مسموح، لكن الكثيرين منهم إما يخافون الدخول إن كان
عليهم محضر ضبط أو غيره، أو مستاؤون من الانتظار الطويل على الحاجز. كذلك البديل موجود
بجوار المخيم الذي انتعش اقتصادياً ما بعد حرب المخيم. المخيم منفتح على الجوار، لكن
نريد العكس. نريد انفتاح الجوار على المخيم، وهذا يستدعي إلغاء الحالة العسكرية بقرار
سياسي من الحكومه اللبنانية.
***
سجلت اللجنة الشعبية في المخيم ملاحظات عديدة على
الأونروا وبعض المؤسسات «التي تعاملت بسياسة إدارة الظهر لمحالّ نهر البارد، وتعاقدت
مع تعاونيات استهلاكية خارج المخيم أثناء مساعدات الأخوة النازحين من سوريا» يقول أبو
النمر، أمين سر اللجنة، ويضيف: «حيث إن البون بقيمة 25 دولاراً صرف في تعاونيات استهلاكية
خارج المخيم، وكان المفترض صرفه من محالّ البارد حيث الفرق بالأسعار والنوعية. نحن
قلقون على الوضع التجاري في المخيم الذي يستوجب تضافر كل الجهود من أجل النهوض به من
جديد. وهذا يستدعي بالدرجة الأولى رفع الحالة العسكرية عن المخيم.
المصدر: زياد شتيوي – الأخبار