نكبة جديدة للأقصى: الاعتداء الأكبر منذ 1969
الإثنين، 14 أيلول، 2015
ربما قصد الاحتلال الإسرائيلي أن تكون الموجة غير المسبوقة من تصعيده،
أمس الاحد، ضد القدس عموماً، والمسجد الأقصى خصوصاً، متزامنة مع الذكرى الـ22 لاتفاقيات
أوسلو التي أجّلت التفاوض حول وضعية القدس لخمس سنوات. اقتحام المسجد وإحداث تخريب
واسع النطاق فيه، ومحاولة حرقه، وإصابة العشرات من الفلسطينيين والمرابطين، وسحب الدخان
الأسود المتصاعدة من داخل الأقصى وحجم التخريب والدمار الذي خلفه جنود الاحتلال، كلها
أعادت إلى ذاكرة المقدسيين الحريق الضخم الذي أتى على أجزاء كبيرة منه في 21 أغسطس/آب
1969 حين أضرم أسترالي يهودي النار فيه، لكن مع فارق جوهري، إذ لم يعد تخريب وحرق الأقصى
يتصدر الأولويات العربية كما كان في ذلك الوقت.
نظرية التزامن غير البريء إن صحّت بين الذكرى واعتداءات يوم أمس، قبل ساعات
من بدء الاحتفالات بعيد رأس السنة العبرية، فإنّ الهدف من ورائها هو حسم الاحتلال أن
السيادة على القدس شأن إسرائيلي حصري، وأن تل أبيب مصممة على التقسيم الزماني والمكاني
للمسجد، وعلى منع المرابطين من التواجد فيه، والمجاهرة بأن حكومة الدولة العبرية تتحكم
بمفاتيح المسجد الأقصى؛ أي أنها صاحب القرار بحق العبادة حتى، على حد تعبير الأمين
العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حنا عيسى، في تعليقه لـ
"العربي الجديد".
يعيد مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني، الذي أصيب صباح أمس، خلال
الاقتحامات والاعتداءات، في حديث مع "العربي الجديد"، تركيب أجزاء مشهد أحداث
الأحد الأسود كالتالي: اقتحم أكثر من 150 مستوطنا، على رأسهم وزير الزراعة أوري أرائيل
صباحاً، المسجد، لتأدية طقوس خاصة قرب باب الرحمة داخل المسجد، في مؤشر على سياسة جديدة
ضد الأقصى والمرابطين فيه، بعد قرار وزير الجيش الإسرائيلي موشيه يعلون بحظر مصاطب
العلم والإعلان عن المرابطين كتنظيمات غير قانونية. اعتداء جماعي لم تتوان خلاله قوات
الاحتلال عن إطلاق رصاصها المطاطي وقنابل الغاز والصوت داخل المسجد القبلي متسببة بعشرات
الإصابات وإلحاق أضرار فادحة في نوافذه ومنشآته. ووصلت حصيلة الاقتحامات حتى ساعات
الظهر، إلى إصابة أكثر من 110 فلسطينيين، بينهم حراس الأقصى وثلاثة مصورين صحافيين.
وفي ما كان متطوعون من الشباب يزيلون ركام الدمار الهائل من داخل المسجد
القبلي للأقصى، وقف مسؤولون في الأوقاف مصدومين مما جرى، في حين عرض مرابطون ونشطاء
مزيجًا متعددًا من قنابل الغاز والصوت التي أطلقت على المصلين وانفجرت شظاياها على
أجسادهم.
الناشط محمود أبو عطا، والمختص بشؤون المسجد الأقصى، قال لـ"العربي
الجديد"، إن "عنف شرطة الاحتلال ووحشيتها ضد الأقصى والمسلمين يدخل المنطقة
برمتها في مرحلة جديدة، تشير معالمها إلى غلبة منطق القمع والغطرسة وفرض التقسيم الزماني
على الأقصى كمقدمة للتقسيم المكاني" بين المسلمين واليهود، متوقعاً "أنه
بعد قرار يعلون بشأن مصاطب العلم والمرابطين، سنشهد مزيدًا من التصعيد الإسرائيلي"
عشية عيد رأس السنة عند اليهود.
أما المدير العام لأوقاف القدس، الشيخ عزام الخطيب، فاعتبر، في تصريح لـ
"العربي الجديد"، أن "ما جرى (أمس) سيسجله التاريخ على أنه من الأيام
السوداء التي أصاب فيها جنود الاحتلال الحراس وموظفي الأوقاف، واعتدوا على رجال الدين
وعلى المصلين على حد سواء". وكشف مرابطون تعرضوا للتنكيل قرب باب المجلس إحدى
بوابات الأقصى، أن "ضابطاً كبيراً من الاحتلال أبلغهم أنهم سيواجهون القمع ذاته
في كل مرة يتصدون فيها للمستوطنين". وأشاروا، وهم يزيلون آثار الحريق عن إحدى
نوافذ المسجد القبلي، إلى أن حرائق مماثلة وقعت في أكثر من موقع، قبل أن يسيطر عليها
المرابطون داخل المسجد. وعن حصيلة اليوم الطويل من الاعتداءات، ذكر رئيس قسم المخطوطات
والتراث في المسجد الأقصى رضوان عمرو أن 32 من نوافذ المسجد دمرت بالكامل أو لحقت بها
أضرار، وإن أحد الأبواب دمر بينما احترق السجاد في 12 موقعاً. واختصر الوضع، في تصريح
الوكالة "رويترز" بأن "ما حصل اليوم في المسجد الأقصى لم يحصل منذ العام
1969. هذه الأضرار بحاجة إلى ثلاث سنوات من العمل المتواصل".
وكان عدد من النواب الفلسطينيين في الكنيست الإسرائيلي، الذين وصلوا الأقصى،
قد تعرضوا للضرب والسحل والدفع من قبل جنود الاحتلال، الذين تسلقوا جدران المسجد القبلي
وحاولوا التسلل إليه قبل أن يصدهم المرابطون.
ويرى متابعون أن ما جرى يعتبر تطوراً نوعياً في مسلسل الاعتداء على الأقصى،
وفق تصريحات أدلى بها لـ "العربي الجديد" مسؤول ملف القدس في حركة
"فتح"، عضو مجلسها الثوري، حاتم عبد القادر. بدوره، يؤكد المحلل السياسي
محمود محارب لـ "العربي الجديد" أنه "تحت غطاء المفاوضات المباشرة واتفاقية
أوسلو، أجهزت إسرائيل على القدس الشرقية، ولم يعد بمقدور الفلسطينيين المقيمين فيها
التصدي للاحتلال ومستوطنيه، حيث يعيش في القدس الشرقية 250 ألف مستوطن، وأقامت حكومة
الاحتلال 18 مستوطنة، غالبيتها العظمى بعد أوسلو". ويتابع أنه "منذ اتفاقية
أوسلو، والاستيطان يسير بوتيرة مطردة في القدس، كذلك التطهير العرقي ضد الفلسطينيين،
فضلاً عن تغيير الوضع القائم في القدس والمسجد الأقصى تحديداً، الذي بدأ الإسرائيليون
يقصدونه للصلاة قبل سنوات عديدة، رغم أن فترة أوسلو ثبتت واقع أن منطقة الصلاة بالنسبة
لليهود تقتصر على "حائط البراق"، لكن الأمر تغير الآن بشكل جذري"، على
حد تعبير محارب.
ويختصر محارب الوضع بالنسبة للأقصى اليوم بأن "هناك 15 مؤسسة وجمعية
إسرائيلية حالياً تنظم دخول المستوطنين والسياح لاقتحام المسجد الأقصى، لتثبيت أن هذا
المكان ليس للمسلمين والعرب فحسب".
أما في ما يتعلق بتزامن موجة التصعيد مع الذكرى الـ22 لأوسلو، فيتوقف مراقبون
على البند الذي نصّ، في الاتفاقية الشهيرة، على بدء مفاوضات وضعية المدينة بعد 5 سنوات،
وهو الموعد الذي فات منذ 17 عاماً من دون حصول أي محادثات. ربما اليوم "لم يتبق
شيء للتفاوض عليه"، بعدما استولت إسرائيل على العاصمة الفلسطينية، واستوطنتها،
وهوّدتها على حد تعبير حنا عيسى. ويقول عن هذا الموضوع: "لقد تم توقيع اتفاقية
أوسلو على أساس أن يكون التفاوض على القدس خلال خمس سنوات، إلا أن إسرائيل تنكرت لكل
الاتفاقيات التي وقعتها، ولا سيما مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية حول القدس، حيث
تفرض سياسة الأمر الواقع على المسجد الأقصى، ولن يجد المفاوض الفلسطيني والعربي أي
شيء يتفاوض عليه بما يخص القدس لاحقاً". ويتحدث حنا عيسى كما بقية المسؤولين عن
المقدسات في المدينة المحتلة، بيأس بالغ، إذ لا يرى أي ضوء في نفق يزدحم بالاقتحامات
والتهويد وسلب ممتلكات المقدسيين اليومي.
المصدر: العربي الجديد